وعلى هذا يخرج إن خرج حيا فذكي يحل وإن مات قبل الذبح لا يؤكل بلا خلاف وإن خرج ميتا فإن لم يكن كامل الخلق لا يؤكل أيضا في قولهم جميعا ; لأنه بمعنى المضغة ، وإن كان كامل الخلق اختلف فيه قال الجنين إذا خرج بعد ذبح أمه رضي الله عنه : لا يؤكل وهو قول أبو حنيفة زفر رحمهم الله ، وقال والحسن بن زياد أبو يوسف ومحمد رحمهم الله : لا بأس بأكله واحتجوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام { والشافعي } فيقتضي أنه يتذكى بذكاة أمه ولأنه تبع لأمه حقيقة وحكما . ذكاة الجنين بذكاة أمه
( أما ) الحقيقة فظاهر .
وأما الحكم ; فلأنه يباع ببيع الأم ويعتق بعتقها والحكم في التبع يثبت بعلة الأصل ولا يشترط له علة على حدة لئلا ينقلب التبع أصلا ، قوله تعالى { ولأبي حنيفة حرمت عليكم الميتة والدم } والجنين ميتة ; لأنه لا حياة فيه والميتة ما لا حياة فيه فيدخل تحت النص فإن قيل الميتة اسم لزائل الحياة [ ص: 43 ] فيستدعي تقدم الحياة وهذا لا يعلم في الجنين فالجواب أن تقدم الحياة ليس بشرط لإطلاق اسم الميت ، قال الله تبارك وتعالى { وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم } على أنا إن سلمنا ذلك فلا بأس به ; لأنه يحتمل أنه كان حيا فمات بموت الأم ويحتمل أنه لم يكن فيحرم احتياطا ; ولأنه أصل في الحياة فيكون له أصل في الذكاة ، والدليل على أنه أصل في الحياة أنه يتصور بقاؤه حيا بعد ذبح الأم .
ولو كان تبعا للأم في الحياة لما تصور بقاؤه حيا بعد زوال الحياة عن الأم وإذا كان أصلا في الحياة يكون أصلا في الذكاة ; لأن الذكاة تفويت الحياة ولأنه إذا تصور بقاؤه حيا بعد ذبح الأم لم يكن ذبح الأم سببا لخروج الدم عنه إذ لو كان لما تصور بقاؤه حيا بعد ذبح الأم إذ الحيوان الدموي لا يعيش بدون الدم عادة فبقي الدم المسفوح فيه ولهذا إذا جرح يسيل منه الدم ، وأنه حرم بقوله سبحانه وتعالى { دما مسفوحا } وقوله عز شأنه { حرمت عليكم الميتة والدم } ولا يمكن التمييز بين لحمه ودمه فيحرم لحمه أيضا .
وأما الحديث فقد روي بنصب الذكاة الثانية معناه كذكاة أمه إذ التشبيه قد يكون بحرف التشبيه وقد يكون بحذف حرف التشبيه ، قال الله تعالى { وهي تمر مر السحاب } ، وقال عز شأنه { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } أي كنظر المغشي عليه وهذا حجة عليكم ; لأن تشبيه ذكاة الجنين بذكاة أمه يقتضي استواءهما في الافتقار إلى الذكاة .
ورواية الرفع تحتمل التشبيه أيضا قال الله سبحانه وتعالى { وجنة عرضها السموات والأرض } أي : عرضها كعرض السموات فيكون حجة عليكم ويحتمل الكناية كما قالوا فلا تكون حجة مع الاحتمال مع أنه من أخبار الآحاد ورد فيما تعم به البلوى وأنه دليل عدم الثبوت إذ لو كان ثابتا لاشتهر .