أنس : الإنسان : معروف ; وقوله :
أقل بنو الإنسان حين عمدتم إلى من يثير الجن وهي هجود
يعني بالإنسان آدم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - . وقوله - عز وجل - : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ; عنى بالإنسان هنا الكافر ، ويدل على ذلك قوله - عز وجل - : ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ; هذا قول ، فإن قيل : وهل يجادل غير الإنسان ؟ قيل : قد جادل إبليس وكل من يعقل من الملائكة ، والجن تجادل ، لكن الإنسان أكثر جدلا ، والجمع الناس ، مذكر . وفي التنزيل : الزجاج ياأيها الناس ; وقد يؤنث على معنى القبيلة أو الطائفة ، حكى ثعلب : جاءتك الناس ، معناه : جاءتك القبيلة أو القطعة ; كما جعل بعض الشعراء آدم اسما للقبيلة وأنث فقال أنشده : سيبويه
شادوا البلاد وأصبحوا في آدم بلغوا بها بيض الوجوه فحولا
والإنسان أصله إنسيان لأن العرب قاطبة قالوا في تصغيره : أنيسيان ، فدلت الياء الأخيرة على الياء في تكبيره ، إلا أنهم حذفوها لما كثر الناس في كلامهم . وفي حديث ابن صياد : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : انطلقوا بنا إلى أنيسيان قد رأينا شأنه ; وهو تصغير إنسان ، جاء شاذا على غير قياس ، وقياسه أنيسان ، قال : وإذا قالوا أناسين فهو جمع بين مثل بستان وبساتين ، وإذا قالوا أناسي كثيرا فخففوا الياء أسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه مثل قراقير وقراقر ، ويبين جواز أناسي ، بالتخفيف ، قول العرب أناسية كثيرة ، والواحد إنسي ، وأناس إن شئت . وروي عن - رضي الله عنهما - أنه قال : إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي ، قال ابن عباس أبو منصور : إذا كان الإنسان في الأصل إنسيان ، فهو إفعلان من النسيان ، وقول حجة قوية له ، وهو مثل ليل إضحيان من ضحي يضحى ، وقد حذفت الياء فقيل إنسان . وروى ابن عباس المنذري عن أبي الهيثم أنه سأله عن الناس ما أصله ؟ فقال : الأناس لأن أصله أناس فالألف فيه أصلية ثم زيدت عليه اللام التي تزاد مع الألف للتعريف ، وأصل تلك اللام إبدال من أحرف قليلة مثل الاسم والابن وما أشبهها من الألفات الوصلية فلما زادوهما على أناس صار الاسم الأناس ، ثم كثرت في الكلام فكانت الهمزة واسطة فاستثقلوها فتركوها وصار الباقي : ألناس ، بتحريك اللام بالضمة ، فلما تحركت اللام والنون أدغموا اللام في النون فقالوا : الناس ، فلما طرحوا الألف واللام ابتدأوا الاسم فقالوا : قال ناس من الناس . قال الأزهري : وهذا الذي قاله أبو الهيثم تعليل النحويين ، وإنسان في الأصل إنسيان ، وهو فعليان من الإنس ، والألف فيه فاء الفعل ، وعلى مثاله حرصيان ، وهو الجلد الذي يلي الجلد الأعلى من الحيوان ، سمي حرصيانا لأنه يحرص أي يقشر ; ومنه أخذت الحارصة من الشجاج ، يقال : رجل حذريان إذا كان حذرا . قال الجوهري : وتقدير إنسان فعلان ، وإنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل رويجل ، وقال قوم : أصله إنسيان على إفعلان ، فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما يجري على ألسنتهم ، فإذا صغروه ردوها لأن التصغير لا يكثر . وقوله - عز وجل - : أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ، الناس هاهنا أهل مكة والأناس لغة في الناس ، وقال : والأصل في الناس الأناس مخففا فجعلوا الألف واللام عوضا من الهمزة ، وقد قالوا : الأناس ، قال الشاعر : سيبويه
إن المنايا يطلع ن على الأناس الآمنينا
وحكى : الناس الناس أي الناس بكل مكان وعلى كل حال كما تعرف ; وقوله : سيبويه
بلاد بها كنا ، وكنا نحبها إذ الناس ناس والبلاد بلاد
فهذا على المعنى دون اللفظ أي إذ الناس أحرار والبلاد مخصبة ، ولولا هذا الغرض وأنه مراد معتزم لم يجز شيء من ذلك لتعري الجزء الأخير من زيادة الفائدة عن الجزء الأول ، وكأنه أعيد لفظ الأول لضرب من الإدلال والثقة بمحصول الحال ، وكذلك كل ما كان مثل هذا . والنات : لغة في الناس على البدل الشاذ ; وأنشد :
يا قبح الله بني السعلاة ! عمرو بن يربوع شرار النات
غير أعفاء ولا أكيات
أراد ولا أكياس فأبدل التاء من سين الناس والأكياس لموافقتها إياها في الهمس والزيادة وتجاور المخارج . والإنس : جماعة الناس ، والجمع أناس ، وهم الأنس . تقول : رأيت بمكان كذا وكذا أنسا كثيرا أي ناسا كثيرا ; وأنشد :
وقد ترى بالدار يوما أنسا
والأنس بالتحريك ، الحي المقيمون والأنس أيضا : لغة في الإنس وأنشد الأخفش على هذه اللغة :
أتوا ناري فقلت : منون أنتم فقالوا : الجن ! قلت : عموا ظلاما !
فقلت إلى الطعام فقال منهم زعيم نحسد الأنس الطعاما
قال : الشعر ابن بري لشمر بن الحرث الضبي ، وذكر البيت الأول جاء فيه منون مجموعا للضرورة وقياسه : من أنتم ؟ لأن من إنما تلحقه الزوائد في الوقف ، يقول القائل : جاءني رجل ، فتقول : منو ؟ ورأيت رجلا فيقال : منا ؟ ومررت برجل فيقال : مني ؟ وجاءني رجلان فتقول : منان ؟ وجاءني رجال فتقول : منون ؟ فإن وصلت قلت : من يا هذا ؟ أسقطت الزوائد كلها ، ومن روى عموا صباحا [ ص: 171 ] فالبيت على هذه الرواية سيبويه لجذع بن سنان الغساني في جملة أبيات حائية ; ومنها :
أتاني قاشر وبنو أبيه وقد جن الدجى والنجم لاحا
فنازعني الزجاجة بعد وهن مزجت لهم بها عسلا وراحا
وحذرني أمورا سوف تأتي أهز لها الصوارم والرماحا
والأنس : خلاف الوحشة ، وهو مصدر قولك أنست به ، بالكسر ، أنسا وأنسة قال : وفيه لغة أخرى : أنست به أنسا مثل كفرت به كفرا . قال : والأنس والاستئناس هو التأنس ، وقد أنست بفلان . والإنسي : منسوب إلى الإنس ، كقولك جني وجن وسندي وسند ، والجمع أناسي ككرسي وكراسي ، وقيل : أناسي جمع إنسان كسرحان وسراحين ، لكنهم أبدلوا الياء من النون ; فأما قولهم : أناسية جعلوا الهاء عوضا من إحدى ياءي أناسي جمع إنسان ، كما قال - عز من قائل - : وأناسي كثيرا ، وتكون الياء الأولى من الياءين عوضا منقلبة من النون كما تنقلب النون من الواو إذا نسبت إلى صنعاء وبهراء فقلت : صنعاني وبهراني ، ويجوز أن نحذف الألف والنون في إنسان تقديرا وتأتي بالياء التي تكون في تصغيره إذا قالوا أنيسيان ، فكأنهم زادوا في الجمع الياء التي يردونها في التصغير فيصير أناسي ، فيدخلون الهاء لتحقيق التأنيث ; قال : أناسية جمع إنسية ، والهاء عوض من الياء المحذوفة ، لأنه كان يجب أناسي بوزن زناديق وفرازين ، وأن الهاء في زنادقة وفرازنة إنما هي بدل من الياء ، وأنها لما حذفت للتخفيف عوضت منها الهاء ، فالياء الأولى من أناسي بمنزلة الياء من فرازين وزناديق ، والياء الأخيرة منه بمنزلة القاف والنون منهما ، ومثل ذلك جحجاح وجحاجحة إنما أصله جحاجيح . قال المبرد اللحياني : يجمع إنسان أناسي وآناسا على مثال آباض . وأناسية بالتخفيف والتأنيث . والإنس : البشر ، الواحد إنسي وأنسي أيضا ، بالتحريك . ويقال : أنس وآناس كثير . قال الفراء في قوله - عز وجل - : وأناسي كثيرا ، الأناسي جماع ، الواحد إنسي ، وإن شئت جعلته إنسانا ثم جمعته أناسي فتكون الياء عوضا من النون ، كما قالوا للأرانب أراني وللسراحين سراحي . ويقال للمرأة أيضا إنسان ولا يقال إنسانة ، والعامة تقوله . وفي الحديث : خيبر ; يعني التي تألف البيوت ، والمشهور فيها كسر الهمزة ، منسوبة إلى الإنس ، وهم بنو آدم ، الواحد إنسي قال : وفي كتاب أنه نهى عن الحمر الإنسية يوم أبي موسى ما يدل على أن الهمزة مضمومة فإنه قال هي التي تألف البيوت . والأنس ، وهو ضد الوحشة ، الأنس ، بالضم ، وقد جاء فيه الكسر قليلا ، ورواه بعضهم بفتح الهمزة والنون ، قال : وليس بشيء ، قال ابن الأثير : إن أراد أن الفتح غير معروف في الرواية فيجوز ، وإن أراد أنه ليس بمعروف في اللغة فلا ، فإنه مصدر أنست به آنس أنسا وأنسة ، وقد حكي أن الإيسان لغة في الإنسان ، طائية ; قال عامر بن جرير الطائي :
فيا ليتني من بعد ما طاف أهلها هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان
قال : كذا أنشده ابن سيده ، قال : إلا أنهم قد قالوا في جمعه أياسي ، بياء قبل الألف ، فعلى هذا لا يجوز أن تكون الياء غير مبدلة ، وجائز أيضا أن يكون من البدل اللازم نحو عيد وأعياد وعييد ; قال ابن جني اللحياني : في لغة طيئ ما رأيت ثم إيسانا أي إنسانا ; قال اللحياني : يجمعونه أياسين ، قال في كتاب الله - عز وجل - : ياسين والقرآن الحكيم ; بلغة طيئ ، قال أبو منصور : وقول العلماء أنه من الحروف المقطعة . قال الفراء : العرب جميعا يقولون الإنسان إلا طيئا فإنهم يجعلون مكان النون ياء . وروى أن قيس بن سعد - رضي الله عنهما - قرأ : ابن عباس ياسين والقرآن الحكيم ، يريد يا إنسان . قال : ويحكى أن طائفة من الجن وافوا قوما فاستأذنوا عليهم فقال لهم الناس : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن ، وذلك أن المعهود في الكلام إذا قيل للناس : من أنتم ؟ قالوا : ناس من بني فلان ، فلما كثر ذلك استعملوه في الجن على المعهود من كلامهم مع الإنس ، والشيء يحمل على الشيء من وجه يجتمعان فيه وإن تباينا من وجه آخر . والإنسان أيضا : إنسان العين ، وجمعه أناسي . وإنسان العين : المثال الذي يرى في السواد ; قال ابن جني يصف إبلا غارت عيونها من التعب والسير : ذو الرمة
إذا استحرست آذانها استأنست لها أناسي ملحود لها في الحواجب
وهذا البيت أورده : إذا استوجست ، قال : واستوجست بمعنى تسمعت ، واستأنست وآنست بمعنى أبصرت ، وقوله : ملحود لها في الحواجب ، يقول : كأن محار أعينها جعلن لها لحودا ، وصفها بالغئور ; قال ابن بري الجوهري ولا يجمع على أناس . وإنسان العين : ناظرها . والإنسان : الأنملة ; وقوله :
تمري بإنسانها إنسان مقلتها إنسانة في سواد الليل عطبول
فسره أبو العميثل الأعرابي فقال : إنسانها أنملتها . قال : ولم أره لغيره ; قال : ابن سيده
أشارت لإنسان بإنسان كفها لتقتل إنسانا بإنسان عينها
وإنسان السيف والسهم : حدهما . وإنسي القدم . ما أقبل عليها ، ووحشيها ما أدبر منها . وإنسي الإنسان والدابة : جانبهما الأيسر ، وقيل الأيمن . وإنسي القوس : ما أقبل عليك منها ، وقيل : إنسي القوس ما ولي الرامي ، ووحشيها ما ولي الصيد ، وسنذكر اختلاف ذلك في حرف الشين . التهذيب : الإنسي من الدواب هو الجانب الأيسر الذي منه يركب ويحتلب ، وهو من الآدمي الجانب الذي يلي الرجل الأخرى ، والوحشي من الإنسان الجانب الذي يلي الأرض . أبو زيد : الإنسي الأيسر من كل شيء . قال : هو الأيمن ، [ ص: 172 ] وقال : كل اثنين من الإنسان مثل الساعدين والزندين والقدمين فما أقبل منهما على الإنسان فهو إنسي ، وما أدبر عنه فهو وحشي . والأنس : أهل المحل ، والجمع آناس ; قال الأصمعي أبو ذؤيب :
منايا يقربن الحتوف لأهلها جهارا ويستمتعن بالأنس الجبل
، وقال عمرو ذو الكلب :
بفتيان عمارط من هذيل هم ينفون آناس الحلال
، وقالوا : كيف ابن إنسك وإنسك أي كيف نفسك . أبو زيد : تقول العرب للرجل كيف ترى ابن إنسك إذا خاطبت الرجل عن نفسك . الأحمر : فلان ابن إنس فلان أي صفيه وأنيسه وخاصته . قال الفراء : قلت للدبيري أيش ، كيف ترى ابن إنسك ، بكسر الألف ؟ فقال : عزاه إلى الإنس ، فأما الأنس عندهم فهو الغزل . الجوهري : يقال كيف ابن إنسك وإنسك يعني نفسه ، أي كيف تراني في مصاحبتي إياك ؟ ويقال : هذا حدثي وإنسي وخلصي وجلسي ، كله بالكسر . أبو حاتم : أنست به إنسا ، بكسر الألف ، ولا يقال أنسا إنما الأنس حديث النساء ومؤانستهن . رواه أبو حاتم عن أبي زيد . وأنست به آنس وأنست آنس أيضا بمعنى واحد . والإيناس : خلاف الإيحاش ، وكذلك التأنيس . والأنس والأنس والإنس الطمأنينة ، وقد أنس به وأنس يأنس ويأنس وأنس أنسا وأنسة وتأنس واستأنس ; قال الراعي :
ألا اسلمي اليوم ذات الطوق والعاج والدل والنظر المستأنس الساجي
والعرب تقول : آنس من حمى ; يريدون أنها لا تكاد تفارق العليل فكأنها آنسة به ، وقد آنسني وأنسني . وفي بعض الكلام : إذا جاء الليل استأنس كل وحشي واستوحش كل إنسي ; قال العجاج :
وبلدة ليس بها طوري ولا خلا الجن بها إنسي
تلقى ، وبئس الأنس الجني ! دوية لهولها دوي
للريح في أقرابها هوي
هوي : صوت . أبو عمرو : الأنس سكان الدار . واستأنس الوحشي إذا أحس إنسيا . واستأنست بفلان وتأنست به بمعنى ; وقول الشاعر :
ولكنني أجمع المؤنسات إذا ما استخف الرجال الحديدا
يعني أنه يقاتل بجميع السلاح ، وإنما سماها بالمؤنسات لأنهن يؤنسنه فيؤمنه أو يحسن ظنه . قال الفراء : يقال للسلاح كله من الرمح والمغفر والتجفاف والتسبغة والترس وغيره : المؤنسات . وكانت العرب القدماء تسمي يوم الخميس مؤنسا لأنهم كانوا يميلون فيه إلى الملاذ ; قال الشاعر :
أؤمل أن أعيش وإن يومي بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن يفتني فمؤنس أو عروبة أو شيار
وقال مطرف : أخبرني الكريمي إملاء عن رجاله عن - رضي الله عنهما - قال : قال لي ابن عباس علي - عليه السلام - : إن الله - تبارك وتعالى - خلق الفردوس يوم الخميس وسماها مؤنس . وكلب أنوس : وهو ضد العقور ، والجمع أنس . ومكان مأنوس إنما هو على النسب لأنهم لم يقولوا آنست المكان ولا أنسته ، فلما لم نجد له فعلا وكان النسب يسوغ في هذا حملناه عليه ; قال جرير :
حي الهدملة من ذات المواعيس فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس
وجارية آنسة : طيبة الحديث ; قال : النابغة الجعدي
بآنسة غير أنس القراف تخلط باللين منها شماسا
، وكذلك أنوس ، والجمع أنس ; قال الشاعر يصف بيض نعام :
أنس إذا ما جئتها ببيوتها شمس إذا داعي السباب دعاها
جعلت لهن ملاحف قصبية يعجلنها بالعط قبل بلاها
والملاحف القصبية يعني بها ما على الأفرخ من غرقئ البيض . الليث : جارية آنسة إذا كانت طيبة النفس تحب قربك وحديثك ، وجمعها آنسات وأوانس . وما بها أنيس أي أحد والأنس الجمع . وآنس الشيء : أحسه . وآنس الشخص واستأنسه : رآه وأبصره ونظر إليه ; أنشد : ابن الأعرابي
بعيني لم تستأنسا يوم غبرة ولم تردا جو العراق فثردما
: أنست بفلان أي فرحت به ، وآنست فزعا وأنسته إذا أحسسته ووجدته في نفسك . وفي التنزيل العزيز : ابن الأعرابي آنس من جانب الطور نارا ، يعني موسى أبصر نارا ، وهو الإيناس . وآنس الشيء : علمه . يقال : آنست منه رشدا أي علمته . وآنست الصوت : سمعته . وفي حديث هاجر وإسماعيل : فلما جاء إسماعيل - عليه السلام - كأنه آنس شيئا أي أبصر ورأى شيئا لم يعهده . يقال : آنست منه كذا أي علمت . واستأنست : استعلمت ; ومنه حديث نجدة الحروري : وابن عباس حتى تؤنس منه الرشد أي تعلم منه كمال العقل وسداد الفعل وحسن التصرف . وقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا ، قال : معنى تستأنسوا في اللغة تستأذنوا ، ولذلك جاء في التفسير تستأنسوا فتعلموا أيريد أهلها أن تدخلوا أم لا ؟ قال الزجاج الفراء : هذا مقدم ومؤخر إنما هو حتى تسلموا وتستأنسوا : السلام عليكم ! أأدخل ؟ قال : والاستئناس في كلام العرب النظر . يقال : اذهب فاستأنس هل ترى أحدا ؟ فيكون معناه انظر من ترى في الدار ، قال النابغة :
بذي الجليل على مستأنس وحد
[ ص: 173 ] أي على ثور وحشي أحس بما رابه فهو يستأنس أي يتبصر ويتلفت هل يرى أحدا ، أراد أنه مذعور فهو أجد لعدوه وفراره وسرعته . وكان - رضي الله عنهما - يقرأ هذه الآية : ( حتى تستأذنوا ) ، قال : تستأنسوا خطأ من الكاتب . قال ابن عباس الأزهري : قرأ أبي : تستأذنوا ، كما قرأ وابن مسعود ، والمعنى فيهما واحد . قال ابن عباس قتادة ومجاهد : تستأنسوا هو الاستئذان ، وقيل : تستأنسوا تنحنحوا . قال الأزهري : وأصل الإنس والأنس والإنسان من الإيناس ، وهو الإبصار . ويقال : آنسته وأنسته أي أبصرته ; وقال الأعشى :
لا يسمع المرء فيها ما يؤنسه بالليل إلا نئيم البوم والضوعا
، وقيل معنى قوله : ما يؤنسه أي ما يجعله ذا أنس ، وقيل للإنس إنس لأنهم يؤنسون أي يبصرون ، كما قيل للجن جن لأنهم لا يؤنسون أي لا يبصرون . وقال محمد بن عرفة الواسطي : سمي الإنسيون إنسيين لأنهم يؤنسون أي يرون ، وسمي الجن جنا لأنهم مجتنون عن رؤية الناس أي متوارون . وفي حديث : كان إذا دخل داره استأنس وتكلم أي استعلم وتبصر قبل الدخول ; ومنه الحديث : ابن مسعود
ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إيناسها ؟
أي أنها يئست مما كانت تعرفه وتدركه من استراق السمع ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - . والإيناس : اليقين ; قال :
فإن أتاك امرؤ يسعى بكذبته فانظر فإن اطلاعا غير إيناس
الاطلاع : النظر ، والإيناس : اليقين ; قال الشاعر :
ليس بما ليس به باس باس ولا يضر البر ما قال الناس
وإن بعد اطلاع إيناس
وبعضهم يقول : بعد طلوع إيناس . الفراء : من أمثالهم : بعد اطلاع إيناس ; يقول : بعد طلوع إيناس . وتأنس البازي : جلى بطرفه . والبازي يتأنس ، وذلك إذا ما جلى ونظر رافعا رأسه وطرفه . وفي الحديث : لو أطاع الله الناس في الناس لم يكن ناس ; قيل : معناه أن الناس يحبون أن لا يولد لهم إلا الذكران دون الإناث ، ولو لم يكن الإناث ذهب الناس ، ومعنى أطاع استجاب دعاءه . ومأنوسة والمأنوسة جميعا : النار . قال : ولا أعرف لها فعلا ، فأما آنست فإنما حظ المفعول منها مؤنسة ; وقال ابن سيده : ابن أحمر
كما تطاير عن مأنوسة الشرر
قال : ولم نسمع به إلا في شعر الأصمعي . ابن أحمر : الأنيسة والمأنوسة النار ، ويقال لها السكن لأن الإنسان إذا آنسها ليلا أنس بها وسكن إليها وزالت عنه الوحشة ، وإن كان بالأرض القفر . ابن الأعرابي أبو عمرو : يقال للديك الشقر والأنيس والنزي . والأنيس : المؤانس وكل ما يؤنس به . وما بالدار أنيس أي أحد ; وقول : الكميت
فيهن آنسة الحديث حيية ليست بفاحشة ولا متفال
أي تأنس حديثك ولم يرد أنها تؤنسك لأنه لو أراد ذلك لقال مؤنسة . وأنس وأنيس : اسمان . وأنس : اسم ماء لبني العجلان ; قال ابن مقبل :
قالت سليمى ببطن القاع من أنس لا خير في العيش بعد الشيب والكبر !
ويونس ويونس ويونس ، ثلاث لغات : اسم رجل ، وحكي فيه الهمز أيضا والله أعلم .