فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28974وقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط " القسط " : هو العدل ، فشهد الله سبحانه : أنه قائم بالعدل في توحيده ، وبالوحدانية في عدله ، والتوحيد والعدل هما جماع صفات الكمال ، فإن التوحيد يتضمن تفرده سبحانه بالكمال والجلال والمجد والتعظيم الذي لا ينبغي لأحد سواه ، والعدل يتضمن وقوع أفعاله كلها على السداد والصواب وموافقة الحكمة .
فهذا توحيد الرسل وعدلهم : إثبات الصفات ، والأمر بعبادة الله وحده لا شريك
[ ص: 424 ] له ، وإثبات القدر والحكم ، والغايات المطلوبة المحمودة بفعله وأمره ، لا توحيد الجهمية والمعتزلة والقدرية ، الذي هو إنكار الصفات وحقائق الأسماء الحسنى ، وعدلهم ، الذي هو : التكذيب بالقدر ، أو نفي الحكم والغايات والعواقب الحميدة التي يفعل الله لأجلها ويأمر ، وقيامه سبحانه بالقسط في شهادته يتضمن أمورا .
أحدها : أنه قائم بالقسط في هذه الشهادة التي هي أعدل شهادة على الإطلاق ، وإنكارها وجحودها أعظم الظلم على الإطلاق ، فلا أعدل من التوحيد ولا أظلم من الشرك ، فهو سبحانه قائم بالعدل في هذه الشهادة قولا وفعلا ، حيث شهد بها ، وأخبر وأعلم عباده ، وبين لهم تحقيقها وصحتها ، وألزمهم بمقتضاها ، وحكم به ، وجعل الثواب والعقاب عليها ، وجعل الأمر والنهي من حقوقها وواجباتها ، فالدين كله من حقوقها ، والثواب كله عليها ، والعقاب كله على تركها .
وهذا هو العدل الذي قام به الرب تعالى في هذه الشهادة ، فأوامره كلها تكميل لها ، وأمر بأداء حقوقها ، ونواهيه كلها صيانة لها عما يهضمها ويضادها ، وثوابه كله عليها ، وعقابه كله على تركها ، وترك حقوقها ، وخلقه السماوات والأرض وما بينهما كان بها ولأجلها ، وهي الحق الذي خلقت به ، وضدها هو الباطل والعبث الذي نزه نفسه عنه ، وأخبر : أنه لم يخلق به السماوات والأرض ، قال تعالى - ردا على المشركين المنكرين لهذه الشهادة -
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=1حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وهذا كثير في القرآن ، والحق الذي خلقت به
[ ص: 425 ] السماوات والأرض ولأجله : هو التوحيد ، وحقوقه من الأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، فالشرع والقدر ، والخلق والأمر ، والثواب والعقاب قائم بالعدل ، والتوحيد صادر عنهما ، وهذا هو الصراط المستقيم الذي عليه الرب سبحانه وتعالى ، قال تعالى - حكاية عن نبيه
هود -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فهو سبحانه على صراط مستقيم في قوله وفعله ، فهو يقول الحق ، ويفعل العدل
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
فالصراط المستقيم - الذي عليه ربنا تبارك وتعالى - : هو مقتضى التوحيد والعدل ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم فهذا مثل ضربه الله لنفسه وللصنم ، فهو سبحانه الذي يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم ، والصنم مثل العبد الذي هو كل على مولاه ، أينما يوجهه لا يأت بخير .
والمقصود : أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط هو كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط نصب على الحال ، وفيه وجهان ، أحدهما : أنه حال من الفاعل في " شهد الله " والعامل فيها الفعل ، والمعنى على هذا : شهد الله حال قيامه بالقسط : أنه لا إله إلا هو ، والثاني : أنه حال من قوله " هو " والعامل فيها معنى النفي ، أي لا إله إلا هو ، حال كونه قائما بالقسط ، وبين التقديرين فرق ظاهر ، فإن التقدير الأول : يتضمن أن المعنى : " شهد الله " متكلما بالعدل ، مخبرا به ، آمرا به ، فاعلا له ، مجازيا به - أنه لا إله إلا هو ، فإن العدل يكون في القول والفعل ، والمقسط هو العادل في قوله وفعله ، فشهد الله قائما بالعدل - قولا وفعلا - أنه لا إله إلا هو ، وفي ذلك تحقيق لكون هذه الشهادة شهادة عدل وقسط ، وهي أعدل شهادة ، كما أن المشهود به أعدل شيء ، وأصحه وأحقه ، وذكر ابن السائب وغيره في سبب نزول الآية ما يشهد بذلك ، وهو
أن حبرين من أحبار الشام قدما على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بمدينة النبي الذي يخرج في آخر [ ص: 426 ] الزمان ، فلما دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قالا له : أنت محمد ؟ قال : نعم ، وأحمد ؟ قال : نعم ، قالا : نسألك عن شهادة ، فإن أخبرتنا بها آمنا بك ، قال : سلاني ، قالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو - الآية وإذا كان القيام بالقسط يكون في القول والفعل كان المعنى : أنه كان سبحانه يشهد وهو قائم بالعدل عالم به ، لا بالظلم ، فإن هذه الشهادة تضمنت قولا وعملا ، فإنها تضمنت : أنه هو الذي يستحق العبادة وحده دون غيره ، وأن الذين عبدوه وحده : هم المفلحون السعداء ، وأن الذين أشركوا به غيره هم الضالون الأشقياء ، فإذا شهد قائما بالعدل - المتضمن جزاء المخلصين بالجنة ، وجزاء المشركين بالنار - : كان هذا من تمام موجب الشهادة وتحقيقها ، وكان قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط تنبيها على جزاء الشاهد بها والجاحد لها ، والله أعلم .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28974وَقَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ " الْقِسْطِ " : هُوَ الْعَدْلُ ، فَشَهِدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ فِي تَوْحِيدِهِ ، وَبِالْوَحْدَانِيَّةِ فِي عَدْلِهِ ، وَالتَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ هُمَا جِمَاعُ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ يَتَضَمَّنُ تَفَرُّدَهُ سُبْحَانَهُ بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمَجْدِ وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ سِوَاهُ ، وَالْعَدْلُ يَتَضَمَّنُ وُقُوعَ أَفْعَالِهِ كُلِّهَا عَلَى السَّدَادِ وَالصَّوَابِ وَمُوَافَقَةِ الْحِكْمَةِ .
فَهَذَا تَوْحِيدُ الرُّسُلِ وَعَدْلُهُمْ : إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ ، وَالْأَمْرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
[ ص: 424 ] لَهُ ، وَإِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَالْحِكَمِ ، وَالْغَايَاتِ الْمَطْلُوبَةِ الْمَحْمُودَةِ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ ، لَا تَوْحِيدَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ، الَّذِي هُوَ إِنْكَارُ الصِّفَاتِ وَحَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ، وَعَدْلُهُمْ ، الَّذِي هُوَ : التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ ، أَوْ نَفْيُ الْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ وَالْعَوَاقِبِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي يَفْعَلُ اللَّهُ لِأَجْلِهَا وَيَأْمُرُ ، وَقِيَامُهُ سُبْحَانَهُ بِالْقِسْطِ فِي شَهَادَتِهِ يَتَضَمَّنُ أُمُورًا .
أَحَدَهَا : أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ شَهَادَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِنْكَارُهَا وَجُحُودُهَا أَعْظَمُ الظُّلْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَلَا أَعْدَلَ مِنَ التَّوْحِيدِ وَلَا أَظْلَمَ مِنَ الشِّرْكِ ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا ، حَيْثُ شَهِدَ بِهَا ، وَأَخْبَرَ وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ ، وَبَيَّنَ لَهُمْ تَحْقِيقَهَا وَصِحَّتَهَا ، وَأَلْزَمَهُمْ بِمُقْتَضَاهَا ، وَحَكَمَ بِهِ ، وَجَعَلَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مِنْ حُقُوقِهَا وَوَاجِبَاتِهَا ، فَالدِّينُ كُلُّهُ مِنْ حُقُوقِهَا ، وَالثَّوَابُ كُلُّهُ عَلَيْهَا ، وَالْعِقَابُ كُلُّهُ عَلَى تَرْكِهَا .
وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ، فَأَوَامِرُهُ كُلُّهَا تَكْمِيلٌ لَهَا ، وَأَمْرٌ بِأَدَاءِ حُقُوقِهَا ، وَنَوَاهِيهِ كُلُّهَا صِيَانَةٌ لَهَا عَمَّا يَهْضِمُهَا وَيُضَادُّهَا ، وَثَوَابُهُ كُلُّهُ عَلَيْهَا ، وَعِقَابُهُ كُلُّهُ عَلَى تَرْكِهَا ، وَتَرْكِ حُقُوقِهَا ، وَخَلْقُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا كَانَ بِهَا وَلِأَجْلِهَا ، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ بِهِ ، وَضِدُّهَا هُوَ الْبَاطِلُ وَالْعَبَثُ الَّذِي نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ ، وَأَخْبَرَ : أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، قَالَ تَعَالَى - رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=1حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَالْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ بِهِ
[ ص: 425 ] السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَلِأَجْلِهِ : هُوَ التَّوْحِيدُ ، وَحُقُوقُهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، فَالشَّرْعُ وَالْقَدَرُ ، وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ ، وَالتَّوْحِيدُ صَادِرٌ عَنْهُمَا ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، قَالَ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ
هُودٍ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ ، فَهُوَ يَقُولُ الْحَقَّ ، وَيَفْعَلُ الْعَدْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ .
فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ - الَّذِي عَلَيْهِ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : هُوَ مُقْتَضَى التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِلصَّنَمِ ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَالصَّنَمُ مَثَلُ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ، أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ هُوَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي " شَهِدَ اللَّهُ " وَالْعَامِلُ فِيهَا الْفِعْلُ ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : شَهِدَ اللَّهُ حَالَ قِيَامِهِ بِالْقِسْطِ : أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ " هُوَ " وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى النَّفْيِ ، أَيْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، حَالَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ، وَبَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ : يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمَعْنَى : " شَهِدَ اللَّهُ " مُتَكَلِّمًا بِالْعَدْلِ ، مُخْبِرًا بِهِ ، آمِرًا بِهِ ، فَاعِلًا لَهُ ، مُجَازِيًا بِهِ - أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، فَإِنَّ الْعَدْلَ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَالْمُقْسِطُ هُوَ الْعَادِلُ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ ، فَشَهِدَ اللَّهُ قَائِمًا بِالْعَدْلِ - قَوْلًا وَفِعْلًا - أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَقِسْطٍ ، وَهِيَ أَعْدَلُ شَهَادَةٍ ، كَمَا أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَعْدَلُ شَيْءٍ ، وَأَصَحُّهُ وَأَحَقُّهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ السَّائِبِ وَغَيْرُهُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ
أَنَّ حَبْرَيْنِ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ قَدِمَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمَّا أَبْصَرَا الْمَدِينَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ [ ص: 426 ] الزَّمَانِ ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَا لَهُ : أَنْتَ مُحَمَّدٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَأَحْمَدُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَا : نَسْأَلُكَ عَنْ شَهَادَةٍ ، فَإِنْ أَخْبَرَتْنَا بِهَا آمَنَّا بِكَ ، قَالَ : سَلَانِي ، قَالَا : أَخْبِرْنَا عَنْ أَعْظَمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَنَزَلَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - الْآيَةَ وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَانَ الْمَعْنَى : أَنَّهُ كَانَ سُبْحَانَهُ يَشْهَدُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ عَالِمٌ بِهِ ، لَا بِالظُّلْمِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَضَمَّنَتْ قَوْلًا وَعَمَلًا ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ : أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ ، وَأَنَّ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَحْدَهُ : هُمُ الْمُفْلِحُونَ السُّعَدَاءُ ، وَأَنَّ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ هُمُ الضَّالُّونَ الْأَشْقِيَاءُ ، فَإِذَا شَهِدَ قَائِمًا بِالْعَدْلِ - الْمُتَضَمِّنِ جَزَاءَ الْمُخْلِصِينَ بِالْجَنَّةِ ، وَجَزَاءَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّارِ - : كَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ مُوجَبِ الشَّهَادَةِ وَتَحْقِيقِهَا ، وَكَانَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ تَنْبِيهًا عَلَى جَزَاءِ الشَّاهِدِ بِهَا وَالْجَاحِدِ لَهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .