الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 204 ] فصل التمكن

قال صاحب المنازل :

( باب التمكن ) قال الله تعالى ولا يستخفنك الذين لا يوقنون .

وجه استدلاله بالآية في غاية الظهور ، وهو أن المتمكن لا يبالي بكثرة الشواغل ، ولا بمخالطة أصحاب الغفلات ، ولا بمعاشرة أهل البطالات ، بل قد تمكن بصبره ويقينه عن استفزازهم إياه ، واستخفافهم له . ولهذا قال تعالى : فاصبر إن وعد الله حق فمن وفى الصبر حقه ، وتيقن أن وعد الله حق لم يستفزه المبطلون ، ولم يستخفه الذين لا يوقنون ومتى ضعف صبره ويقينه أو كلاهما استفزه هؤلاء واستخفه هؤلاء ، فجذبوه إليهم بحسب ضعف قوة صبره ويقينه ، فكلما ضعف ذلك منه قوي جذبهم له ، وكلما قوي صبره ويقينه قوي انجذابه منهم وجذبه لهم .

فصل .

قال الشيخ : التمكن : فوق الطمأنينة ، وهو الإشارة إلى غاية الاستقرار .

التمكن هو القدرة على التصرف في الفعل والترك ، ويسمى مكانة أيضا ، قال الله تعالى : قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل الآية .

[ ص: 205 ] وأكثر ما يطلق في اصطلاح القوم : على من انتقل إلى مقام البقاء بعد الفناء وهو الوصول عندهم ، وحقيقته : ظفر العبد بنفسه ، وهو أن تتوارى عنه أحكام البشرية بطلوع شمس الحقيقة واستيلاء سلطانها ، فإذا دامت له هذه الحال أو غلبت عليه فهو صاحب تمكين .

قال صاحب المنازل : التمكن : فوق الطمأنينة ، وهو الإشارة إلى غاية الاستقرار إنما كان فوق الطمأنينة ؛ لأنها تكون مع نوع من المنازعة ، فيطمئن القلب إلى ما يسكنه ، وقد يتمكن فيه وقد لا يتمكن ، ولذلك كان التمكن هو غاية الاستقرار ، وهو تفعل من المكان ، فكأنه قد صار مقامه مكانا لقلبه قد تبوأه منزلا ومستقرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية