مزدلفة ينزل حيث شاء عن يمين الطريق أو عن يساره ، ولا ينزل على قارعة الطريق ، ولا في وإذا أتى وادي محسر لقول النبي صلى الله عليه وسلم { مزدلفة كلها موقف ، إلا وادي محسر } ، وإنما لا ينزل على الطريق ; لأنه يمنع الناس عن الجواز فيتأذون به ، فإذا دخل وقت العشاء يؤذن المؤذن ويقيم فيصلي الإمام بهم صلاة المغرب في وقت صلاة العشاء ثم يصلي بهم صلاة العشاء بأذان واحد وإقامة واحدة في قول أصحابنا الثلاثة
وقال بأذان واحد وإقامتين ، وقال زفر : [ ص: 155 ] بأذانين وإقامة واحدة ، احتج الشافعي : بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { زفر بمزدلفة بإقامتين } ، ولأن هذا أحد نوعي الجمع فيعتبر بالنوع الآخر ، وهو الجمع صلى المغرب ، والعشاء بعرفة ، والجمع هناك بأذان واحد وإقامتين كذا ههنا .
ولنا ما روي عن ، عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { وخزيمة بن ثابت بمزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة } ، وعن : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء رضي الله عنه أنه قال : { أبي أيوب الأنصاري } ، وما احتج به صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذان واحد وإقامة واحدة محمول على الأذان والإقامة ، فيسمى الأذان إقامة كما يقال : سنة العمرين ، ويراد به سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقال : صلى الله عليه وسلم { زفر } ، وأراد به الأذان والإقامة كذا ههنا ، والقياس على الجمع الآخر غير سديد ; لأن هناك الصلاة الثانية ، وهي العصر تؤدى في غير وقتها فتقع الحاجة إلى إقامة أخرى للإعلام بالشروع فيها ، والصلاة الثانية ههنا ، وهي العشاء تؤدى في وقتها فيستغنى عن تجديد الإعلام كالوتر مع العشاء ، بين كل أذانين صلاة لمن شاء إلا المغرب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتشاغل بينهما بتطوع ، ولا بغيره ، فإن تطوع بينهما أو تشاغل بشيء أعاد الإقامة للعشاء ; لأنها انقطعت عن الإعلام الأول فاحتاجت إلى إعلام آخر ، فإن صلى المغرب وحده والعشاء وحده أجزأه ، بخلاف الظهر والعصر ولا يتشاغل بينهما بتطوع ولا بغيره بعرفة على قول إنه لا يجوز إلا بجماعة عنده ، والفرق له أن المغرب تؤدى فيما هو وقتها في الجملة إن لم يكن وقت أدائها ، فكان الجمع ههنا بتأخير المغرب عن وقت أدائها ، فيجوز فعلها وحده ، كما لو تأخرت عنه بسبب آخر فقضاه في وقت العشاء وحده ، والعصر هناك تؤدى فيما ليس وقتها أصلا ورأسا ، فلا يجوز ; إذ لا جواز للصلاة قبل وقتها ، وإنما عرفنا جوازها بالشرع ، وإنما ورد الشرع بها بجماعة فيتبع مورد الشرع ، والأفضل أن يصليهما مع الإمام بجماعة ; لأن الصلاة بجماعة أفضل ، أبي حنيفة : مزدلفة ، فإن كان يمكنه أن يأتي ولو صلى المغرب بعد غروب الشمس قبل أن يأتي مزدلفة قبل طلوع الفجر لم تجز صلاته ، وعليه إعادته ما لم يطلع الفجر في قول أبي حنيفة ومحمد وزفر ، وقال والحسن تجزئه وقد أساء ، وعلى هذا الخلاف إذا صلى العشاء في الطريق بعد دخول وقتها ، وجه قوله أنه أدى المغرب والعشاء في وقتيهما ; لأنه ثبت كون هذا الوقت وقتا لهما بالكتاب العزيز ، والسنن المشهورة المطلقة عن المكان على ما ذكرنا في كتاب الصلاة ، فيجوز كما لو أداها في غير ليلة أبو يوسف : المزدلفة إلا أن التأخير سنة .
وترك السنة لا يسلب الجواز ، بل يوجب الإساءة ، ولهما ما روي : { عرفات ، وكان رضي الله عنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلما بلغ الشعب الأيسر الذي دون أسامة بن زيد المزدلفة أناخ فبال ، ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت : الصلاة يا رسول الله فقال : الصلاة أمامك وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : المصلى أمامك فجاء مزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء } ، فدل الحديث على اختصاص جوازها في حال الاختيار والإمكان بزمان ومكان ، وهو وقت العشاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع من بمزدلفة ، ولم يوجد فلا يجوز ، ويؤمر بالإعادة في وقتها ومكانها ما دام الوقت قائما ، فإن لم يعد حتى طلع الفجر أعاد إلى الجواز عندهما أيضا ; لأن الكتاب الكريم والسنن المشهورة تقتضي الجواز ; لأنها تقتضي كون الوقت وقتا لها ، وأنها مطلقة عن المكان .
وحديث رضي الله عنه يقتضي عدم الجواز ، وأنه من أخبار الآحاد ، ولا يجوز العمل بخبر الواحد على وجه يتضمن بطلان العمل بالكتاب والسنن المشهورة ، فيجمع بينهما فيعمل بخبر الواحد فيما قبل طلوع الفجر ، ويؤمر بالإعادة ، ويعمل بالكتاب العزيز والسنن المشهورة فيما بعد طلوعه ، فلا نأمره بالإعادة عملا بالدلائل بقدر الإمكان هذا إذا كان يمكنه أن يأتي أسامة مزدلفة قبل طلوع الفجر ، فأما إذا خشي أن يطلع الفجر قبل أن يصل إلى مزدلفة لأجل ضيق الوقت ، بأن كان في آخر الليل بحيث يطلع الفجر قبل أن يأتي مزدلفة فإنه يجوز بلا خلاف ، هكذا روى الحسن عن ; لأن بطلوع الفجر يفوت وقت الجمع ، فكان في تقديم الصلاة صيانتها عن الفوات ، فإن كان لا يخشى الفوات لأجل ضيق الوقت ، ولكنه ضل عن الطريق لا يصلي ، بل يؤخر إلى أن يخاف طلوع الفجر لو لم يصل ، فعند ذلك يصلي لما ذكرنا ، والله الموفق ، أبي حنيفة المزدلفة بمزدلفة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بها ، فإن مر بها مارا بعد طلوع الفجر من غير أن يبيت بها فلا شيء عليه ، ويكون مسيئا ، وإنما لا يلزمه شيء ; لأنه [ ص: 156 ] أتى بالركن ، وهو ويبيت ليلة بمزدلفة بعد طلوع الفجر ، لكنه يكون مسيئا لتركه السنة ، وهي البيتوتة بها كينونته لما روي عن فإذا طلع الفجر صلى الإمام بهم صلاة الفجر بغلس رضي الله عنه أنه قال : { عبد الله بن مسعود بعرفة ، وصلاة المغرب بجمع ، وصلاة الفجر يومئذ ، فإنه صلاها قبل وقتها بغلس } أي : صلاها قبل وقتها المستحب بغلس ، ولأن الفائت بالتغليس فضيلة الإسفار ، وأنها ممكن الاستدراك في كل يوم ، فأما فضيلة الوقوف ، فلا تستدرك في غير ذلك اليوم ، فإذا صلى الإمام بهم وقف بالناس ، ووقفوا وراءه أو معه ، والأفضل أن يكون موقفهم على الجبل الذي يقال له ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاة العصر قزح ، وهو تأويل ابن عباس للمشعر الحرام أنه الجبل وما حوله ، وعند عامة أهل التأويل : المشعر الحرام هو مزدلفة يدعون الله تعالى ، ويكبرون ، ويهللون ، ويحمدون الله تعالى ، ويثنون عليه ، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألون حوائجهم ، فيقفون إلى أن يسفر جدا منى قبل طلوع الشمس لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ثم يدفع منها إلى إن الجاهلية كانت تنفر من هذا المقام ، والشمس على رءوس الجبال فخالفوهم ، } فأفاض قبل طلوع الشمس .
وقد كانت الجاهلية تقول بمزدلفة : أشرق ثبير كيما نغير ، وهو جبل عال تطلع عليه الشمس قبل كل موضع فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع قبل طلوع الشمس ، وإن دفع بعد طلوع الشمس قبل أن يصلي الناس الفجر فقد أساء ولا شيء عليه ، أما الإساءة فلأن السنة أن يصلي الفجر ، ويقف ثم يفيض فإذا لم يفعل فقد ترك السنة فيكون مسيئا .
وأما عدم لزوم شيء فلأنه وجد منه الركن ، وهو الوقوف ، ولو ساعة ، وإذا أفاض من جمع دفع على هينته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذا فعل .