( فصل ) :
وأما ركن النكاح فهو الإيجاب والقبول .
وذلك بألفاظ مخصوصة ، أو ما يقوم مقام اللفظ ، فيقع الكلام في هذا الفصل في أربعة مواضع أحدها : في بيان اللفظ الذي ينعقد النكاح به بحروفه - والثاني : في بيان صيغة ذلك اللفظ .
والثالث : في بيان أن النكاح هل ينعقد بعاقد واحد أو لا ينعقد إلا بعاقدين .
والرابع : في بيان صفة الإيجاب والقبول أما بيان فنقول - وبالله التوفيق - : لا خلاف أن النكاح ينعقد بلفظ الإنكاح والتزويج . اللفظ الذي ينعقد به النكاح بحروفه
وهل ينعقد بلفظ البيع ، والهبة ، والصدقة ، والتمليك ؟ قال أصحابنا - رحمهم الله - : ينعقد .
وقال : لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج ، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الشافعي } وكلمته التي أحل بها الفروج في كتابه الكريم لفظ الإنكاح والتزويج فقط قال الله تعالى : { اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ، اتخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله وأنكحوا الأيامى منكم } وقال سبحانه وتعالى [ ص: 230 ] { زوجناكها } ولأن الحكم الأصلي للنكاح هو الازدواج والملك يثبت وسيلة إليه ; فوجب اختصاصه بلفظ يدل على الازدواج ، وهو لفظ التزويج والإنكاح لا غير .
ولنا أنه انعقد نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة ، فينعقد به نكاح أمته .
ودلالة الوصف قوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك } معطوفا على قوله { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } أخبر الله تعالى أن المرأة المؤمنة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم عند استنكاحه إياها حلال له .
وما كان مشروعا في حق النبي صلى الله عليه وسلم يكون مشروعا في حق أمته هو الأصل ، حتى يقوم دليل الخصوص ، فإن قيل : قد قام دليل الخصوص ههنا وهو قوله تعالى { خالصة لك من دون المؤمنين } فالجواب : أن المراد منه خالصة لك من دون المؤمنين بغير أجر فالخلوص يرجع إلى الأجر لا إلى لفظ الهبة لوجوه أحدها : ذكره عقيبه وهو قوله عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } فدل أن خلوص تلك المرأة له كان بالنكاح بلا فرض منه .
والثاني : أنه قال تعالى { لكي لا يكون عليك حرج } ومعلوم أنه لا حرج كان يلحقه في نفس العبارة ، وإنما الحرج في إعطاء البدل .
والثالث : أن هذا خرج مخرج الامتنان عليه وعلى أمته في لفظ الهبة ، ليست تلك في لفظة التزويج ، فدل أن المنة فيما صارت له بلا مهر ، فانصرف الخلوص إليه ; ولأن الانعقاد بلفظ النكاح والتزويج لكونه لفظا موضوعا لحكم أصل النكاح شرعا وهو الازدواج وأنه لم يشرع بدون الملك ، فإذا أتي به يثبت الازدواج باللفظ ، ويثبت الملك الذي يلازمه شرعا .
ولفظ التمليك موضوع لحكم آخر أصلي للنكاح وهو الملك ، وإنه غير مشروع في النكاح بدون الازدواج فإذا أتي به وجب أن يثبت به الملك ، ويثبت الازدواج الذي يلازمه شرعا ، استدلالا لأحد اللفظين بالآخر ، وهذا لأنهما حكمان متلازمان شرعا ، ولم يشرع أحدهما بدون الآخر ، فإذا ثبت أحدهما ثبت الآخر ضرورة ، ويكون الرضا بأحدهما رضا بالآخر .
وأما الحديث فنقول بموجبه لكن لم قلتم : إن استحلال الفروج بهذه الألفاظ استحلال بغير كلمة الله فيرجع الكلام إلى تفسير الكلمة المذكورة فنقول : كلمة الله تعالى تحتمل حكم الله عز وجل كقوله تعالى { ولولا كلمة سبقت من ربك } فلم قلتم بأن جواز النكاح بهذه الألفاظ ليس حكم الله تعالى والدليل على أنه حكم الله تعالى ما ذكرنا من الدلائل مع ما أن كل لفظ جعل علما على حكم شرعي فهو حكم الله تعالى ، وإضافة الكلمة إلى الله تعالى باعتبار أن الشارع هو الله تعالى فهو الجاعل اللفظ سببا لثبوت الحكم شرعا ، فكان كلمة الله تعالى فمن هذا الوجه على الاستحلال بكلمة الله لا ينفى الاستحلال لا بكلمة الله تعالى فكان مسكوتا عنه فلا يصح الاحتجاج به .