الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو اشترى مأكولا في جوفه كالبطيخ والجوز والقثاء والخيار والرمان والبيض ونحوها فكسره فوجده فاسدا فهذا في الأصل لا يخلو عن أحد وجهين إما أن وجده كله فاسدا ، وإما أن وجد البعض فاسدا والبعض صحيحا ، فإن وجده كله فاسدا فإن كان مما لا ينتفع به أصلا فالمشتري يرجع على البائع بجميع الثمن ; لأنه تبين أن البيع وقع باطلا ; لأنه بيع ما ليس بمال ، وبيع ما ليس بمال لا ينعقد كما إذا اشترى عبدا ثم تبين أنه حر ، وإن كان مما يمكن الانتفاع به في الجملة ليس له أن يرده بالعيب عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله له أن يرده .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أنه لما باعه منه فقد سلطه على الكسر فكان الكسر حاصلا بتسليط البائع فلا يمنع الرد ، ولنا ما ذكرنا فيما تقدم أن شرط الرد أن يكون المردود وقت الرد على الوصف الذي كان عليه وقت القبض ولم يوجد ; لأنه تعيب بعيب زائد بالكسر فلو رد عليه لرد معيبا بعيبين فانعدم شرط الرد وأما قوله " البائع سلطه على الكسر " فنعم ، لكن بمعنى أنه مكنه من الكسر بإثبات الملك له فيكون هو بالكسر متصرفا في ملك نفسه لا في ملك البائع بأمره ليكون ذلك منه دلالة الرضا بالكسر ، وإن وجد بعضه فاسدا دون البعض ينظر إن كان الفاسد كثيرا يرجع على البائع بجميع الثمن ; لأنه ظهر أن البيع وقع في القدر الفاسد باطلا ; لأنه تبين أنه ليس بمال ، وإذا بطل في ذلك القدر يفسد في الباقي كما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة ، وإن كان قليلا فكذلك في القياس وفي الاستحسان صح البيع في الكل وليس له أن يرد ولا أن يرجع فيه بشيء ; لأن قليل الفساد فيه مما لا يمكن التحرز عنه إذ هذه الأشياء في العادات لا تخلو عن قليل فساد فكان فيه ضرورة فيلتحق ذلك القدر بالعدم ، ومن مشايخنا من فصل تفصيلا آخر فقال : إذا وجد كله فاسدا فإن لم يكن لقشره قيمة فالبيع باطل ; لأنه تبين أنه باع ما ليس بمال .

                                                                                                                                وإن كان لقشره قيمة كالرمان ونحوه فالبيع لا يبطل ; لأنه إذا كان لقشره قيمة كان القشر مالا ، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي به ناقصا وقبل قشره ورد جميع الثمن ، وإن شاء لم يقبل ; لأنه تعيب بعيب زائد ، ورد على المشتري حصة المعيب جبرا لحقه ، وإن وجد بعضه فاسدا فعلى هذا التفصيل أيضا ; لأنه إن لم يكن لقشره قيمة رجع على البائع بحصته من الثمن ، وإن كان لقشره قيمة رجع بحصة العيب دون القشر اعتبارا للبعض بالكل إلا إذا كان الفاسد منه قليلا قدر ما لا يخلو مثله عن مثله فلا يرد ولا يرجع بشيء والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية