فصل
قال صاحب المنازل :
nindex.php?page=treesubj&link=28708_29411المعرفة على ثلاث درجات ، والخلق فيها على ثلاث فرق : الدرجة الأولى : معرفة الصفات والنعوت ، وقد وردت أساميها بالرسالة ، وظهرت شواهدها في الصنعة : بتبصر النور القائم في السر ، وطيب حياة العقل لزرع الفكر ، وحياة القلب : بحسن النظر بين التعظيم ، وحسن الاعتبار ، وهي معرفة العامة التي لا تنعقد شرائط اليقين إلا بها ، وهي على ثلاثة أركان : إثبات الصفات باسمها من غير تشبيه ، ونفي التشبيه عنها من غير تعطيل ، والإياس من إدراك كنهها ، وابتغاء
[ ص: 323 ] تأويلها .
قلت :
nindex.php?page=treesubj&link=28706_29682الفرق بين الصفة والنعت من وجوه ثلاثة .
أحدها : أن النعت يكون بالأفعال التي تتجدد ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار الآية . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=10الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=11والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=12والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ونظائر ذلك .
و " الصفة " هي الأمور الثابتة اللازمة للذات ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24العزيز الحكيم ونظائر ذلك .
الفرق الثاني : أن الصفات الذاتية لا يطلق عليها اسم النعوت ، كالوجه واليدين ، والقدم ، والأصابع ، وتسمى صفات ، وقد أطلق عليها السلف هذا الاسم ، وكذلك متكلمو أهل الإثبات ، سموها صفات ، وأنكر بعضهم هذه التسمية ، كأبي الوفاء بن عقيل وغيره ، وقال : لا ينبغي أن يقال : نصوص الصفات ، بل آيات الإضافات ؛ لأن الحي لا يوصف بيده ولا وجهه ، فإن ذلك هو الموصوف ، فكيف تسمى صفة ؟
وأيضا : فالصفة معنى يعم الموصوف ، فلا يكون الوجه واليد صفة .
والتحقيق : أن هذا نزاع لفظي في التسمية ، فالمقصود : إطلاق هذه الإضافات عليه سبحانه ، ونسبتها إليه ، والإخبار عنه بها ، منزهة عن التمثيل والتعطيل ، سواء
[ ص: 324 ] سميت صفات أو لم تسم .
الفرق الثالث : أن النعوت ما يظهر من الصفات ويشتهر ، ويعرفه الخاص والعام ، والصفات : أعم ، فالفرق بين النعت والصفة فرق ما بين الخاص والعام ، ومنه قولهم في تحلية الشيء : نعته كذا وكذا ، لما يظهر من صفاته .
وقيل : هما لغتان ، لا فرق بينهما ، ولهذا يقول
نحاة البصرة : باب الصفة ، ويقول
نحاة الكوفة : باب النعت ، والمراد واحد ، والأمر قريب ، ونحن في غير هذا ، فلنرجع إلى المقصود .
وهو : أنه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة - بل ولا في الإيمان - حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه ،
nindex.php?page=treesubj&link=29442فالإيمان بالصفات وتعرفها : هو أساس الإسلام ، وقاعدة الإيمان ، وثمرة شجرة الإحسان ، فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وثمرة شجرة الإحسان ، فضلا عن أن يكون من أهل العرفان ، وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته مسيء الظن به ، وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر ، فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=22وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون .
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فأخبر سبحانه : أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته : من سوء ظنهم به ، وأنه هو الذي أهلكهم ، وقد قال في الظانين به ظن السوء
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=6عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولم يجئ مثل هذا الوعيد في غير من ظن السوء به سبحانه ، وجحد صفاته وإنكار حقائق أسمائه من أعظم ظن السوء به .
ولما كان أحب الأشياء إليه حمده ومدحه ، والثناء عليه بأسمائه وصفاته وأفعاله ؛ كان إنكارها وجحدها أعظم الإلحاد والكفر به ، وهو شر من الشرك ، فالمعطل شر من المشرك ، فإنه لا يستوي جحد صفات الملك وحقيقة ملكه والطعن في أوصافه هو ، والتشريك بينه وبين غيره في الملك ، فالمعطلون أعداء الرسل بالذات ، بل كل شرك في العالم فأصله التعطيل ، فإنه لولا تعطيل كماله - أو بعضه - وظن السوء به : لما أشرك به ، كما قال إمام الحنفاء وأهل التوحيد لقومه
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=86أئفكا آلهة دون الله تريدون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فما ظنكم برب العالمين [ ص: 325 ] أي فما ظنكم به أن يجازيكم ، وقد عبدتم معه غيره ؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء ؟ أظننتم : أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان ؟ أم ظننتم : أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده ، حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك ؟ أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم ، أم هو قاس ؛ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده ؟ أم ذليل ؛ فيحتاج إلى ولي يتكثر به من القلة ، ويتعزز به من الذلة ؟ أم يحتاج إلى الولد ؛ فيتخذ صاحبة يكون الولد منها ومنه ؟ تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا .
والمقصود : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28719التعطيل مبدأ الشرك وأساسه ، فلا تجد معطلا إلا وشركه على حسب تعطيله ، فمستقل ومستكثر .
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28708_29411الْمَعْرِفَةُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ ، وَالْخَلْقُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ : الدَّرَجَةُ الْأُولَى : مَعْرِفَةُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَسَامِيهَا بِالرِّسَالَةِ ، وَظَهَرَتْ شَوَاهِدُهَا فِي الصَّنْعَةِ : بِتَبَصُّرِ النُّورِ الْقَائِمِ فِي السِّرِّ ، وَطِيبِ حَيَاةِ الْعَقْلِ لِزَرْعِ الْفِكْرِ ، وَحَيَاةُ الْقَلْبِ : بِحُسْنِ النَّظَرِ بَيْنَ التَّعْظِيمِ ، وَحُسْنِ الِاعْتِبَارِ ، وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا تَنْعَقِدُ شَرَائِطُ الْيَقِينِ إِلَّا بِهَا ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ : إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ بِاسْمِهَا مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ ، وَنَفْيُ التَّشْبِيهِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ ، وَالْإِيَاسُ مِنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهَا ، وَابْتِغَاءِ
[ ص: 323 ] تَأْوِيلِهَا .
قُلْتُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28706_29682الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنَّعْتِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّ النَّعْتَ يَكُونُ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَجَدَّدُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ الْآيَةَ . وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=10الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=11وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=12وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ وَنَظَائِرِ ذَلِكَ .
وَ " الصِّفَةُ " هِيَ الْأُمُورُ الثَّابِتَةُ اللَّازِمَةُ لِلذَّاتِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَنَظَائِرِ ذَلِكَ .
الْفَرْقُ الثَّانِي : أَنَّ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ النُّعُوتِ ، كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ، وَالْقَدَمِ ، وَالْأَصَابِعِ ، وَتُسَمَّى صِفَاتٍ ، وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا السَّلَفُ هَذَا الِاسْمَ ، وَكَذَلِكَ مُتَكَلِّمُو أَهْلِ الْإِثْبَاتِ ، سَمَّوْهَا صِفَاتٍ ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ ، كَأَبِي الْوَفَاءِ بْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : نُصُوصُ الصِّفَاتِ ، بَلْ آيَاتُ الْإِضَافَاتِ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ لَا يُوصَفُ بِيَدِهِ وَلَا وَجْهِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْصُوفُ ، فَكَيْفَ تُسَمَّى صِفَةً ؟
وَأَيْضًا : فَالصِّفَةُ مَعْنًى يَعُمُّ الْمَوْصُوفَ ، فَلَا يَكُونُ الْوَجْهُ وَالْيَدُ صِفَةً .
وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ هَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ فِي التَّسْمِيَةِ ، فَالْمَقْصُودُ : إِطْلَاقُ هَذِهِ الْإِضَافَاتِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ ، وَنِسْبَتُهَا إِلَيْهِ ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِهَا ، مُنَزَّهَةً عَنِ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ ، سَوَاءً
[ ص: 324 ] سُمِّيَتْ صِفَاتٍ أَوْ لَمْ تُسَمَّ .
الْفَرْقُ الثَّالِثُ : أَنَّ النُّعُوتَ مَا يَظْهَرُ مِنَ الصِّفَاتِ وَيَشْتَهِرُ ، وَيَعْرِفُهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ ، وَالصِّفَاتُ : أَعَمُّ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّعْتِ وَالصِّفَةِ فَرْقٌ مَا بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي تَحْلِيَةِ الشَّيْءِ : نَعْتُهُ كَذَا وَكَذَا ، لِمَا يَظْهَرُ مِنْ صِفَاتِهِ .
وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَلِهَذَا يَقُولُ
نُحَاةُ الْبَصْرَةِ : بَابُ الصِّفَةِ ، وَيَقُولُ
نُحَاةُ الْكُوفَةِ : بَابُ النَّعْتِ ، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ ، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ ، وَنَحْنُ فِي غَيْرِ هَذَا ، فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَقْصُودِ .
وَهُوَ : أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لِلْعَبْدِ قَدَمٌ فِي الْمَعْرِفَةِ - بَلْ وَلَا فِي الْإِيمَانِ - حَتَّى يُؤْمِنَ بِصِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَيَعْرِفَهَا مَعْرِفَةً تُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْجَهْلِ بِرَبِّهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29442فَالْإِيمَانُ بِالصِّفَاتِ وَتَعَرُّفُهَا : هُوَ أَسَاسُ الْإِسْلَامِ ، وَقَاعِدَةُ الْإِيمَانِ ، وَثَمَرَةُ شَجَرَةِ الْإِحْسَانِ ، فَمَنْ جَحَدَ الصِّفَاتِ فَقَدْ هَدَمَ أَسَاسَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَثَمَرَةَ شَجَرَةِ الْإِحْسَانِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِرْفَانِ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنْكِرَ صِفَاتِهِ مُسِيءَ الظَّنِّ بِهِ ، وَتَوَعَّدَهُ بِمَا لَمْ يَتَوَعَّدْ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ ، فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=22وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ : أَنَّ إِنْكَارَهُمْ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ صِفَاتِهِ : مِنْ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِهِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَهْلَكَهُمْ ، وَقَدْ قَالَ فِي الظَّانِّينَ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=6عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ فِي غَيْرِ مَنْ ظَنَّ السَّوْءَ بِهِ سُبْحَانَهُ ، وَجَحْدُ صِفَاتِهِ وَإِنْكَارُ حَقَائِقِ أَسْمَائِهِ مِنْ أَعْظَمِ ظَنِّ السَّوْءِ بِهِ .
وَلَمَّا كَانَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ حَمْدَهُ وَمَدْحَهُ ، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ؛ كَانَ إِنْكَارُهَا وَجَحْدُهَا أَعْظَمَ الْإِلْحَادِ وَالْكُفْرِ بِهِ ، وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الشِّرْكِ ، فَالْمُعَطِّلُ شَرٌّ مِنَ الْمُشْرِكِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوِي جَحْدُ صِفَاتِ الْمَلِكِ وَحَقِيقَةُ مُلْكِهِ وَالطَّعْنُ فِي أَوْصَافِهِ هُوَ ، وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْمُلْكِ ، فَالْمُعَطِّلُونَ أَعْدَاءُ الرُّسُلِ بِالذَّاتِ ، بَلْ كُلُّ شِرْكٍ فِي الْعَالَمِ فَأَصْلُهُ التَّعْطِيلُ ، فَإِنَّهُ لَوْلَا تَعْطِيلُ كَمَالِهِ - أَوْ بَعْضِهِ - وَظَنُّ السَّوْءِ بِهِ : لَمَا أُشْرِكَ بِهِ ، كَمَا قَالَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ وَأَهْلِ التَّوْحِيدِ لِقَوْمِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=86أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ ص: 325 ] أَيْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ أَنْ يُجَازِيَكُمْ ، وَقَدْ عَبَدْتُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ ؟ وَمَا الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِهِ حَتَّى جَعَلْتُمْ مَعَهُ شُرَكَاءَ ؟ أَظْنَنْتُمْ : أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الشُّرَكَاءِ وَالْأَعْوَانِ ؟ أَمْ ظَنَنْتُمْ : أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِ عِبَادِهِ ، حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى شُرَكَاءَ تُعَرِّفُهُ بِهَا كَالْمُلُوكِ ؟ أَمْ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ بِتَدْبِيرِهِمْ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ ، أَمْ هُوَ قَاسٍ ؛ فَيَحْتَاجَ إِلَى شُفَعَاءَ يَسْتَعْطِفُونَهُ عَلَى عِبَادِهِ ؟ أَمْ ذَلِيلٌ ؛ فَيَحْتَاجَ إِلَى وَلِيٍّ يَتَكَثَّرُ بِهِ مِنَ الْقِلَّةِ ، وَيَتَعَزَّزُ بِهِ مِنَ الذِّلَّةِ ؟ أَمْ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَلَدِ ؛ فَيَتَّخِذَ صَاحِبَةً يَكُونُ الْوَلَدُ مِنْهَا وَمِنْهُ ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28719التَّعْطِيلَ مَبْدَأُ الشِّرْكِ وَأَسَاسُهُ ، فَلَا تَجِدُ مُعَطِّلًا إِلَّا وَشِرْكُهُ عَلَى حَسَبِ تَعْطِيلِهِ ، فَمُسْتَقِلٌ وَمُسْتَكْثِرٌ .