ومنها فلا ينعقد إنكاح من لا ولاية له ، والكلام في هذا الشرط يقع في مواضع في بيان أنواع الولاية ، وفي بيانه سبب ثبوت كل نوع ، وفي بيان شرط ثبوت كل نوع وما يتصل به أما الأول : فالولاية في باب النكاح أنواع أربعة : ولاية الملك ، وولاية القرابة ، وولاية الولاء ، وولاية الإمامة ، أما . الولاية في النكاح
: فسبب ثبوتها الملك ; لأن ولاية الإنكاح ولاية نظر ، والملك داع إلى الشفقة والنظر في حق المملوك ; فكان سببا لثبوت الولاية ، ولا ولاية للمملوك لعدم الملك له ; إذ هو مملوك في نفسه فلا يكون مالكا . ولاية الملك
وأما فمنها : عقل المالك ، ومنها بلوغه ، فلا يجوز الإنكاح من المجنون والصبي الذي لا يعقل ولا من الصبي العاقل ; لأن هؤلاء ليسوا من أهل الولاية ; لأن أهلية الولاية بالقدرة على تحصيل النظر في حق المولى عليه ، وذلك بكمال الرأي والعقل ولم يوجد ألا ترى أنه لا ولاية لهم على أنفسهم فكيف يكون على غيرهم ؟ ; ومنها الملك المطلق ، وهو أن يكون المولى عليه مملوكا للمالك رقبة ويدا ، وعلى هذا يخرج إنكاح الرجل أمته ، أو مدبرته ، أو أم ولده ، أو عبده ، أو مدبره أنه جائز سواء رضي به المملوك أو لا ، ولا يجوز شرائط ثبوت هذه الولاية إلا برضاهما أما إنكاح المكاتب والمكاتبة فلا خلاف في جوازه ، صغيرة كانت أو كبيرة . إنكاح الأمة والمدبرة وأم الولد
وأما إنكاح العبد فإن كان صغيرا يجوز ، وإن كان كبيرا فقد ذكر في ظاهر الرواية أنه يجوز من غير رضاه وروي عن أنه لا يجوز إلا برضاه . أبي حنيفة
وبه أخذ . الشافعي
( وجه ) هذه الرواية أن منافع بضع العبد لم تدخل تحت ملك المولى بل هو أجنبي عنها ، والإنسان لا يملك التصرف في ملك غيره من غير رضاه ، ولهذا لا يملك إنكاح المكاتب والمكاتبة ، بخلاف الأمة ; لأن منافع بضعها مملوكة للمولى ولأن نكاح المكره لا ينفذ ما وضع له من المقاصد المطلوبة منه ; لأن حصولها بالدوام على النكاح ، والقرار عليه .
ونكاح المكره لا يدوم بل يزيله العبد بالطلاق فلا يفيد فائدة .
( وجه ) ظاهر الرواية قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } أمر الله سبحانه وتعالى الموالي بإنكاح العبيد والإماء مطلقا عن شرط الرضا ، فمن شرطه يحتاج إلى الدليل ; ولأن إنكاح المملوك من المولى تصرف لنفسه ; لأن مقاصد النكاح ترجع إليه ; فإن الولد في إنكاح الأمة له وكذا في إنكاح أمته من عبده ، ومنفعة العقد عن الزنا الذي يوجب نقصان مالية مملوكه حصل له أيضا ، فكان هذا الإنكاح تصرفا لنفسه .
ومن تصرف في ملك نفسه لنفسه ينفذ ، [ ص: 238 ] ولا يشترط فيه رضا المتصرف فيه ، كما في البيع والإجارة وسائر التصرفات ; ولأن العبد ملكه بجميع أجزائه مطلقا لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم ولكل مالك ولاية التصرف في ملكه إذا كان التصرف مصلحة ، وإنكاح العبد مصلحة في حقه ; لما فيه من صيانة ملكه عن النقصان بواسطة الصيانة عن الزنا .
وقوله : " منافع البضع غير مملوكة لسيده " ممنوع بل هي مملوكة إلا أن مولاها إذا كانت أمة منعت من استيفائها ، لما فيه من الفساد وهذا لا يمنع ثبوت الملك كالجارية المجوسية والأخت من الرضاعة أنه يمنع المولى من الاستمتاع بهما مع قيام الملك كذا هذا .
والملك المطلق لم يوجد في المكاتب ; لزوال ملك اليد بالكتابة حتى كان أحق بالكتابة ، ولهذا لم يدخل تحت مطلق اسم المملوك في قوله : " كل مملوك لي فهو حر " إلا بالنية فقيام ملك الرقبة إن اقتضى ثبوت الولاية فانعدام ملك اليد يمنع من الثبوت ، فلا تثبت الولاية بالشك ; ولأن في التزويج من غير رضا المكاتب ضررا ; لأن المولى بعقد الكتابة جعله أحق بمكاسبه ليتوصل بها إلى شرف الحرية فالتزويج من غير رضاه يوجب تعلق المهر والنفقة بكسبه ، فلا يصل إلى الحرية فيتضرر به ، بشرط رضاه دفعا للضرر عنه .
وقوله : " لا فائدة في هذا النكاح " ممنوع ; فإن في طبع كل فحل التوقان إلى النساء ، فالظاهر هو قضاء الشهوة خصوصا عند عدم المانع - وهو الحرمة - وكذا الظاهر من حال العبد الامتناع من بعض تصرف المولى احتراما له فيبقى النكاح فيفيد فائدة تامة - والله الموفق - .