وكذلك ما ليس له دم سائل مثل الحية والوزغ وسام أبرص وجميع الحشرات وهوام الأرض من الفأر والقراد والقنافذ والضب واليربوع وابن عرس ونحوها ، ولا خلاف في حرمة هذه الأشياء إلا في الضب فإنه حلال عند الشافعي ، واحتج بما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال { : أكلت على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم ضب ، } وعن ابن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إنه لم يكن بأرض قومي فأجد نفسي تعافه فلا آكله ولا أحرمه } وهذا نص على عدم الحرمة الشرعية وإشارة إلى الكراهة الطبيعية .
( ولنا ) قوله تبارك وتعالى { ويحرم عليهم الخبائث } والضب من الخبائث وروي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها { أن النبي عليه الصلاة والسلام [ ص: 37 ] أهدي إليه لحم ضب فامتنع أن يأكله فجاءت سائلة فأرادت سيدتنا عائشة رضي الله عنها أن تطعمها إياه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتطعمين ما لا تأكلين ؟ } ولا يحتمل أن يكون امتناعه لما أن نفسه الشريفة عافته ; لأنه لو كان كذلك لما منع من التصدق به كشاة الأنصار إنه لما امتنع من أكلها أمر بالتصدق بها ; ولأن الضب من جملة المسوخ والمسوخ محرمة كالدب والقرد والفيل فيما قيل والدليل عليه ما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال عليه الصلاة والسلام إن أمة مسخت في الأرض وإني أخاف أن يكون هذا منها } وهكذا روي { عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : كنا في بعض المغازي فأصابتنا مجاعة فنزلنا في أرض كثيرة الضباب فنصبنا القدور وكانت القدور تغلي إذ جاء النبي عليه الصلاة والسلام فقال : ما هذا ؟ قلنا الضب يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام : إن أمة مسخت فأخاف أن يكون هذا منها فأمر بإلقاء القدور } ، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وما روينا فهو خاطر والعمل بالخاطر أولى .


