الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ويستوي في وجوب الجزاء بقتل الصيد المبتدئ والعائد وهو أن يقتل صيدا ثم يعود ويقتل آخر وثم إنه يجب لكل صيد جزاء على حدة ، وهذا قول عامة العلماء ، وعامة الصحابة رضي الله عنهم ، وعن ابن عباس أنه لا جزاء على العائد ، وهو قول : الحسن ، وشريح ، وإبراهيم ، واحتجوا بقوله تعالى { ومن عاد فينتقم الله منه } جعل جزاء العائد الانتقام في الآخرة فتنتفي الكفارة في الدنيا ، ولنا أن قوله تعالى { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } يتناول القتل في كل مرة ، فيقتضي وجوب الجزاء في كل مرة ، كما في قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ونحو ذلك .

                                                                                                                                وأما قوله تعالى { ومن عاد فينتقم الله منه } ففيه أن الله تعالى ينتقم من العائد ، وليس فيه أن ينتقم منه بماذا ؟ فيحتمل أنه ينتقم منه بالكفارة ، كذا قال بعض أهل التأويل فينتقم الله منه بالكفارة في الدنيا ، أو بالعذاب في الآخرة على أن الوعيد في الآخرة لا ينفي وجوب الجزاء في الدنيا ، كما أن الله تعالى جعل حد المحاربين لله ورسوله جزاء لهم في الدنيا بقوله { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } الآية قال عز وجل في آخرها { ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } ومنهم من صرف تأويل الآية الكريمة إلى استحلال الصيد ، فقال الله عز وجل { عفا الله عما سلف } في الجاهلية من استحلالهم الصيد إذا تاب ورجع ، عما استحل من قتل الصيد ، ومن عاد إلى الاستحلال فينتقم الله منه بالنار في الآخرة .

                                                                                                                                وبه نقول هذا إذا لم يكن قتل الثاني والثالث على وجه الرفض والإحلال .

                                                                                                                                فأما إذا كان على وجه الرفض والإحلال لإحرامه فعليه جزاء واحد استحسانا ، والقياس أن يلزمه لكل واحد منهما دم لأن الموجود ليس إلا نية الرفض ونية الرفض لا يتعلق بها حكم ، لأنه لا يصير حلالا بذلك فكان وجودها والعدم بمنزلة واحدة إلا أنهم استحسنوا وقالوا لا يجب إلا جزاء واحد ; لأن الكل وقع على وجه واحد فأشبه الإيلاجات في الجماع .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية