( فصل ) :
وأما فنقول : لا يعتبر في هذا النصاب صفة زائدة على كونه فضة فتجب الزكاة فيها سواء [ ص: 17 ] كانت دراهم مضروبة ، أو نقرة ، أو تبرا ، أو حليا مصوغا ، أو حلية سيف ، أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف والأواني ، وغيرها إذا كانت تخلص عند الإذابة إذا بلغت مائتي درهم ، وسواء كان يمسكها للتجارة ، أو للنفقة ، أو للتجمل ، أو لم ينو شيئا . صفة هذا النصاب
وهذا عندنا ، وهو قول أيضا إلا في الشافعي إذا كان معدا للبس مباح أو للعارية للثواب فله فيه قولان : في قول لا شيء فيه وهو مروي عن حلي النساء ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما واحتج بما روي في الحديث { } ، وعن لا زكاة في الحلي أنه قال : زكاة الحلي إعارته ، ولأنه مال مبتذل في وجه مباح فلا يكون نصاب الزكاة كثياب البذلة والمهنة بخلاف حلي الرجال فإنه مبتذل في وجه محظور ، وهذا ; لأن الابتذال إذا كان مباحا كان معتبرا شرعا وإذا كان محظورا كان ساقط الاعتبار شرعا ، فكان ملحقا بالعدم . ابن عمر
نظيره ذهاب العقل بشرب الدواء مع ذهابه بسبب السكر أنه اعتبر الأول وسقط اعتبار الثاني كذا هذا .
ولنا قوله تعالى { : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } ألحق الوعيد الشديد بكنز الذهب والفضة وترك إنفاقهما في سبيل الله من غير فصل بين الحلي وغيره .
وكل مال لم تؤد زكاته فهو كنز بالحديث الذي روينا فكان تارك أداء الزكاة منه كانزا فيدخل تحت الوعيد ولا يلحق الوعيد إلا بترك الواجب .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } من غير فصل بين مال ومال ; ولأن الحلي مال فاضل عن الحاجة الأصلية إذ الإعداد للتجمل والتزين دليل الفضل عن الحاجة الأصلية فكان نعمة لحصول التنعم به فيلزمه شكرها بإخراج جزء منها للفقراء . وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم
وأما الحديث فقد قال بعض صيارفة الحديث : أنه لم يصح لأحد شيء في باب الحلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمروي عن معارض بالمروي عنه أيضا أنه زكى حلي بناته ونسائه على أن المسألة مختلفة بين الصحابة فلا يكون قول البعض حجة على البعض ، مع ما أن تسمية إعارة الحلي زكاة لا تنفي وجوب الزكاة المعهودة إذا قام دليل الوجوب . ابن عمر
وقد بينا ذلك هذا ، فأما إذا كانت مغشوشة فإن كان الغالب هو الفضة فكذلك ; لأن الغش فيها مغمور مستهلك كذا روى إذا كانت الدراهم فضة خالصة الحسن عن أن الزكاة تجب في الدراهم الجياد والزيوف والنبهرجة والمكحلة والمزيفة . أبي حنيفة
قال : لأن الغالب فيها كلها الفضة وما تغلب فضته على غشه يتناوله اسم الدراهم مطلقا .
والشرع أوجب باسم ، فإن كانت أثمانا رائجة أو كان يمسكها للتجارة يعتبر قيمتها فإن بلغت قيمتها مائتي درهم من أدنى الدراهم التي تجب فيها الزكاة وهي التي الغالب عليها الفضة تجب فيها الزكاة وإلا فلا . الدراهم وإن كان الغالب هو الغش والفضة فيها مغلوبة
وإن لم تكن أثمانا رائجة ولا معدة للتجارة فلا زكاة فيها إلا أن يكون ما فيها من الفضة يبلغ مائتي درهم بأن كانت كبيرة ; لأن الصفر لا تجب فيه الزكاة إلا بنية التجارة ، والفضة لا يشترط فيها نية التجارة فإذا أعدها للتجارة اعتبر القيمة كمعروض التجارة وإذا لم تكن للتجارة ولا ثمنا رائجة اعتبرنا ما فيها من الفضة .
وكذا روى الحسن عن فيمن كانت أبي حنيفة أنها إن كانت للتجارة يعتبر قيمتها ، فإن بلغت مائتي درهم من الدراهم التي تغلب فيها الفضة ففيها الزكاة ، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها لما ذكرنا أن الصفر ونحوه لا تجب فيه الزكاة ما لم تكن للتجارة . عنده فلوس أو دراهم رصاص أو نحاس أو مموهة بحيث لا يخلص فيها الفضة
وعلى هذا كان جواب المتقدمين من مشايخنا بما وراء النهر في الدراهم المسماة بالغطارفة التي كانت في الزمن المتقدم في ديارنا أنها إن كانت أثمانا رائجة يعتبر قيمتها بأدنى ما ينطلق عليه اسم الدراهم وهي التي تغلب عليها الفضة ، وإن لم تكن أثمانا رائجة فإن كانت سلعا للتجارة تعتبر قيمتها أيضا ، وإن لم تكن للتجارة ففيها الزكاة بقدر ما فيها من الفضة إن بلغت نصابا ، أو بالضم إلى ما عنده من مال التجارة .
وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يفتى بوجوب الزكاة في كل مائتين فيها ربع عشرها وهو خمسة منها عددا .
وكان يقول : " هو من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم ونحن أعرف بنقودنا " وهو اختيار الإمام الحلواني والسرخسي ، وقول السلف أصح لما ذكرنا من الفقه .
ولو زاد على نصاب الفضة شيء فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين فيجب فيها درهم في قول : وعلى هذا أبدا في كل أربعين درهم . أبي حنيفة
وقال أبو يوسف ومحمد [ ص: 18 ] تجب الزكاة في الزيادة بحساب ذلك قلت أو كثرت حتى لو كانت الزيادة درهما يجب فيه جزء من الأربعين جزءا من درهم . والشافعي
والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روي عن رضي الله عنه مثل قول عمر . أبي حنيفة
وروي عن علي رضي الله عنهما مثل قولهم ولا خلاف في وابن عمر حتى تبلغ نصابا احتجوا بما روي عن السوائم أنه لا شيء في الزوائد منها على النصاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { علي } وهذا نص في الباب ، ولأن شرط النصاب ثبت معدولا به عن القياس ; لأن الزكاة عرف وجوبها شكرا لنعمة المال . : وما زاد على المائتين فبحساب ذلك
ومعنى النعمة يوجد في القليل والكثير ، وإنما عرفنا اشتراطه بالنص ، وأنه ورد في أصل النصاب فبقي الأمر في الزيادة على أصل القياس إلا أن الزيادة في السوائم لا تعتبر ما لم تبلغ نصابا دفعا لضرر الشركة إذ الشركة في الأعيان عيب ، وهذا المعنى لم يوجد ههنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في كتاب ولأبي حنيفة عمرو بن حزم { } . : فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم وفي كل أربعين درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين وجهه إلى لمعاذ اليمن { } ولأن الأصل أن يكون بعد كل نصاب عفو نظرا لأرباب الأموال كما في السوائم ، ولأن في اعتبار الكسور حرجا وأنه مدفوع . : لا تأخذ من الكسور شيئا فإذا كان الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم ، ولا تأخذ مما زاد شيئا حتى يبلغ أربعين درهما فتأخذ منها درهما
وحديث رضي الله عنه لم يرفعه أحد من الثقات بل شكوا في قوله : " وما زاد على المائتين فبحساب ذلك " أن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم أو قول علي فإن كان قول النبي صلى الله عليه وسلم يكون حجة ، وإن كان قول علي رضي الله عنه لا يكون حجة ; لأن المسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم فلا يحتج بقول البعض على البعض . علي
وبه تبين أنه لا يصلح معارضا لما روينا ، وما ذكروا من شكر النعمة فالجواب عنه ما ذكرنا فيما تقدم ; لأن معنى النعمة هو التنعم ، وأنه لا يحصل بما دون النصاب ثم يبطل بالسوائم مع أنه قياس في مقابلة النص ، وأنه باطل والله أعلم .