ولو سواء كان أقل من ملء الفم ، أو كان ملء الفم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { ذرعه القيء لم يفطره } وقوله { : ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء ، والحجامة ، والاحتلام } ولأن ذرع القيء مما لا يمكن التحرز عنه بل يأتيه على وجه لا يمكنه دفعه فأشبه الناسي ولأن الأصل أن لا يفسد الصوم بالقيء سواء ذرعه ، أو تقيأ لأن فساد الصوم متعلق بالدخول شرعا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { : من قاء فلا قضاء عليه } علق كل جنس الفطر بكل ما يدخل ، ولو حصل لا بالدخول لم يكن كل جنس الفطر معلقا بكل ما يدخل لأن الفطر الذي يحصل بما يخرج لا يكون ذلك الفطر حاصلا بما يدخل ، وهذا خلاف النص ، إلا أنا عرفنا الفساد بالاستقاء بنص آخر وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم { : الفطر مما يدخل ، والوضوء مما يخرج } فبقي الحكم في الذرع على الأصل ، ولأنه لا صنع له في الذرع وهو سبق القيء بل يحصل بغير قصده واختياره ، والإنسان لا يؤاخذ بما لا صنع له فيه ، فلهذا لا يؤاخذ الناسي بفساد الصوم ، فكذا هذا لأن هذا في معناه بل أولى لأنه لا صنع له فيه أصلا بخلاف الناسي على ما مر ، فإن عاد إلى جوفه فإن كان أقل من ملء الفم لا يفسد بلا خلاف ، وإن كان ملء الفم فذكر : ومن استقاء فعليه القضاء القاضي في شرحه مختصر أن في قول الطحاوي يفسد ، وفي قول أبي يوسف لا يفسد ، وذكر محمد في شرحه مختصر القدوري الكرخي الاختلاف على العكس فقال في قول : لا يفسد وفي قول أبي يوسف يفسد ، وجه قول من قال يفسد أنه وجد المفسد وهو الدخول في الجوف لأن القيء ملء الفم له حكم الخروج بدليل انتقاض الطهارة ، والطهارة لا تنتقض إلا بخروج النجاسة فإذا عاد فقد وجد الدخول فيدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم { محمد ، والفطر مما يدخل } .
وجه قول من قال لا يفسد أن العود ليس صنعه بل هو صنع الله تعالى على طريق التمحض يعني به مصنوعه لا صنع للعبد فيه رأسا ، فأشبه ذرع القيء ، وإنه غير مفسد كذا عود القيء فإن أعاده فإن كان ملء الفم فسد صومه بالاتفاق لوجود الإدخال متعمدا لما ذكرنا أن للقيء ملء الفم حكم الخروج حتى يوجب انتقاض الطهارة ، فإذا أعاده فقد أدخله في الجوف عن قصد ، فيوجب فساد الصوم وإن كان أقل من ملء الفم ففي قول لا يفسد وفي قول أبي يوسف يفسد ، وجه قول محمد أنه وجد الدخول إلى الجوف بصنعه فيفسد محمد أن الدخول إنما يكون بعد الخروج ، وقليل القيء ليس له حكم الخروج بدليل عدم انتقاض الطهارة به فلم يوجد الدخول فلا يفسد ، هذا الذي ذكرنا كله إذا ذرعه القيء فأما إذا استقاء فإن كان ملء الفم يفسد صومه بلا خلاف لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 93 ] { ولأبي يوسف } وإن كان أقل من ملء الفم لا يفسد في قول ومن استقاء فعليه القضاء ، ، وعند أبي يوسف يفسد واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم { محمد } من غير فصل بين القليل ، والكثير . ومن استقاء فعليه القضاء مطلقا
وجه قول ما ذكرنا أن الأصل أن لا يفسد الصوم إلا بالدخول بالنص الذي روينا ، ولم يوجد ههنا فلا يفسد ، والحديث محمول على الكثير توفيقا بين الدليلين بقدر الإمكان ، ثم كثير المستقاء لا يتفرع عليه العود ، والإعادة لأن الصوم قد فسد بالاستقاء وكذا قليله في قول أبي يوسف لأن عنده فسد الصوم بنفس الاستقاء ، وإن كان قليلا ، وأما على قول محمد فإن عاد لا يفسد ، وإن أعاده ففيه عن أبي يوسف روايتان في رواية : يفسد ، وفي رواية : لا يفسد . أبي يوسف