الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

وأما المرتبة الرابعة - وهي الأمر بذلك والإلزام به ، وإن كان مجرد الشهادة لا يستلزمه ، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه - فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به ، وقضى وأمر ، وألزم عباده به ، كما قال تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وقال تعالى : وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد وقال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، وقال تعالى : لا تجعل مع الله إلها آخر ، وقال الله سبحانه وتعالى : ولا تدع مع الله إلها آخر والقرآن كله شاهد بذلك .

[ ص: 423 ] ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك : أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو ، فقد أخبر ، وبين وأعلم ، وحكم وقضى : أن ما سواه ليس بإله ، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل ، وإثباتها أظلم الظلم ، فلا يستحق العبادة سواه ، كما لا تصلح الإلهية لغيره ، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلها ، والنهي عن اتخاذ غيره معها إلها ، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات ، كما إذا رأيت رجلا يستفتي أو يستشهد ، أو يستطب من ليس أهلا لذلك ، ويدع من هو أهل له ، فتقول : هذا ليس بمفت ولا شاهد ولا طبيب ، المفتي فلان ، والشاهد فلان ، والطبيب فلان ، فإن هذا أمر منك ونهي .

وأيضا فإن الأدلة قد دلت على أنه سبحانه وحده المستحق للعبادة ، فإذا أخبر أنه هو وحده المستحق للعبادة ، تضمن هذا الإخبار : أمر العباد وإلزامهم بأداء ما يستحقه الرب تعالى عليهم ، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم ، فإذا شهد سبحانه أنه لا إله إلا هو تضمنت شهادته الأمر والإلزام بتوحيده .

وأيضا فلفظ الحكم والقضاء يستعمل في الجمل الخبرية ، فيقال للجملة الخبرية قضية وحكم وقد حكم فيها بكيت وكيت ، قال تعالى : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أاصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون فجعل هذا الإخبار المجرد منهم حكما ، وقال في موضع آخر : أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون لكن هذا حكم لا إلزام معه ، والحكم والقضاء بأنه لا إله إلا هو : متضمن للإلزام ، والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية