( وأما ) فيحل شربه للتداوي واستمراء الطعام والتقوي على الطاعة عند المعتق المسكر وأبي يوسف رضي الله عنهما وروى أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يحل ، وهو قول محمد رحمه الله وأجمعوا على أنه لا يحل شربه للهو والطرب كذا روى الشافعي رحمه الله في الأمالي وقال لو أراد أن يشرب المسكر فقليله وكثيره حرام وقعوده لذلك والمشي إليه حرام . أبو يوسف
( وجه ) قول محمد رحمهما الله ما روي عن سيدتنا والشافعي رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عائشة } وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { ما أسكر كثيره فقليله حرام } إنما سمي خمرا لكونه مخامرا للعقل ، ومعنى المخامرة يوجد في سائر الأشربة المسكرة كل مسكر من عصير العنب وأبو حنيفة رضي الله عنهما احتجا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة الكرام رضي الله عنهم . وأبو يوسف
( أما ) الحديث فما ذكره رحمه الله في شرح الآثار عن الطحاوي رضي الله تعالى عنهما { عبد الله ابن سيدنا عمر } ( وأما ) الآثار فمنها ما روي عن سيدنا أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بنبيذ فشمه فقطب وجهه لشدته ، ثم دعا بماء فصبه عليه وشرب منه رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ الشديد ، ويقول : " إنا لننحر الجزور وإن العتق منها لآل عمر ولا يقطعه إلا النبيذ الشديد . عمر
( ومنها ) ما روينا عنه أنه كتب إلى رضي الله عنهما إني أتيت بشراب من عمار بن ياسر الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه ، فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم ، نص على الحل ونبه على المعنى وهو زوال الشدة المسكرة بقوله " ويذهب ريح جنونه " ، وندب إلى الشرب بقوله " فليتوسعوا من أشربتهم ( ومنها ) ما روي عن سيدنا رضي الله عنه أنه أضاف قوما فسقاهم فسكر بعضهم فحده فقال الرجل : " تسقيني ثم تحدني " ، فقال سيدنا علي رضي الله عنه : " إنما أحدك للسكر وروي هذا المذهب عن علي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال حين سئل عن النبيذ : اشرب الواحد والاثنين والثلاثة ، فإذا خفت السكر فدع ، وإذا ثبت الإحلال من هؤلاء الكبار من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم فالقول بالتحريم يرجع إلى تفسيقهم ، وأنه بدعة ولهذا عد وعبد الله ابن سيدنا عمر رضي الله عنه إحلال المثلث من شرائط مذهب السنة والجماعة ، فقال في [ ص: 117 ] بيانها : " أن يفضل الشيخين ، ويحب الختنين ، وأن يرى المسح على الخفين ، وأن لا يحرم نبيذ الخمر " لما أن في القول بتحريمه تفسيق كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والكف عن تفسيقهم ، والإمساك عن الطعن فيهم من شرائط السنة والجماعة . أبو حنيفة
( وأما ) ما ورد من الأخبار ففيها طعن ، ثم بها تأويل ، ثم قول بموجبها ( أما ) الطعن فإن رحمه الله قد ردها ، وقال : " لا تصح عن النبي " عليه الصلاة والسلام وهو من نقلة الأحاديث ، فطعنه يوجب جرحا في الحديثين ( وأما ) التأويل فهو أنها محمولة على الشرب للتلهي توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض ( وأما ) القول بالموجب فهو أن المسكر عندنا حرام ، وهو القدح الأخير ; لأن المسكر ما يحصل به الإسكار ، وإنه يحصل بالقدح الأخير ، وهو حرام قليله وكثيره ، وهذا قول بموجب الأحاديث إن ثبتت بحمد الله تعالى . يحيى بن معين
( وأما ) قولهم : إن هذه الأشربة خمر لوجود معنى الخمر فيها ، وهو صفة مخامرة العقل قلنا : اسم الخمر للنيء من ماء العنب إذا صار مسكرا حقيقة ، ولسائر الأشربة مجاز ; لأن معنى الإسكار والمخامرة فيه كامل ، وفي غيره من الأشربة ناقص فكان حقيقة له مجازا لغيره ، وهذا لأنه لو كان حقيقة لغيره لكان الأمر لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون اسما مشتركا ، وإما أن يكون اسما عاما ولا سبيل إلى الأول ; لأن شرط الاشتراك اختلاف المعنى ، فالاسم المشترك ما يقع على مسميات مختلفة الحدود والحقائق ، كاسم العين ونحوها ، وههنا ما اختلف ، ولا سبيل إلى الثاني ; لأن من شرط العموم : أن تكون أفراد العموم متساوية في قبول المعنى الذي وضع له اللفظ لا متفاوتة ، ولم يوجد التساوي ههنا ، وإذا لم يكن بطريق الحقيقة تعين أنه بطريق المجاز فلا يتناولها مطلق اسم الخمر ، والله سبحانه وتعالى أعلم .