الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ويجوز التصرف في الأثمان قبل القبض إلا الصرف ، والسلم ، وقال الشافعي رحمه الله : إن كان الثمن عينا لا يجوز التصرف فيها قبل القبض ، وهذا على أصله مستقيم ; لأن الثمن والمبيع عنده من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد فكان كل واحد منهما مبيعا ولا يجوز بيع المبيع قبل القبض ، وإن كان دينا فله فيه قولان : في قول لا يجوز أيضا لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه { نهى عن بيع ما لم يقبض } فيتناول العين والدين .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن عبد الله ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه قال : { يا رسول الله إنا نبيع الإبل بالبقيع ، ونأخذ مكان الدراهم الدنانير ، ومكان الدنانير الدراهم فقال عليه الصلاة والسلام : لا بأس إذا كان بسعر يومهما ، وافترقتما وليس بينكما شيء } ، وهذا نص على جواز الاستبدال من ثمن المبيع ، ولأن قبض الدين بقبض العين ; لأن قبض نفس الدين لا يتصور ; لأنه عبارة عن مال حكمي في الذمة أو عبارة عن الفعل ، وكل ذلك لا يتصور فيه قبضه حقيقة فكان قبضه بقبض بدله ، وهو قبض العين فتصير العين المقبوضة مضمونة على القابض ، وفي ذمة المقبوض منه مثلها في المالية فيلتقيان قصاصا هذا هو طريق قبض الديون ، وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين أن يكون المقبوض من جنس ما عليه أو من خلاف جنسه ; لأن المقاصة إنما تتحقق بالمعنى ، وهو المالية ، والأموال كلها في معنى المالية جنس واحد ، وبه تبين أن المراد من الحديث العين لا الدين ; لأن النهي عن بيع ما لم يقبض يقتضي أن يكون المبيع شيئا يحتمل القبض ، ونفس الدين لا يحتمل القبض على ما بينا فلا يتناوله النهي بخلاف السلم ، والصرف .

                                                                                                                                ( أما ) الصرف فلأن كل واحد من بدلي الصرف مبيع من وجه ، وثمن من وجه لأن البيع لا بد له من مبيع إذ هو من الأسماء الإضافية ، وليس أحدهما بجعله مبيعا أولى من الآخر فيجعل كل واحد منهما مبيعا من وجه ، وثمنا من وجه فمن حيث هو ثمن يجوز التصرف فيه قبل القبض كسائر الأثمان ، ومن حيث هو مبيع لا يجوز فرجحنا جانب الحرمة احتياطا ( وأما ) المسلم فيه ; فلأنه مبيع بالنص ، والاستبدال بالمبيع المنقول قبل القبض لا يجوز ، ورأس المال ألحق بالمبيع العين في حق حرمة الاستبدال شرعا فمن ادعى الإلحاق في سائر الأموال فعليه الدليل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية