الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الصنف الثالث فميقاتهم للحج : الحرم ، وللعمرة : الحل فيحرم المكي من دويرة أهله للحج أو حيث شاء من الحرم ، ويحرم للعمرة من الحل ، وهو التنعيم أو غيره .

                                                                                                                                أما الحج فلقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } ، وروينا عن علي ، وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك إلا أن العمرة صارت مخصوصة في حق أهل الحرم فبقي الحج مرادا في حقهم .

                                                                                                                                وروي : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر أصحابه بفسخ إحرام الحج بعمل العمرة أمرهم يوم التروية أن يحرموا بالحج من المسجد ، وفسخ إحرام الحج بعمل العمرة } ، وإن نسخ فالإحرام من المسجد لم ينسخ .

                                                                                                                                وإن شاء أحرم من الأبطح أو حيث شاء من الحرم لكن من المسجد أولى ; لأن الإحرام عبادة ، وإتيان العبادة في المسجد أولى كالصلاة .

                                                                                                                                وأما العمرة فلما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الإفاضة من مكة دخل على عائشة رضي الله عنها وهي تبكي فقالت : أكل نسائك يرجعن بنسكين ، وأنا أرجع بنسك واحد فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه أن يعتمر بها من التنعيم } ، ولأن من شأن الإحرام أن يجتمع في أفعاله الحل والحرم ، فلو أحرم المكي بالعمرة من مكة ، وأفعال العمرة تؤدى بمكة لم يجتمع في أفعالها الحل والحرم ، بل يجتمع كل أفعالها في الحرم ، وهذا خلاف عمل الإحرام في الشرع ، والأفضل أن يحرم من التنعيم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم منه .

                                                                                                                                وكذا أصحابه رضي الله عنهم كانوا يحرمون لعمرتهم منه ، وكذلك من حصل في الحرم من غير أهله فأراد الحج أو العمرة فحكمه حكم أهل الحرم ; لأنه صار منهم فإذا أراد أن يحرم للحج أحرم من دويرة أهله أو حيث شاء من الحرم ، وإذا أراد أن يحرم بالعمرة يخرج إلى التنعيم ، ويهل بالعمرة في الحل ، ولو ترك المكي ميقاته فأحرم للحج من الحل وللعمرة من الحرم يجب عليه الدم ، إلا إذا عاد ، وجدد التلبية أو لم يجدد على التفصيل والاختلاف الذي ذكرنا في الآفاقي ، ولو خرج من الحرم إلى الحل ولم يجاوز الميقات ثم أراد أن يعود إلى مكة ، له أن يعود إليها من غير إحرام ; لأن أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب والاحتشاش والعود إليها ، فلو ألزمناهم الإحرام عند كل خروج لوقعوا في الحرج .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية