( ومنها ) أن يوجب انفساخ البيع ، وجملة الكلام فيه : أن المبيع لا يخلو إما أن يكون أصلا ، وإما أن يكون تبعا ، وهو الزوائد المتولدة من المبيع ، فإن كان أصلا فلا يخلو إما أن هلك كله وإما أن هلك بعضه ، ولا يخلو إما أن هلك قبل القبض ، وإما أن هلك بعده ، وكل ذلك لا يخلو إما أن هلك بآفة سماوية ، وإما أن هلك بفعل البائع أو بفعل المشتري أو بفعل أجنبي فإن هلك كله قبل القبض بآفة سماوية انفسخ البيع ; لأنه لو بقي أوجب مطالبة المشتري بالثمن ، وإذا طالبه بالثمن فهو يطالبه بتسليم المبيع ، وأنه عاجز عن التسليم فتمتنع المطالبة أصلا فلم يكن في بقاء البيع فائدة فينفسخ ، وإذا انفسخ البيع سقط الثمن عن المشتري ، لأن انفساخ البيع ارتفاعه من الأصل ، كأن لم يكن ، وكذا إذا هلك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه ; لأن فعله على نفسه هدر فكأنه هلك بآفة سماوية وكذا إذا هلك بفعل البائع يبطل البيع ، ويسقط الثمن عن المشتري عندنا ، وقال هلاك المبيع قبل القبض : رحمه الله لا يبطل ، وعلى البائع ضمان القيمة أو المثل . الشافعي
( وجه ) قوله أنه أتلف مالا مملوكا للغير بغير إذنه فيجب عليه ضمان المثل أو القيمة كما لو أتلفه بعد القبض ، ولا فرق سوى أن المبيع قبل القبض في يده ، وهذا لا يمنع وجوب الضمان كالمرتهن إذا أتلف المرهون في يده .
( ولنا ) أن المبيع في يد البائع مضمون بأحد الضمانين ، وهو الثمن ألا ترى : لو هلك في يده سقط الثمن عن المشتري فلا يكون مضمونا بضمان آخر إذ المحل الواحد لا يقبل الضمانين ، بخلاف الرهن فإن المضمون بالرهن على المرتهن معنى المرهون لا عينه ، بل عينه أمانة حتى كان كفنه ونفقته على الراهن ، والمضمون بالإتلاف عينه فإيجاب ضمان القيمة لا يؤدي إلى كون المحل الواحد مضمونا بضمانين ، لاختلاف محل الضمان بخلاف البيع وسواء كان البيع باتا أو بشرط الخيار ; لأن المبيع في يد البائع مضمون بالثمن في الحالين فيمنع كونه مضمونا بضمان آخر ، وإن هلك بفعل المشتري لا ينفسخ البيع ، وعليه الثمن ; لأنه بالإتلاف صار قابضا كل المبيع ; لأنه لا يمكنه إتلافه إلا بعد إثبات يده عليه ، وهو معنى القبض فيتقرر عليه الثمن ، وسواء كان البيع باتا أو بشرط الخيار للمشتري ; لأن خيار المشتري لا يمنع زوال البيع عن ملك البائع بلا خلاف فلا يمنع صحة القبض فلا يمنع تقرر الثمن .
وإن كان البيع بشرط الخيار للبائع أو كان البيع فاسدا فعليه ضمان مثله إن كان مما له مثل ، وإن كان مما لا مثل له فعليه قيمته ; لأن خيار البائع يمنع زوال السلعة عن ملكه بلا خلاف ، فكان المبيع على حكم ملك البائع ، وملكه مضمون بالمثل أو القيمة ، وكذا المبيع بيعا فاسدا مضمون بالمثل أو القيمة ، وإن هلك بفعل أجنبي فعليه ضمانه لا شك فيه ; لأنه أتلف مالا مملوكا لغيره بغير إذنه ، ولا يد له عليه فيكون مضمونا عليه بالمثل أو القيمة ، والمشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع فيعود المبيع إلى ملك البائع فيتبع الجاني فيضمنه [ ص: 239 ] مثله إن كان من ذوات الأمثال ، وقيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال ، وإن شاء اختار البيع فاتبع الجاني بالضمان ، واتبعه البائع بالثمن ; لأن المبيع قد تعين في ضمان البائع ; لأنه كان عينا فصار قيمة ، وتعين المبيع في ضمان البائع يوجب الخيار ثم إن اختار الفسخ ، وفسخ ، واتبع البائع الجاني بالضمان ، وضمنه ينظر إن كان الضمان من جنس الثمن ، وفيه فضل على الثمن لا يطيب له الفضل لأن الفضل ربح ما لم يملك لزوال المبيع عن ملكه بنفس البيع .
وربح ما لم يضمن لا يطيب لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن ، ولما فيه من شبهة الربا فربح ما لم يضمن أولى ، وإن كان الضمان من خلاف جنس الثمن ، طاب الفضل ; لأن الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس ، وإن اختار البيع ، واتبع الجاني بالضمان ، وضمنه فإن كان الضمان من جنس الثمن لا يطيب له الفضل ; لأنه ربح ما لم يضمن في حقه لا ربح ما لم يملك ; لأن المبيع ملكه ، وإن كان من خلاف جنسه طاب الفضل له لما قلنا فإن كان القتل خطأ لا ينفسخ البيع ، وللمشتري خيار الفسخ والبيع لما قلنا ; إلا أن ههنا إذا اختار الفسخ ، وفسخ البيع اتبع البائع عاقلة القاتل فأخذ قيمته في ثلاث سنين ، وإن اختار المبيع اتبع العاقلة بقيمته في ثلاث سنين . ولو كان المشترى عبدا فقتله أجنبي قبل القبض
ولو كان القتل عمدا اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال : قال : - عليه الرحمة - إن المشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع ، وللبائع أن يقتص القاتل بعبده ، وإن شاء اختار البيع وله أن يقتص القاتل بعبده ، وعليه جميع الثمن وقال أبو حنيفة : رحمه الله المشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع ، ويعود المبيع إلى ملك البائع ، وليس للبائع أن يقتص ولكنه يأخذ من مال القاتل القيمة في ثلاث سنين وإن شاء اختار البيع ، وللمشتري أن يقتص ، وعليه جميع الثمن وقال أبو يوسف : لا قصاص على القاتل بحال ، والمشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع والبائع يأخذ القيمة من القاتل في ثلاث سنين وإن شاء اختار البيع ، واتبع القاتل بالقيمة في ثلاث سنين . محمد
( وجه ) قول رحمه الله أن العبد لم يكن على ملك البائع وقت القتل ، بل كان على ملك المشتري فلم ينعقد السبب موجبا للقصاص للبائع ، وملك المشتري لم يكن مستقرا ، بل كان محتملا للعود إلى ملك البائع بالفسخ فلا تثبت ولاية الاقتصاص لأحدهما ( وجه ) قول محمد أنه لا سبيل إلى إثبات ولاية الاقتصاص للبائع لما قاله أبي يوسف ، وهو أن القتل صادف محلا ليس بمملوك للبائع عند القتل فأما الملك فثابت للمشتري ، وقت القتل ، وقد لزم وتقرر باختيار المشتري فتثبت له ولاية الاستيفاء ، محمد رضي الله عنه أنه أمكن القول بثبوت ولاية الاستيفاء لهما على اعتبار اختيار الفسخ ، وعلى اعتبار اختيار البيع ، أما على اعتبار اختيار البيع فلما قاله ولأبي حنيفة وأما على اعتبار اختيار الفسخ ; فلأن فسخ العقد رفعه من الأصل ، وجعله كأن لم يكن ، فتبين أن الجناية وردت على ملك البائع فثبتت ولاية الاقتصاص ، هذا إذا أبو يوسف . هلك المبيع كله قبل القبض