الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

وأما مرتبة الإعلام والإخبار ، فنوعان : إعلام بالقول ، وإعلام بالفعل ، وهذا شأن كل معلم لغيره بأمر : تارة يعلمه بقوله ، وتارة بفعله ، ولهذا كان من جعل دارا مسجدا ، وفتح بابها لكل من دخل إليها ، وأذن بالصلاة فيها : معلما أنها وقف ، وإن لم يتلفظ به ، وكذلك من وجد متقربا إلى غيره بأنواع المسار : معلما له ولغيره أنه يحبه ، وإن لم يتلفظ بقوله ، وكذلك بالعكس ، وكذلك شهادة الرب جل جلاله وبيانه وإعلامه ، يكون بقوله تارة ، وبفعله تارة أخرى ، فالقول : هو ما أرسل به رسله ، وأنزل به كتبه ، ومما قد علم بالاضطرار : أن جميع الرسل أخبروا عن الله : أنه شهد لنفسه بأنه لا إله إلا هو وأخبر بذلك ، وأمر عباده أن يشهدوا به ، وشهادته سبحانه أن لا إله إلا هو معلومة من جهة كل من بلغ عنه كلامه .

وأما بيانه وإعلامه بفعله : فهو ما تضمنه خبره تعالى عن الأدلة الدالة على وحدانيته التي تعلم دلالتها بالعقل والفطرة ، وهذا أيضا يستعمل فيه لفظ الشهادة ، كما يستعمل فيه لفظ الدلالة ، والإرشاد والبيان ، فإن الدليل يبين المدلول عليه ويظهره ، كما يبينه الشاهد والمخبر ، بل قد يكون البيان بالفعل أظهر وأبلغ ، وقد يسمى شاهد الحال نطقا وقولا وكلاما ، لقيامه مقامه ، وأدائه مؤداه ، كما قيل :


وقالت له العينان سمعا وطاعة وحدرتا بالدر لما يثقب

وقال الآخر :


شكا إلي جملي طول السرى     صبرا جميلا فكلانا مبتلى

[ ص: 422 ] وقال الآخر :


امتلأ الحوض وقال قطني     مهلا رويدا قد ملأت بطني

ويسمى هذا شهادة أيضا ، كما في قوله تعالى : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله ، فهي شهادة بكفرهم ، وهم شاهدون على أنفسهم بما شهدت به .

والمقصود : أن الله سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه ، فإن دلالتها إنما هي بخلقه وجعله ، ويشهد بآياته القولية الكلامية المطابقة لما شهدت به آياته الخلقية ، فتتطابق شهادة القول وشهادة الفعل ، كما قال تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أي أن القرآن حق ، فأخبر أنه يدل بآياته الأفقية والنفسية على صدق آياته القولية الكلامية ، وهذه الشهادة الفعلية قد ذكرها غير واحد من أئمة العربية والتفسير ، قال ابن كيسان : شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه : أنه لا إله إلا هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية