( فصل ) :
ومنها المال ; لأن التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة ، وخصوصا في زماننا هذا ; ولأن للنكاح تعلقا بالمهر والنفقة تعلقا لازما ، فإنه لا يجوز بدون المهر ، والنفقة لازمة ، ولا تعلق له بالنسب والحرية ، فلما اعتبرت الكفاءة ثمة ، فلأن تعتبر ههنا أولى ، والمعتبر فيه القدرة على مهر مثلها ، والنفقة ، ولا تعتبر الزيادة على ذلك حتى أن الزوج إذا كان قادرا على مهر مثلها ، ونفقتها يكون كفئا لها ، وإن كان لا يساويها في المال هكذا روي عن ، فلا يكون الفقير كفئا للغنية أبي حنيفة ، وأبي يوسف في ظاهر الروايات ومحمد
وذكر في غير رواية الأصول أن تساويهما في الغنى شرط تحقق الكفاءة في قول ، أبي حنيفة خلافا ومحمد ; لأن التفاخر يقع في الغنى عادة ، والصحيح هو الأول ; لأن الغنى لا ثبات له ; لأن المال غاد ورائح ، فلا تعتبر المساواة في الغنى . لأبي يوسف
ومن لا يملك مهرا ، ولا نفقة لا يكون كفئا ; لأن المهر عوض ما يملك بهذا العقد ، فلا بد من القدرة عليه ، وقيام الازدواج بالنفقة ، فلا بد من القدرة عليها ; ولأن من لا قدرة له على المهر ، والنفقة يستحقر ، ويستهان في العادة كمن له نسب دنيء ، فتختل به المصالح كما تختل عند دناءة النسب ، وقيل المراد من المهر قدر المعجل عرفا وعادة دون ما في الذمة ; لأن ما في الذمة يسامح فيه بالتأخير إلى وقت اليسار ، فلا يطلب به للحال عادة ، والمال غاد ورائح .
وروي عن أنه إذا ملك النفقة يكون كفئا ، وإن لم يملك المهر هكذا روى أبي يوسف الحسن بن أبي مالك [ ص: 320 ] عنه ، فإنه روى عنه أنه قال : سألت عن الكفء ، فقال : الذي يملك المهر ، والنفقة ، فقلت ، وإن كان يملك المهر دون النفقة ، فقال : لا يكون كفئا ، فقلت ، فإن ملك النفقة دون المهر ، فقال : يكون كفئا ، وإنما كان كذلك ; لأن المرء يعد قادرا على المهر بقدرة أبيه عادة ، ولهذا لم يجز دفع الزكاة إلى ولد الغني إذا كان صغيرا ، وإن كان فقيرا في نفسه ; لأنه يعد غنيا بمال أبيه ، ولا يعد قادرا على النفقة بغنى أبيه ; لأن الأب يتحمل المهر الذي على ابنه ، ولا يتحمل نفقة زوجته عادة . أبا يوسف
وقال : بعضهم إذا كان الرجل ذا جاه كالسلطان والعالم ، فإنه يكون كفئا ، وإن كان لا يملك من المال إلا قدر النفقة لما ذكرنا أن المهر تجري فيه المسامحة بالتأخير إلى وقت اليسار ، والمال يغدو ، ويروح ، وحاجة المعيشة تندفع بالنفقة .