فصل  
وأما المرتبة الرابعة - وهي  الأمر بذلك والإلزام به ،   وإن كان مجرد الشهادة لا يستلزمه ، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه - فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به ، وقضى وأمر ، وألزم عباده به ، كما قال تعالى  وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه   وقال تعالى :  وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد   وقال تعالى :  وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين   ، وقال تعالى :  لا تجعل مع الله إلها آخر   ، وقال الله سبحانه وتعالى :  ولا تدع مع الله إلها آخر   والقرآن كله شاهد بذلك .  
 [ ص: 423 ] ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك : أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو ، فقد أخبر ، وبين وأعلم ، وحكم وقضى : أن ما سواه ليس بإله ، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل ، وإثباتها أظلم الظلم ، فلا يستحق العبادة سواه ، كما لا تصلح الإلهية لغيره ، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلها ، والنهي عن اتخاذ غيره معها إلها ، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات ، كما إذا رأيت رجلا يستفتي أو يستشهد ، أو يستطب من ليس أهلا لذلك ، ويدع من هو أهل له ، فتقول : هذا ليس بمفت ولا شاهد ولا طبيب ، المفتي فلان ، والشاهد فلان ، والطبيب فلان ، فإن هذا أمر منك ونهي .  
وأيضا فإن الأدلة قد دلت على أنه سبحانه وحده المستحق للعبادة ، فإذا أخبر أنه هو وحده المستحق للعبادة ، تضمن هذا الإخبار : أمر العباد وإلزامهم بأداء ما يستحقه الرب تعالى عليهم ، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم ، فإذا شهد سبحانه أنه لا إله إلا هو تضمنت شهادته الأمر والإلزام بتوحيده .  
وأيضا فلفظ الحكم والقضاء يستعمل في الجمل الخبرية ، فيقال للجملة الخبرية قضية وحكم وقد حكم فيها بكيت وكيت ، قال تعالى :  ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أاصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون   فجعل هذا الإخبار المجرد منهم حكما ، وقال في موضع آخر :  أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون   لكن هذا حكم لا إلزام معه ، والحكم والقضاء بأنه لا إله إلا هو : متضمن للإلزام ، والله سبحانه أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					