أبي : الإباء ، بالكسر : مصدر قولك أبى فلان يأبى ، بالفتح فيهما مع خلوه من حروف الحلق ، وهو شاذ ؛ أي : امتنع ؛ أنشد ابن بري لبشر بن أبي خازم :
يراه الناس أخضر من بعيد وتمنعه المرارة والإباء
فهو آب وأبي وأبيان ، بالتحريك ؛ قال أبو المجشر ، جاهلي :
وقبلك ما هاب الرجال ظلامتي وفقأت عين الأشوس الأبيان
[ ص: 42 ] أبى الشيء يأباه إباء وإباءة : كرهه . قال يعقوب : أبى يأبى نادر ، وقال : شبهوا الألف بالهمزة في قرأ يقرأ . وقال مرة : أبى يأبى ضارعوا به حسب يحسب ، فتحوا كما كسروا ، قال : وقالوا يئبى ، وهو شاذ من وجهين : أحدهما أنه فعل يفعل ، وما كان على فعل لم يكسر أوله في المضارع ، فكسروا هذا لأن مضارعه مشاكل لمضارع فعل ، فكما كسر أول مضارع فعل في جميع اللغات إلا في لغة أهل الحجاز كذلك كسروا يفعل هنا ، والوجه الثاني من الشذوذ أنهم تجوزوا الكسر في الياء من يئبى ، ولا يكسر البتة إلا في نحو ييجل ، واستجازوا هذا الشذوذ في ياء يئبى ، لأن الشذوذ قد كثر في هذه الكلمة قال سيبويه : وقد قالوا أبى يأبي ؛ أنشد ابن جني أبو زيد :
يا إبلي ما ذامه فتأبيه ماء رواء ونصي حوليه
جاء به على وجه القياس كأتى يأتي . قال : وقد كسر أول المضارع فقيل تيبى ؛ وأنشد : ابن بري
ماء رواء ونصي حوليه هذا بأفواهك حتى تيبيه
قال الفراء : لم يجيء عن العرب حرف على فعل يفعل ، مفتوح العين في الماضي والغابر ، إلا وثانيه أو ثالثه أحد حروف الحلق غير أبى يأبى ، فإنه جاء نادرا ، قال : وزاد أبو عمرو ركن يركن ، وخالفه الفراء فقال : إنما يقال ركن يركن وركن يركن . وقال : لم يسمع من العرب فعل يفعل مما ليس عينه ولامه من حروف الحلق إلا أبى يأبى ، وقلاه يقلاه ، وغشى يغشى ، وشجا يشجى ، وزاد أحمد بن يحيى : جبى يجبى ، قال المبرد أبو منصور : وهذه الأحرف أكثر العرب فيها ، إذا تنغم ، على قلا يقلي ، وغشي يغشى ، وشجاه يشجوه ، وشجي يشجى ، وجبا يجبي .
ورجل أبي : ذو إباء شديد إذا كان ممتنعا . ورجل أبيان : ذو إباء شديد . ويقال : تأبى عليه تأبيا إذا امتنع عليه ، ورجل أباء إذا أبى أن يضام . ويقال : أخذه أباء إذا كان يأبى الطعام فلا يشتهيه . وفي الحديث : " " أي : إلا من ترك طاعة الله التي يستوجب بها الجنة ؛ لأن من ترك التسبب إلى شيء لا يوجد بغيره فقد أباه . والإباء : أشد الامتناع . وفي حديث كلكم في الجنة إلا من أبى وشرد : أبي هريرة المهدي فيبقى في الأرض أربعين ، فقيل : أربعين سنة ؟ فقال : أبيت ، فقيل : شهرا ؟ فقال : أبيت ، فقيل : يوما : فقال : أبيت ؛ أي : أبيت أن تعرفه فإنه غيب لم يرد الخبر ببيانه ، وإن روي " أبيت " بالرفع فمعناه أبيت أن أقول في الخبر ما لم أسمعه ، وقد جاء عنه مثله في حديث العدوى والطيرة ؛ وأبى فلان الماء وآبيته الماء . قال ينزل : قال ابن سيده الفارسي : أبى زيد من شرب الماء وآبيته إباءة ؛ قال ساعدة بن جؤية :
قد أوبيت كل ماء فهي صادية مهما تصب أفقا من بارق تشم
والآبية : التي تعاف الماء ، وهي أيضا التي لا تريد العشاء . وفي المثل : العاشية تهيج الآبية أي : إذا رأت الآبية الإبل العواشي تبعتها فرعت معها . وماء مأباة : تأباه الإبل . وأخذه أباء من الطعام أي : كراهية له ، جاءوا به على فعال لأنه كالداء ، والأدواء مما يغلب عليها فعال ، قال الجوهري : يقال أخذه أباء ، على فعال ، إذا جعل يأبى الطعام . ورجل آب من قوم آبين وأباة وأبي وأباء ، ورجل أبي من قوم أبيين ؛ قال ذو الإصبع العدواني :
إني أبي أبي ذو محافظة وابن أبي أبي من أبيين
شبه نون الجمع بنون الأصل فجرها . والأبية من الإبل : التي ضربت فلم تلقح كأنها أبت اللقاح . وأبيت اللعن : من تحيات الملوك في الجاهلية ، كانت العرب يحيي أحدهم الملك يقول أبيت اللعن . وفي حديث ابن ذي يزن : قال له عبد المطلب لما دخل عليه أبيت اللعن ؛ هذه من تحايا الملوك في الجاهلية والدعاء لهم ، معناه أبيت أن تأتي من الأمور ما تلعن عليه وتذم بسببه . وأبيت من الطعام واللبن إبى : انتهيت عنه من غير شبع . ورجل أبيان : يأبى الطعام ، وقيل : هو الذي يأبى الدنية ، والجمع إبيان ؛ عن كراع . وقال بعضهم : آبى الماء أي : امتنع فلا تستطيع أن تنزل فيه إلا بتغرير ، وإن نزل في الركية ماتح فأسن فقد غرر بنفسه ؛ أي : خاطر بها . وأوبي الفصيل يوبى إيباء ، وهو فصيل موبى إذا سنق لامتلائه . وأوبي الفصيل عن لبن أمه أي : اتخم عنه لا يرضعها . وأبي الفصيل أبى وأبي : سنق من اللبن وأخذه أباء . أبو عمرو : الأبي النفاس من الإبل ، والأبي الممتنعة من العلف لسنقها ، والممتنعة من الفحل لقلة هدمها . والأباء : داء يأخذ العنز والضأن في رءوسها من أن تشم أبوال الماعزة الجبلية ، وهي الأروى ، أو تشربها أو تطأها فترم رءوسها ويأخذها من ذلك صداع ولا يكاد يبرأ . قال أبو حنيفة : الأباء عرض يعرض للعشب من أبوال الأروى ، فإذا رعته المعز خاصة قتلها ، وكذلك إن بالت في الماء فشربت منه المعز هلكت . قال أبو زيد : يقال أبي التيس وهو يأبى أبى ، منقوص ، وتيس آبى بين الأبى إذا شم بول الأروى فمرض منه . وعنز أبواء في تيوس أبو وأعنز أبو : وذلك أن يشم التيس من المعزى الأهلية بول الأروية في مواطنها فيأخذه من ذلك داء في رأسه ونفاخ فيرم رأسه ويقتله الداء ، فلا يكاد يقدر على أكل لحمه من مرارته ، وربما إيبت الضأن من ذلك ، غير أنه قلما يكون ذلك في الضأن ؛ وقال لراعي غنم له أصابتها الأباء : ابن أحمر
فقلت لكناز تدكل فإنه أبى لا أظن الضأن منه نواجيا
فما لك من أروى تعاديت بالعمى ولاقيت كلابا مطلا وراميا
لا أظن الضأن منه نواجيا أي : من شدته ، وذلك أن الضأن لا يضرها الأباء أن يقتلها . تيس أب وآبى وعنز أبية وأبواء ، وقد أبي أبى . أبو زياد الكلابي والأحمر : قد أخذ الغنم الأبى ، مقصور ، وهو أن تشرب أبوال الأروى فيصيبها منه داء ؛ قال أبو منصور : قوله تشرب أبوال الأروى خطأ ، إنما هو تشم كما قلنا ، قال : وكذلك سمعت [ ص: 43 ] العرب . أبو الهيثم : إذا شمت الماعزة السهلية بول الماعزة الجبلية ، وهي الأروية ، أخذها الصداع فلا تكاد تبرأ ، فيقال : قد أبيت تأبى أبى . وفصيل موبى : وهو الذي يسنق حتى لا يرضع ، والدقى البشم من كثرة الرضع أخذ البعير أخذا وهو كهيئة الجنون ، وكذلك الشاة تأخذ أخذا . والأبى : من قولك أخذه أبى إذا أبي أن يأكل الطعام ، كذلك لا يشتهي العلف ولا يتناوله .
والأباءة : البردية ، وقيل : الأجمة ، وقيل : هي من الحلفاء خاصة . قال : كان ابن جني أبو بكر يشتق الأباءة من أبيت ، وذلك أن الأجمة تمتنع وتأبى على سالكها ، فأصلها عنده أباية ، ثم عمل فيها ما عمل في عباية وصلاية وعظاية حتى صرن عباءة وصلاءة ، في قول من همز ، ومن لم يهمز أخرجهن على أصولهن ، وهو القياس القوي . قال أبو الحسن : وكما قيل لها أجمة من قولهم أجم الطعام كرهه . والأباء ، بالفتح والمد : القصب ، ويقال : هو أجمة الحلفاء والقصب خاصة ؛ قال يوم حفر الخندق : كعب بن مالك الأنصاري
من سره ضرب يرعبل بعضه بعضا كمعمعة الأباء المحرق
فليأت مأسدة تسن سيوفها بين المذاد وبين جزع الخندق
واحدته أباءة . والأباءة : القطعة من القصب . وقليب لا يؤبى ؛ عن ؛ أي : لا ينزح ، ولا يقال يوبى . ابن الأعرابي : يقال فلان بحر لا يؤبى ، وكذلك كلأ لا يؤبى ؛ أي : لا ينقطع من كثرته ؛ وقال ابن السكيت اللحياني : ماء مؤب قليل ، وحكي : عندنا ماء ما يؤبى ؛ أي : ما يقل . وقال مرة : ماء مؤب ، ولم يفسره ؛ قال : فلا أدري أعنى به القليل أم هو مفعل من قولك أبيت الماء . التهذيب : ابن سيده يقال للماء إذا انقطع ماء مؤبى ، ويقال : عنده دراهم لا تؤبى ؛ أي : لا تنقطع . ابن الأعرابي أبو عمرو : آبى أي : نقص ؛ رواه عن المفضل ؛ وأنشد :
وما جنبت خيلي ولكن وزعتها تسر بها يوما فآبى قتالها
قال : نقص ، ورواه أبو نصر عن : فأبى قتالها . والأب : أصله أبو - بالتحريك - لأن جمعه آباء مثل قفا وأقفاء ، ورحى وأرحاء ، فالذاهب منه واو لأنك تقول في التثنية أبوان ، وبعض العرب يقول أبان على النقص ، وفي الإضافة أبيك ، وإذا جمعت بالواو والنون قلت أبون ، وكذلك أخون وحمون وهنون ؛ قال الشاعر : الأصمعي
فلما تعرفن أصواتنا بكين وفديننا بالأبينا
قال : وعلى هذا قرأ بعضهم : ( إله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ؛ يريد جمع أب ؛ أي : أبينك ، فحذف النون للإضافة ؛ قال : شاهد قولهم أبان في تثنية أب قول ابن بري تكتم بنت الغوث :
باعدني عن شتمكم أبان عن كل ما عيب مهذبان
وقال آخر :
فلم أذممك فا حمر لأني رأيت أبيك لم يزنا زبالا
وقالت الشنباء بنت زيد بن عمارة :
نيط بحقوي ماجد الأبين من معشر صيغوا من اللجين
وقال : الفرزدق
يا خليلي اسقياني أربعا بعد اثنتين
من شراب كدم الجو ف يحر الكليتين
واصرفا الكأس عن الجا هل يحيى بن حضين
لا يذوق اليوم كأسا أو يفدى بالأبين
قال : وشاهد قولهم أبون في الجمع قول ناهض الكلابي :
أغر يفرج الظلماء عنه يفدى بالأعم وبالأبينا
ومثله قول الآخر :
كريم طابت الأعراق منه يفدى بالأعم وبالأبينا
وقال غيلان بن سلمة الثقفي :
يدعن نساءكم في الدار نوحا يندمن البعولة والأبينا
وقال آخر :
أبون ثلاثة هلكوا جميعا فلا تسأم دموعك أن تراقا
والأبوان : الأب والأم . : الأب الوالد ، والجمع أبون وآباء وأبو وأبوة ؛ عن ابن سيده اللحياني ؛ وأنشد للقناني يمدح : الكسائي
أبى الذم أخلاق وانتمى له الذروة العليا الأبو السوابق الكسائي
والأبا : لغة في الأب ، وفرت حروفه ولم تحذف لامه كما حذفت في الأب . يقال : هذا أبا ورأيت أبا ومررت بأبا ، كما تقول : هذا قفا ورأيت قفا ومررت بقفا ، وروي عن محمد بن الحسن ، عن قال : يقال هذا أبوك وهذا أباك وهذا أبك ؛ قال الشاعر : أحمد بن يحيى
سوى أبك الأدنى وأن محمدا علا كل عال يا بن عم محمد
فمن قال هذا أبوك أو أباك فتثنيته أبوان ، ومن قال هذا أبك فتثنيته أبان على اللفظ ، وأبوان على الأصل . ويقال : هما أبواه لأبيه وأمه ، وجائز في الشعر : هما أباه ، وكذلك رأيت أبيه ، واللغة العالية رأيت أبويه . قال : ويجوز أن يجمع الأب بالنون فيقال : هؤلاء أبونكم ؛ أي : [ ص: 44 ] آباؤكم ، وهم الأبون . قال أبو منصور : والكلام الجيد في جمع الأب هؤلاء الآباء ، بالمد . ومن العرب من يقول : أبوتنا أكرم الآباء ، يجمعون الأب على فعولة كما يقولون هؤلاء عمومتنا وخئولتنا ؛ قال الشاعر فيمن جمع الأب أبين :
أقبل يهوي من دوين الطربال وهو يفدى بالأبين والخال
وفي حديث الأعرابي الذي جاء يسأل عن شرائع الإسلام : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " " قال أفلح وأبيه إن صدق ابن الأثير : هذه كلمة جارية على ألسن العرب تستعملها كثيرا في خطابها وتريد بها التأكيد ، وقد فيحتمل أن يكون هذا القول قبل النهي ، ويحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام الجاري على الألسن ، ولا يقصد به القسم كاليمين المعفو عنها من قبيل اللغو ، أو أراد به توكيد الكلام لا اليمين ، فإن هذه اللفظة تجري في كلام العرب على ضربين ؛ التعظيم : وهو المراد بالقسم المنهي عنه . والتوكيد : كقول الشاعر : نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف الرجل بأبيه
لعمر أبى الواشين لا عمر غيرهم لقد كلفتني خطة لا أريدها
فهذا توكيد لا قسم ؛ لأنه لا يقصد أن يحلف بأبي الواشين ، وهو في كلامهم كثير ؛ وقوله أنشده أبو علي ، عن أبي الحسن :
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا كأنك فينا يا أبات غريب
قال : فهذا تأنيث الآباء ، وسمى الله عز وجل العم أبا في قوله : ابن جني قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وأبوت وأبيت : صرت أبا . وأبوته إباوة : صرت له أبا ؛ قال بخدج :
اطلب أبا نخلة من يأبوكا فقد سألنا عنك من يعزوكا
إلى أب فكلهم ينفيكا
التهذيب : : أبوت الرجل أأبوه إذا كنت له أبا . ويقال : ما له أب يأبوه ؛ أي : يغذوه ويربيه ، والنسبة إليه أبوي . ابن السكيت أبو عبيد : تأبيت أبا ؛ أي : اتخذت أبا ، وتأميت أمة وتعممت عما . : فلان يأبوك ؛ أي : يكون لك أبا ؛ وأنشد ابن الأعرابي لشريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخيلة :
يا أيهذا المدعي شريكا بين لنا وحل عن أبيكا
إذا انتفى أوشك حزن فيكا وقد سألنا عنك من يعزوكا
إلى أب فكلهم ينفيكا فاطلب أبا نخلة من يأبوكا
وادع في فصيلة تؤويكا
قال : وعلى هذا ينبغي أن يحمل بيت ابن بري : الشريف الرضي
تزهى على ملك النسا ء فليت شعري من أباها ؟
أي : من كان أباها . قال : ويجوز أن يريد أبويها فبناه على لغة من يقول أبان وأبون . الليث : يقال فلان يأبو هذا اليتيم إباوة ؛ أي : يغذوه كما يغذو الوالد ولده . وبيني وبين فلان أبوة ، والأبوة أيضا : الآباء مثل العمومة والخؤولة ؛ وكان يروي قيل الأصمعي أبي ذؤيب :
لو كان مدحة حي أنشرت أحدا أحيا أبوتك الشم الأماديح
وغيره يرويه :
أحيا أباكن يا ليلى الأماديح
قال : ومثله قول ابن بري لبيد :
وأنبش من تحت القبور أبوة كراما هم شدوا علي التمائما
قال ، وقال : الكميت
نعلمهم بها ما علمتنا أبوتنا جواري أو صفونا
وتأباه : اتخذه أبا ، والاسم الأبوة ؛ وأنشد لشاعر : ابن بري
أيوعدني الحجاج والحزن بيننا وقبلك لم يسطع لي القتل مصعب
تهدد رويدا لا أرى لك طاعة ولا أنت مما ساء وجهك معتب
فإنكم والملك يا أهل أيلة لكالمتأبي وهو ليس له أب
وما كنت أبا ولقد أبوت أبوة ، وقيل : ما كنت أبا ولقد أبيت ، وما كنت أما ولقد أممت أمومة ، وما كنت أخا ولقد أخيت ولقد أخوت ، وما كنت أمة ولقد أموت . ويقال : استئب أبا واستأبب أبا وتأب أبا واستئم أما واستأمم أما وتأمم أما . قال أبو منصور : وإنما شدد الأب والفعل منه ، وهو في الأصل غير مشدد ؛ لأن الأب أصله أبو ، فزادوا بدل الواو باء كما قالوا قن للعبد ، وأصله قني ، ومن العرب من قال لليد يد ، فشدد الدال لأن أصله يدي . وفي حديث : كانت إذا ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : بأباه ؛ قال أم عطية ابن الأثير : أصله بأبي هو . يقال : بأبأت الصبي إذا قلت له بأبي أنت وأمي ، فلما سكنت الياء قلبت ألفا كما قيل في " يا ويلتي " : يا ويلتا ، وفيها ثلاث لغات : بهمزة مفتوحة بين الباءين . وبقلب الهمزة ياء مفتوحة . وبإبدال الياء الأخيرة ألفا ، وهي هذه والباء الأولى في بأبي أنت وأمي متعلقة بمحذوف ، قيل : هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره أنت مفدي بأبي وأمي ، وقيل : هو فعل وما بعده منصوب ؛ أي : فديتك بأبي وأمي ، وحذف هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به . الجوهري : وقولهم يا أبة افعل ، يجعلون علامة التأنيث عوضا من ياء الإضافة ، كقولهم في الأم يا أمة ، وتقف عليها بالهاء إلا في القرآن العزيز فإنك تقف عليها بالتاء اتباعا للكتاب ، وقد يقف بعض العرب على هاء التأنيث بالتاء فيقولون : يا طلحت ، وإنما لم تسقط التاء في الوصل من الأب ، يعني في قوله : ( يا أبة افعل ) وسقطت [ ص: 45 ] من الأم إذا قلت يا أم أقبلي ، لأن الأب لما كان على حرفين كان كأنه قد أخل به ، فصارت الهاء لازمة وصارت الياء كأنها بعدها . قال : أم منادى مرخم ، حذفت منه التاء ، قال : وليس في كلام العرب مضاف رخم في النداء غير أم ، كما أنه لم يرخم نكرة غير صاحب في قولهم : " يا صاح " ، وقالوا في النداء يا أبة ، ولزموا الحذف والعوض ، قال ابن بري : وسألت سيبويه الخليل رحمه الله ؛ عن قولهم يا أبة ويا أبة لا تفعل ، ويا أبتاه ويا أمتاه ، فزعم أن هذه الهاء مثل الهاء في عمة وخالة ، قال : ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة وخالة أنك تقول في الوقف يا أبه ، كما تقول يا خاله ، وتقول يا أبتاه كما تقول يا خالتاه ، قال : وإنما يلزمون هذه الهاء في النداء إذا أضفت إلى نفسك خاصة ، كأنهم جعلوها عوضا من حذف الياء ، قال : وأرادوا أن لا يخلوا بالاسم حين اجتمع فيه حذف النداء ، وأنهم لا يكادون يقولون يا أباه ، وصار هذا محتملا عندهم لما دخل النداء من الحذف والتغيير ، فأرادوا أن يعوضوا هذين الحرفين كما يقولون أينق ، لما حذفوا العين جعلوا الياء عوضا ، فلما ألحقوا الهاء صيروها بمنزلة الهاء التي تلزم الاسم في كل موضع ، واختص النداء بذلك لكثرته في كلامهم كما اختص ب " يا أيها الرجل " . وذهب أبو عثمان المازني في قراءة من قرأ : ( يا أبة ) - بفتح التاء - إلى أنه أراد يا أبتاه فحذف الألف ؛ وقوله أنشده يعقوب :
تقول ابنتي لما رأت وشك رحلتي كأنك فينا يا أبات غريب
أراد : يا أبتاه ، فقدم الألف وأخر التاء ، وهو تأنيث الأبا ، ذكره و ابن سيده الجوهري ؛ وقال : الصحيح أنه رد لام الكلمة إليها لضرورة الشعر كما رد الآخر لام دم في قوله : ابن بري
فإذا هي بعظام ودما
وكما رد الآخر إلى يد لامها في نحو قوله :
إلا ذراع البكر أو كف اليدا
وقوله أنشده ثعلب :
فقام أبو ضيف كريم كأنه وقد جد من حسن الفكاهة مازح
فسره فقال : إنما قال أبو ضيف لأنه يقري الضيفان ؛ وقال العجير السلولي :
تركنا أبا الأضياف في ليلة الصبا بمرو ومردى كل خصم يجادله
وقد يقلبون الياء ألفا ؛ قالت درنى بنت سيار بن ضبرة ترثي أخويها ، ويقال هو لعمرة الخثعمية :
هما أخوا في الحرب من لا أخا له إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
وقد زعموا أني جزعت عليهما وهل جزع إن قلت وابأبا هما
تريد : وابأبي هما . قال : ويروى وابيباهما ، على إبدال الهمزة ياء لانكسار ما قبلها ، وموضع الجار والمجرور رفع على خبرهما ؛ قال ويدلك على ذلك قول الآخر : ابن بري
يا بأبي أنت ويا فوق البيب
قال أبو علي : الياء في بيب مبدلة من همزة بدلا لازما ، قال : وحكى أبو زيد بيبت الرجل إذا قلت له بأبي ، فهذا من البيب ، قال : وأنشده يا بيبا ؛ قال : وهو الصحيح ليوافق لفظه لفظ البيب ؛ لأنه مشتق منه ، قال : ورواه ابن السكيت أبو العلاء فيما حكاه عنه التبريزي : ويا فوق البئب - بالهمز - قال : وهو مركب من قولهم بأبي ، فأبقى الهمزة لذلك ؛ قال : فينبغي على قول من قال البيب أن يقول يا بيبا ، بالياء غير مهموز ، وهذا البيت أنشده ابن بري مع أبيات في كتاب البيان والتبيين الجاحظ لآدم مولى بلعنبر يقوله لابن له ؛ وهي :
يا بأبي أنت ويا فوق البيب يا بأبي خصياك من خصى وزب
أنت المحب وكذا فعل المحب جنبك الله معاريض الوصب
حتى تفيد وتداوي ذا الجرب وذا الجنون من سعال وكلب
بالجدب حتى يستقيم في الحدب وتحمل الشاعر في اليوم العصب
على نهابير كثيرات التعب وإن أراد جدلا صعب أرب
الأرب : العاقل .
خصومة تنقب أوساط الركب
لأنهم كانوا إذا تخاصموا جثوا على الركب .
أطلعته من رتب إلى رتب حتى ترى الأبصار أمثال الشهب
يرمي بها أشوس ملحاح كلب مجرب الشكات ميمون مذب
وقال الفراء في قوله :
يا بأبي أنت ويا فوق البيب
قال : جعلوا الكلمتين كالواحدة لكثرتها في الكلام ، وقال : يا أبة ويا أبة لغتان ، فمن نصب أراد الندبة فحذف . وحكى اللحياني عن : ما يدرى له من أب وما أب ؛ أي : لا يدرى من أبوه وما أبوه . وقالوا : لاب لك يريدون لا أب لك ، فحذفوا الهمزة البتة ، ونظيره قولهم : ويلمه ، يريدون ويل أمه . وقالوا : لا أبا لك ؛ قال الكسائي أبو علي : فيه تقديران مختلفان لمعنيين مختلفين ، وذلك أن ثبات الألف في أبا من لا أبا لك دليل الإضافة - فهذا وجه - ووجه آخر أن ثبات اللام وعمل " لا " في هذا الاسم يوجب التنكير والفصل ، فثبات الألف دليل الإضافة والتعريف ، ووجود اللام دليل الفصل والتنكير ، وهذان كما تراهما متدافعان ، والفرق بينهما أن قولهم لا أبا لك كلام جرى مجرى المثل ، وذلك أنك إذا قلت هذا فإنك لا تنفي في الحقيقة أباه ، [ ص: 46 ] وإنما تخرجه مخرج الدعاء عليه ؛ أي : أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه ؛ وأنشد توكيدا لما أراد من هذا المعنى قوله :
ويترك أخرى فردة لا أخا لها
ولم يقل لا أخت لها ، ولكن لما جرى هذا الكلام على أفواههم لا أبا لك ولا أخا لك قيل مع المؤنث على حد ما يكون عليه مع المذكر ، فجرى هذا نحوا من قولهم لكل أحد من ذكر وأنثى أو اثنين أو جماعة : الصيف ضيعت اللبن ، على التأنيث ؛ لأنه كذا جرى أوله ، وإذا كان الأمر كذلك علم أن قولهم لا أبا لك إنما فيه تفادي ظاهره من اجتماع صورتي الفصل والوصل والتعريف والتنكير لفظا لا معنى ، ويؤكد عندك خروج هذا الكلام مخرج المثل كثرته في الشعر ، وأنه يقال لمن له أب ولمن لا أب له ؛ لأنه إذا كان لا أب له لم يجز أن يدعى عليه بما هو فيه لا محالة ، ألا ترى أنك لا تقول للفقير أفقره الله ؟ فكما لا تقول لمن لا أب له أفقدك الله أباك كذلك تعلم أن قولهم لمن لا أب له لا أبا لك لا حقيقة لمعناه مطابقة للفظه ، وإنما هي خارجة مخرج المثل على ما فسره أبو علي ؛ قال عنترة :
فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
وقال المتلمس :
ألق الصحيفة لا أبا لك إنه يخشى عليك من الحباء النقرس
ويدلك على أن هذا ليس بحقيقة قول جرير :
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم في سوءة عمر
فهذا أقوى دليل على أن هذا القول مثل لا حقيقة له ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يكون للتيم كلها أب واحد ، ولكنكم كلكم أهل للدعاء عليه والإغلاظ له ؟ ويقال : لا أب لك ولا أبا لك ، وهو مدح ، وربما قالوا لا أباك ؛ لأن اللام كالمقحمة ؛ قال أبو حية النميري :
أبالموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني
دعي ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني
أراد : تخوفينني ، فحذف النون الأخيرة ؛ قال : ومثله ما أنشده ابن بري في الكامل : أبو العباس المبرد
وقد مات شماخ ومات مزرد وأي كريم لا أباك يخلد
قال : وشاهد " لا أبا لك " قول ابن بري الأجدع :
فإن أثقف عميرا لا أقله وإن أثقف أباه فلا أبا له
قال : وقال الأبرش بحزج بن حسان يهجو أبا نخيلة :
إن أبا نخلة عبد ما له جول إذا ما التمسوا أجواله
يدعو إلى أم ولا أبا له
وقال الأعور بن براء :
فمن مبلغ عني كريزا وناشئا بذات الغضى أن لا أبا لكما بيا ؟
وقال زفر بن الحرث يعتذر من هزيمة انهزمها :
أريني سلاحي لا أبا لك إنني أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا
أيذهب يوم واحد إن أسأته بصالح أيامي وحسن بلائيا
ولم تر مني زلة قبل هذه فراري وتركي صاحبي ورائيا
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا
وقال جرير لجده الخطفى :
فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة فإن عرضت فإنني لا أبا ليا
وكان الخطفى شاعرا مجيدا ؛ ومن أحسن ما قيل في الصمت قوله :
عجبت لإزراء العيي بنفسه وصمت الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للعيي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلما
وقد تكرر في الحديث ، وهو أكثر ما يذكر في المدح ؛ أي : لا كافي لك غير نفسك ، وقد يذكر في معرض الذم كما يقال لا أم لك ؛ قال : وقد يذكر في معرض التعجب ودفعا للعين كقولهم : لله درك ، وقد يذكر بمعنى جد في أمرك وشمر ؛ لأن من له أب اتكل عليه في بعض شأنه ، وقد تحذف اللام فيقال لا أباك بمعناه ؛ وسمع لا أبا لك رجلا من الأعراب في سنة مجدبة يقول : سليمان بن عبد الملك
رب العباد ما لنا وما لك ؟ قد كنت تستقينا فما بدا لك ؟
أنزل علينا الغيث لا أبا لك !
فحمله سليمان أحسن محمل وقال : أشهد أن لا أبا له ولا صاحبة ولا ولد . وفي الحديث : قال لله أبوك ! ابن الأثير : إذا أضيف الشيء إلى عظيم شريف اكتسى عظما وشرفا كما قيل بيت الله وناقة الله ، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقعه ويحمد قيل لله أبوك ، في معرض المدح والتعجب ؛ أي : أبوك لله خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك . قال أبو الهيثم : إذا قال الرجل للرجل لا أم له فمعناه ليس له أم حرة ، وهو شتم ، وذلك أن بني الإماء ليسوا بمرضيين ولا لاحقين ببني الأحرار والأشراف ، وقيل : معنى قولهم : لا أم لك ؛ يقول أنت لقيط لا تعرف لك أم ، قال : ولا يقول الرجل لصاحبه لا أم لك إلا في غضبه عليه وتقصيره به شاتما ، وأما إذا قال لا أبا لك فلم يترك له من الشتيمة شيئا ، وإذا أراد كرامة قال : لا أبا لشانيك ، ولا أب لشانيك ، وقال [ ص: 47 ] : يقال لا أب لك ولا أبك - بغير لام - ، وروي عن المبرد : أنه سأل ابن شميل الخليل عن قول العرب لا أبا لك فقال : معناه لا كافي لك . وقال غيره : معناه أنك تجرني أمرك حمد . وقال الفراء : قولهم لا أبا لك كلمة تفصل بها العرب كلامها . وأبو المرأة : زوجها ؛ عن ابن حبيب .
ومن المكنى بالأب قولهم : أبو الحرث كنية الأسد ، أبو جعدة كنية الذئب ، أبو حصين كنية الثعلب ، أبو ضوطرى الأحمق ، أبو حاجب النار لا ينتفع بها ، أبو جخادب الجراد ، وأبو براقش لطائر مبرقش ، وأبو قلمون لثوب يتلون ألوانا ، وأبو قبيس جبل بمكة ، وأبو دارس كنية الفرج من الدرس وهو الحيض ، وأبو عمرة كنية الجوع ؛ وقال :
حل أبو عمرة وسط حجرتي
وأبو مالك : كنية الهرم ؛ قال :
أبا مالك إن الغواني هجرنني أبا مالك إني أظنك دائبا
وفي حديث رقيقة : هنيئا لك أبا البطحاء ! إنما سموه أبا البطحاء لأنهم شرفوا به وعظموا بدعائه وهدايته كما يقال للمطعام أبو الأضياف . وفي حديث : وائل بن حجر من محمد رسول الله إلى المهاجر ابن أبو أمية ؛ قال ابن الأثير : حقه أن يقول ابن أبي أمية ، ولكنه لاشتهاره بالكنية ولم يكن له اسم معروف غيره ، لم يجر كما قيل . وفي حديث علي بن أبو طالب عائشة : قالت عن حفصة وكانت بنت أبيها ؛ أي : أنها شبيهة به في قوة النفس وحدة الخلق والمبادرة إلى الأشياء . والأبواء - بالمد - موضع ، وقد ذكر في الحديث الأبواء ، وهو بفتح الهمزة وسكون الباء والمد ، جبل بين مكة والمدينة ، وعنده بلد ينسب إليه . وكفرآبيا : موضع . وفي الحديث : ذكر أبى ، هي بفتح الهمزة وتشديد الباء : بئر من آبار بني قريظة وأموالهم يقال لها بئر أبى ، نزلها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى بني قريظة .