وأما فكل محصر منع عن المضي في موجب الإحرام شرعا لحق العبد ، كالمرأة والعبد الممنوعين شرعا لحق الزوج ، والمولى بأن أحرمت المرأة بغير إذن زوجها ، أو أحرم العبد بغير إذن مولاه ، فللزوج والمولى أن يحللهما في الحال من غير ذبح الهدي ، فيقع الكلام في هذا في موضعين . الذي يتحلل به بغير ذبح الهدي
أحدهما : في جواز هذا النوع من التحلل ، والثاني : في بيان ما يتحلل به أما الجواز ; فلأن منافع بضع المرأة حق الزوج وملكه عليها فيحتاج إلى استيفاء حقه ، ولا يمكنه ذلك مع قيام الإحرام فيحتاج إلى التحلل ، ولا سبيل إلى توقيفه على ذبح الهدي في الحرم لما فيه من إبطال حقه للحال فكان له أن يحللها للحال .
وعلى المرأة أن تبعث الهدي ، أو ثمنه إلى الحرم ليذبح عنها ، لأنها تحللت بغير طواف ، وعليها حجة وعمرة كما على الرجل المحصر إذا تحلل بالهدي بخلاف ما إذا أحرمت بحجة الإسلام ولا زوج لها ، ولا محرم ، أو كان لها زوج أو محرم فمات أنها لا تتحلل إلا بالهدي ; لأن المنع هناك لحق الله تعالى لا لحق العبد ، فكان تحللها جائزا لا حقا مستحقا عليها لأحد ، ألا ترى لها أن تبقى على إحرامها ما لم تجد محرما ، أو زوجا ، فكان تحللها بما هو الموضوع للتحلل في الأصل وهو : ذبح الهدي فهو الفرق .
وكذا العبد بمنافعه ملك المولى فيحتاج إلى تصريفه في وجوه مصالحه ، ولا يمكنه ذلك مع قيام الإحرام ، فيحتاج إلى التحلل في الحال لما فيه من التوقيف على ذبح الهدي في الحرم من تعطيل مصالحه فيحلله المولى للحال ، وعلى العبد إذا عتق هدي الإحصار ، وقضاء حجة وعمرة ; لأن الحج وجب عليه بالشروع لكونه مخاطبا أهلا ، إلا أنه تعذر عليه المضي لحق المولى ، فإذا عتق زال حقه ، وتجب عليه العمرة لفوات الحج في عامه ذلك .
ولو كان أحرم العبد بإذن مولاه يكره للمولى أن يحلله بعد ذلك ; لأنه رجوع عما وعد وخلف في الوعد ، فيكره .
ولو حلله جاز ; لأن العبد بمنافعه ملك المولى ، وروي عن ، أبي يوسف أن المولى إذا أذن للعبد في الحج ليس له أن يحلله ; لأنه لما أذن له فقد أسقط حقه بالإذن ، فأشبه الحر والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن المحلل بعد الإذن قائم وهو الملك ، إلا أنه يكره لما قلنا . وزفر
وإذا حلله لا هدي عليه ; لأن المولى لا يجب عليه لعبده شيء .
ولو ذكر أحصر العبد بعد ما أحرم بإذن المولى في شرحه مختصر القدوري الكرخي : أنه لا يلزم المولى إنفاذ هدي ; لأنه لو لزمه للزمه لحق العبد ولا يجب للعبد على مولاه حق ، فإن أعتقه وجب عليه أن يبعث الهدي ; لأنه إذا أعتق صار ممن يثبت له عليه حق ، فصار كالحر إذا حج عن غيره فأحصر أنه يجب على المحجوج عنه أن يبعث الهدي .
وذكر القاضي في شرحه مختصر : أن على المولى أن يذبح عنه هديا في الطحاوي الحرم فيحل ; لأن هذا الدم وجب لبلية ابتلي بها العبد بإذن المولى فصار بمنزلة النفقة ، والنفقة على المولى .
وكذا دم الإحصار ، ولهذا كان دم الإحصار في مال الميت إذا أحصر الحاج عن الميت لا عليه كذا هذا .
ولو أحرم العبد ، أو الأمة بإذن المولى ، ثم باعهما يجوز البيع ، وللمشتري أن يمنعهما ويحللهما في قول أصحابنا الثلاثة .
وفي قول : ليس له ذلك ، وله أن يردهما بالعيب ، وعلى هذا الخلاف المرأة إذا أحرمت بحجة التطوع ثم تزوجت فللزوج أن يحللها . زفر
وعند ليس له ذلك ، كذا حكى زفر القاضي الخلاف في شرحه مختصر . الطحاوي
وذكر في شرحه مختصر القدوري الخلاف بين الكرخي ، أبي يوسف . وزفر
وجه قول : أن الذي انتقل إلى المشتري هو ما كان للبائع ، ولم يكن للبائع أن يحلله عنده ، لما ذكرنا أنه أسقط حق نفسه بالإذن كذا المشتري . زفر
ولنا أن الإحرام لم يقع بإذن المشتري فصار كأنه أحرم في ملكه ابتداء بغير إذنه .
ولو كان كذلك كان له أن يحلله ، كذا هذا .
وقال : إذا محمد لا أكره للمشتري أن يحلله ; لأن الكراهة في حق البائع ، لما فيه من خلف الوعد ولم يوجد ذلك من المشتري ، وروى أذن الرجل لعبده في الحج ثم باعه عن ابن سماعة في محمد ; لأن التحلل إنما ثبت للزوج بمنعها من السفر ليستوفي حقه منها . أمة لها زوج أذن لها مولاها في الحج فأحرمت ليس لزوجها أن يحللها
ومنع الأمة من السفر إلى مولاها دون الزوج ، ألا ترى أن المولى [ ص: 182 ] لو سافر بها لم يكن للزوج منعها ، فكذا إذا أذن لها في السفر .
وأما بيان ما يتحلل به ، فالتحلل عن هذا النوع من الإحصار يقع بفعل الزوج والمولى أدنى محظورات الإحرام من قص ظفرهما أو تطييبهما ، أو بفعلهما ذلك بأمر الزوج والمولى ، أو بامتشاط الزوجة رأسها بأمر الزوج ، أو تقبيلها ، أو معانقتها فتحل بذلك ، والأصل فيه ما روي { رضي الله عنها حين حاضت في العمرة : امتشطي وارفضي عنك العمرة لعائشة } ولأن التحلل صار حقا عليهما للزوج والمولى ، فجاز بمباشرتهما أدنى ما يحظره الإحرام ، ولا يكون التحلل بقوله : حللتك ; لأن هذا تحليل من الإحرام فلا يقع بالقول ، كالرجل الحر إذا أحصر فقال : حللت نفسي . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال