أنن : أن الرجل من الوجع يئن أنينا ، قال : ذو الرمة
يشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما أن المريض إلى عواده الوصب
والأنان ، بالضم : مثل الأنين ; وقال المغيرة بن حبناء يخاطب أخاه صخرا :
أراك جمعت مسألة وحرصا وعند الفقر زحارا أنانا
وذكر السيرافي أن أنانا هنا مثل خفاف وليس بمصدر فيكون مثل زحار في كونه صفة ، قال : والصفتان هنا واقعتان موقع المصدر ، قال : وكذلك التأنان ; قال :
إنا وجدنا طرد الهوامل خيرا من التأنان والمسائل
وعدة العام وعام قابل ملقوحة في بطن ناب حائل
ملقوحة : منصوبة بالعدة ، وهي بمعنى ملقحة ، والمعنى أنها عدة لا تصح لأن بطن الحائل لا يكون فيه سقب ملقحة . : أن يئن أنا وأنينا وأنانا وأنة تأوه . التهذيب : أن الرجل يئن أنينا وأنت يأنت أنيتا نأت ينئت نئيتا بمعنى واحد . ورجل أنان وأنان وأننة : كثير الأنين ، وقيل : الأننة الكثير الكلام والبث والشكوى ، ولا يشتق منه فعل ، وإذا أمرت قلت : إينن لأن الهمزتين إذا التقتا فسكنت الأخيرة اجتمعوا على تليينها ، فأما في الأمر الثاني فإنه إذا سكنت الهمزة بقي النون مع الهمزة وذهبت الهمزة الأولى . ويقال للمرأة : إني ، كما يقال للرجل اقرر ، وللمرأة قري ، وامرأة أنانة كذلك . وفي بعض وصايا العرب : لا تتخذها حنانة ولا منانة ولا أنانة ، وما له حانة ولا آنة أي ما له ناقة ولا شاة ، وقيل : الحانة الناقة ، والآنة الأمة تئن من التعب . وأنت القوس تئن أنينا : ألانت صوتها ومدته ; حكاه ابن سيده أبو حنيفة ; وأنشد قول رؤبة :
تئن حين تجذب المخطوما أنين عبرى أسلمت حميما
والأنن : طائر يضرب إلى السواد ، له طوق كهيئة طوق الدبسي ، أحمر الرجلين والمنقار ، وقيل : هو الورشان ، وقيل : هو مثل الحمام إلا أنه أسود ، وصوته أنين : أوه أوه . وإنه لمئنة أن يفعل ذلك أي خليق ، وقيل : مخلقة من ذلك ، وكذلك الاثنان ، والجمع والمؤنث ، وقد يجوز أن يكون مئنة فعلة ، فعلى هذا ثلاثي . وأتاه على مئنة ذلك أي حينه وربانه . وفي حديث : إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل أي بيان منه . ابن مسعود أبو زيد : إنه لمئنة أن يفعل ذلك ، وأنتما وإنهن لمئنة أن تفعلوا ذلك ، بمعنى إنه لخليق أن يفعل ذلك ; قال الشاعر :
ومنزل من هوى جمل نزلت به مئنة من مراصيد المئنات
به تجاوزت عن أولى وكائده إني كذلك ركاب الحشيات
أول حكاية أبو عمرو : الأنة والمئنة والعدقة والشوزب واحد ; وقال دكين :
يسقي على دراجة خروس معصوبة بين ركايا شوس
[ ص: 178 ] مئنة من قلت النفوس
يقال : مكان من هلاك النفوس ، وقوله مكان من هلاك النفوس ، تفسير لمئنة قال : وكل ذلك على أنه بمنزلة مظنة ، والخروس : البكرة التي ليست بصافية الصوت ، والجروس ، بالجيم : التي لها صوت . قال أبو عبيد : قال سألني الأصمعي شعبة عن مئنة فقلت : هو كقولك علامة وخليق ; قال أبو زيد : هو كقولك مخلقة ومجدرة ; قال أبو عبيد : يعني أن هذا مما يعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه ، قال : وكل شيء دلك على شيء فهو مئنة له ; وأنشد للمرار :
فتهامسوا سرا فقالوا : عرسوا من غير تمئنة لغير معرس
قال أبو منصور : والذي رواه أبو عبيد عن الأصمعي وأبي زيد في تفسير المئنة صحيح ، وأما احتجاجه برأيه ببيت المرار في التمئنة للمئنة فهو غلط وسهو ، لأن الميم في التمئنة أصلية ، وهي في مئنة مفعلة ليست بأصلية ، وسيأتي تفسير ذلك في ترجمة مأن . اللحياني : هو مئنة أن يفعل ذلك ، ومظنة أن يفعل ذلك ; وأنشد :
إن اكتحالا بالنقي الأملج ونظرا في الحاجب المزجج
مئنة من الفعال الأعوج
فكأن مئنة ، عند اللحياني ، مبدل الهمزة فيها من الظاء في المظنة ، لأنه ذكر حروفا تعاقب فيها الظاء الهمزة ، منها قولهم : بيت حسن الأهرة والظهرة . وقد أفر وظفر أي وثب . وأن الماء يؤنه أنا إذا صبه . وفي كلام الأوائل : أن ماء ثم أغله أي صبه وأغله ; حكاه ; قال : وكان ابن دريد يرويه أز ماء ويزعم أن أن تصحيف . قال ابن الكلبي الخليل فيما روى عنه الليث : إن الثقيلة تكون منصوبة الألف ، وتكون مكسورة الألف ، وهي التي تنصب الأسماء ، قال : وإذا كانت مبتدأة ليس قبلها شيء يعتمد عليه ، أو كانت مستأنفة بعد كلام قديم ومضى ، أو جاءت بعدها لام مؤكدة يعتمد عليها كسرت الألف ، وفيما سوى ذلك تنصب الألف . وقال الفراء في إن : إذا جاءت بعد القول وما تصرف من القول وكانت حكاية لم يقع عليها القول وما تصرف منه فهي مكسورة ، وإن كانت تفسيرا للقول نصبتها ، وذلك مثل قول الله - عز وجل - : ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا ; وكذلك المعنى استئناف ، كأنه قال : يا محمد إن العزة جميعا ، وكذلك : وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، كسرتها لأنها بعد القول على الحكاية ، قال : وأما قوله - تعالى - : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ، فإنك فتحت الألف لأنها مفسرة لما ، وما قد وقع عليها القول فنصبها وموضعها نصب ، ومثله في الكلام : قد قلت لك كلاما حسنا أن أباك شريف وأنك عاقل ، فتحت أن لأنها فسرت الكلام ، والكلام منصوب ، ولو أردت تكرير القول عليها كسرتها ، قال : وقد تكون إن بعد القول مفتوحة إذا كان القول يرافعها ، من ذلك أن تقول : قول عبد الله مذ اليوم أن الناس خارجون ، كما تقول : قولك مذ اليوم كلام لا يفهم . وقال الليث : إذا وقعت إن على الأسماء والصفات فهي مشددة ، وإذا وقعت على فعل أو حرف لا يتمكن في صفة أو تصريف فخففها ، تقول : بلغني أن قد كان كذا وكذا ، تخفف من أجل كان لأنها فعل ، ولولا قد لم تحسن على حال من الفعل حتى تعتمد على ما أو على الهاء ، كقولك إنما كان زيد غائبا ، وبلغني أنه كان أخو بكر غنيا ، قال : وكذلك بلغني أنه كان كذا وكذا ، تشددها إذا اعتمدت ، ومن ذلك قولك : إن رب رجل ، فتخفف ، فإذا اعتمدت قلت : إنه رب رجل شددت ، وهي مع الصفات مشددة : إن لك وإن فيها وإن بك وأشباهها ، قال : وللعرب لغتان في إن المشددة : إحداهما التثقيل ، والأخرى التخفيف ، فأما من خفف فإنه يرفع بها إلا أن ناسا من أهل الحجاز يخففون وينصبون على توهم الثقيلة ، وقرئ : ( وإن كلا لما ليوفينهم ) ، خففوا ونصبوا ; وأنشد الفراء في تخفيفها مع المضمر :
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني فراقك لم أبخل وأنت صديق
وأنشد القول الآخر :
لقد علم الضيف والمرملو ن إذا اغبر أفق وهبت شمالا
بأنك ربيع وغيث مريع وقدما هناك تكون الثمالا
قال أبو عبيد : قال في قوله - عز وجل - : الكسائي وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ، كسرت إن لمكان اللام التي استقبلتها في قوله لفي ، وكذلك كل ما جاءك من أن فكان قبله شيء يقع عليه فإنه منصوب ، إلا ما استقبله لام فإن اللام تكسره ، فإن كان قبل أن إلا فهي مكسورة على كل حال ، استقبلتها اللام أو لم تستقبلها ، كقوله - عز وجل - : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ; فهذه تكسر وإن لم تستقبلها لام ، وكذلك إذا كانت جوابا ليمين كقولك : والله إنه لقائم ، فإذا لم تأت باللام فهي نصب : والله أنك قائم ، قال : هكذا سمعته من العرب ، قال : والنحويون يكسرون ، وإن لم تستقبلها اللام . وقال أبو طالب النحوي فيما روى عنه المنذري : أهل البصرة غير وذويه يقولون : العرب تخفف أن الشديدة وتعملها ; وأنشدوا : سيبويه
ووجه مشرق النحر كأن ثدييه حقان
أراد كأن فخفف وأعمل ، قال : وقال الفراء لم نسمع العرب تخفف أن وتعملها إلا مع المكني لأنه لا يتبين فيه إعراب فأما في الظاهر فلا ، ولكن إذا خففوها رفعوا ، وأما من خفف ( وإن كلا لما ليوفينهم ) ، فإنهم نصبوا كلا ب " ليوفينهم " ، كأنه قال : وإن ليوفينهم كلا ، قال : ولو رفعت كل لصلح ذلك ، تقول : إن زيد لقائم . : إن حرف تأكيد . وقوله - عز وجل - : ابن سيده إن هذان لساحران ، أخبر أبو علي أن أبا إسحاق ذهب فيه إلى " أن " إن هنا بمعنى نعم ، وهذان مرفوع بالابتداء ، [ ص: 179 ] وأن اللام في لساحران داخلة على غير ضرورة ، وأن تقديره نعم هذان هما ساحران ، وحكي عن أبي إسحاق أنه قال : هذا هو الذي عندي فيه ، والله أعلم . قال : وقد بين ابن سيده أبو علي فساد ذلك فغنينا نحن عن إيضاحه هنا . وفي التهذيب : وأما قول الله - عز وجل - : إن هذان لساحران ، فإن أبا إسحاق النحوي استقصى ما قال فيه النحويون فحكيت كلامه . قال : قرأ المدنيون والكوفيون إلا عاصما : إن هذان لساحران ، وروي عن عاصم أنه قرأ : إن هذان ، بتخفيف إن ، وروي عن الخليل : إن هذان لساحران ، قال : وقرأ أبو عمرو إن هذين لساحران ، بتشديد إن ونصب هذين ، قال أبو إسحاق : والحجة في إن هذان لساحران ، بالتشديد والرفع ، أن أبا عبيدة روى عن أبي الخطاب أنه لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : رأيت الزيدان ، وروى أهل الكوفة والكسائي : أنها لغة والفراء لبني الحارث بن كعب ، قال : وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ، المعنى : إنه هذان لساحران ، قال : وقال بعضهم إن في معنى نعم ; كما تقدم ; وأنشدوا لابن قيس الرقيات :
بكرت علي عواذلي يلحينني وألومهنه
ويقلن : شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
أي إنه قد كان كما تقلن ; قال أبو عبيد : وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد علم معناه ; وقال الفراء في هذا : إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوها على حالها في الرفع والنصب والجر ، كما فعلوا في الذين فقالوا الذي ، في الرفع والنصب والجر ، قال : فهذا جميع ما قال النحويون في الآية ; قال أبو إسحاق : وأجودها عندي أن إن وقعت موقع نعم ، وأن اللام وقعت موقعها ، وأن المعنى نعم هذان لهما ساحران ، قال : والذي يلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة وبلحارث ابن كعب ، فأما قراءة أبي عمرو فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف ، قال : وأستحسن قراءة عاصم والخليل : إن هذان لساحران . وقال غيره : العرب تجعل الكلام مختصرا ما بعده على إنه ، والمراد إنه لكذلك ، وإنه على ما تقول ، قال : وأما قول الأخفش إنه بمعنى نعم ، فإنما يراد تأويله ليس أنه موضوع في اللغة لذلك ، قال : وهذه الهاء أدخلت للسكوت . وفي حديث فضالة بن شريك : أنه لقي ابن الزبير فقال : إن ناقتي قد نقب خفها فاحملني ، فقال : ارقعها بجلد واخصفها بهلب وسر بها البردين ، فقال فضالة : إنما أتيتك مستحملا لا مستوصفا ، لا حمل الله ناقة حملتني إليك ! فقال ابن الزبير : إن وراكبها أي نعم مع راكبها . وفي حديث لقيط بن عامر : ويقول ربك - عز وجل - : ( وإنه ) ، أي وإنه كذلك ، أو إنه على ما تقول ، وقيل : إن بمعنى نعم والهاء للوقف ، فأما قوله - عز وجل - : إنا كل شيء خلقناه بقدر ، إنا نحن نحيي ونميت ، ونحو ذلك فأصله إننا ، ولكن حذفت إحدى النونين من إن تخفيفا ، وينبغي أن تكون الثانية منهما لأنها طرف ، وهي أضعف ، ومن العرب من يبدل همزتها هاء مع اللام كما أبدلوها في هرقت ، فتقول : لهنك لرجل صدق ، قال : وليس كل العرب تتكلم بها ; قال الشاعر : سيبويه
ألا يا سنا برق على قنن الحمى لهنك من برق علي كريم
وحكى : هنك وواهنك ، وذلك على البدل أيضا . التهذيب : في إنما : قال النحويون أصلها ما منعت إن من العمل ، ومعنى إنما إثبات لما يذكر بعدها ونفي لما سواه ، كقوله : ابن الأعرابي
وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
المعنى : ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو من هو مثلي ، وأن كإن في التأكيد ، إلا أنها تقع موقع الأسماء ولا تبدل همزتها هاء ، ولذلك قال : وليس أن كإن ، إن كالفعل ، وأن كالاسم ولا تدخل اللام مع المفتوحة ، فأما قراءة سيبويه : ( إلا أنهم ليأكلون الطعام ) ، بالفتح ، فإن اللام زائدة كزيادتها في قوله : سعيد بن جبير
لهنك في الدنيا لباقية العمر
الجوهري : إن وأن حرفان ينصبان الأسماء ويرفعان الأخبار ; فالمكسورة منهما يؤكد بها الخبر ، والمفتوحة وما بعدها في تأويل المصدر ، وقد يخففان ، فإذا خففتا فإن شئت أعملت وإن شئت لم تعمل ، وقد تزاد على أن كاف التشبيه ، تقول : كأنه شمس ، وقد تخفف أيضا فلا تعمل شيئا ; قال :
كأن وريداه رشاءا خلب
ويروى : كأن وريديه ; وقال آخر :
ووجه مشرق النحر كأن ثدياه حقان
ويروى ثدييه ، على الإعمال ، وكذلك إذا حذفتها ، فإن شئت نصبت ، وإن شئت رفعت ; قال طرفة :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ؟
يروى بالنصب على الإعمال ، والرفع أجود . قال الله - تعالى - : قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ; قال النحويون : كأن أصلها أن أدخل عليها كاف التشبيه ، وهي حرف تشبيه ، والعرب تنصب به الاسم ، وترفع خبره ، قال : قد تكون كأن بمعنى الجحد كقولك : كأنك أميرنا فتأمرنا ، معناه لست أميرنا ، قال : وكأن أخرى بمعنى التمني كقولك : كأنك بي قد قلت الشعر فأجيده ، معناه ليتني قد قلت الشعر فأجيده ، ولذلك نصب فأجيده ، وقيل : تجيء كأن بمعنى العلم والظن كقولك كأن الله يفعل ما يشاء ، وكأنك خارج ; وقال الكسائي أبو سعيد : سمعت العرب تنشد هذا البيت :
ويوم توافينا بوجه مقسم كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم
وكأن ظبية وكأن ظبية ، فمن نصب أراد كأن ظبية فخفف وأعمل ، ومن خفض أراد كظبية ، ومن رفع أراد كأنها ظبية فخفف وأعمل مع إضمار الكناية ; الجرار عن أنه أنشد : ابن الأعرابي
[ ص: 180 ]
كأما يحتطبن على قتاد ويستضحكن عن حب الغمام
قال : يريد كأنما فقال كأما ، والله أعلم . وإني وإنني بمعنى ، وكذلك كأني وكأنني ، ولكني ولكنني لأنه كثر استعمالهم لهذه الحروف ، وهم قد يستثقلون التضعيف فحذفوا النون التي تلي الياء ، وكذلك لعلي ولعلني لأن اللام قريبة من النون ; وإن زدت على إن ما صار للتعيين كقوله - تعالى - : إنما الصدقات للفقراء ، لأنه يوجب إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه . وأن قد تكون مع الفعل المستقبل في معنى مصدر فتنصبه ، تقول : أريد أن تقوم ، والمعنى أريد قيامك ، فإن دخلت على فعل ماض كانت معه بمعنى مصدر قد وقع ، إلا أنها لا تعمل تقول : أعجبني أن قمت والمعنى أعجبني قيامك الذي مضى ، وأن قد تكون مخففة عن المشددة فلا تعمل ، تقول : بلغني أن زيد خارج ; وفي التنزيل العزيز : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها ; قال : قوله فلا تعمل يريد في اللفظ ، وأما في التقدير فهي عاملة ، واسمها مقدر في النية تقديره : أنه تلكم الجنة . ابن بري : ولا أفعل كذا ما أن في السماء نجما ; حكاه ابن سيده يعقوب ولا أعرف ما وجه فتح أن ، إلا أن يكون على توهم الفعل كأنه قال : ما ثبت أن في السماء نجما ، أو ما وجد أن في السماء نجما . وحكى اللحياني : ما أن ذلك الجبل مكانه ، وما أن حراء مكانه ، ولم يفسره ، وقال في موضع آخر : وقالوا لا أفعله ما أن في السماء نجم ، وما عن في السماء نجم أي ما عرض ، وما أن في الفرات قطرة أي ما كان في الفرات قطرة ، قال : وقد ينصب ، ولا أفعله ما أن في السماء سماء ، قال اللحياني : ما كان وإنما فسره على المعنى . وكأن : حرف تشبيه إنما هو أن دخلت عليها الكاف ; قال : إن سأل سائل فقال : ما وجه دخول الكاف هاهنا وكيف أصل وضعها وترتيبها ؟ فالجواب أن أصل قولنا كأن زيدا عمرو إنما هو إن زيدا كعمرو ، فالكاف هنا تشبيه صريح ، وهي متعلقة بمحذوف ، فكأنك قلت : إن زيدا كائن كعمرو ، وإنهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي عليه عقدوا الجملة ، فأزالوا الكاف من وسط الجملة ، وقدموها إلى أولها لإفراط عنايتهم بالتشبيه ، فلما أدخلوها على إن من قبلها وجب فتح إن ، لأن المكسورة لا يتقدمها حرف الجر ولا تقع إلا أولا أبدا ، وبقي معنى التشبيه الذي كان فيها ، وهي متوسطة بحاله فيها ، وهي متقدمة ، وذلك قولهم : كأن زيدا عمرو ، إلا أن الكاف الآن لما تقدمت بطل أن تكون معلقة بفعل ولا بشيء في معنى الفعل ، لأنها فارقت الموضع الذي يمكن أن تتعلق فيه بمحذوف ، وتقدمت إلى أول الجملة ، وزالت عن الموضع الذي كانت فيه متعلقة بخبر إن المحذوف ، فزال ما كان لها من التعلق بمعاني الأفعال ، وليست هنا زائدة لأن معنى التشبيه موجود فيها ، وإن كانت قد تقدمت وأزيلت عن مكانها ، وإذا كانت غير زائدة فقد بقي النظر في أن التي دخلت عليها هل هي مجرورة بها أو غير مجرورة ; قال ابن جني : فأقوى الأمرين عليها عندي أن تكون أن في قولك : كأنك زيد مجرورة بالكاف ، وإن قلت إن الكاف في كأن الآن ليست متعلقة بفعل فليس ذلك بمانع من الجر فيها ، ألا ترى أن الكاف في قوله - تعالى - : ابن سيده ليس كمثله شيء ، ليست متعلقة بفعل ، وهي مع ذلك جارة ؟ ويؤكد عندك أيضا هنا أنها جارة فتحهم الهمزة بعدها كما يفتحونها بعد العوامل الجارة وغيرها ، وذلك قولهم : عجبت من أنك قائم ، وأظن أنك منطلق ، وبلغني أنك كريم ، فكما فتحت أن لوقوعها بعد العوامل قبلها موقع الأسماء كذلك فتحت أيضا في كأنك قائم ، لأن قبلها عاملا قد جرها ; وأما قول الراجز :
فباد حتى لكأن لم يسكن فاليوم أبكي ومتى لم يبكني
فإنه أكد الحرف باللام ; وقوله :
كأن دريئة لما التقينا لنصل السيف مجتمع الصداع
أعمل معنى التشبيه في كأن في الظرف الزماني الذي هو لما التقينا ، وجاز ذلك في كأن لما فيها من معنى التشبيه ، وقد تخفف أن ويرفع ما بعدها ; قال الشاعر :
أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام وأن لا تعلما أحدا
قال : سألت ابن جني أبا علي - رحمه الله تعالى - لم رفع تقرآن ؟ فقال : أراد النون الثقيلة أي أنكما تقرآن ; قال أبو علي : وأولى أن المخففة من الثقيلة الفعل بلا عوض ضرورة ; قال : وهذا على كل حال وإن كان فيه بعض الصنعة فهو أسهل مما ارتكبه الكوفيون ; قال : وقرأت على محمد بن الحسن عن في تفسير أن تقرآن ; قال : شبه أن بما ; فلم يعملها في صلتها ; وهذا مذهب أحمد بن يحيى البغداديين ; قال : وفي هذا بعد ; وذلك أن لا تقع إذا وصلت حالا أبدا ; إنما هي للمضي أو الاستقبال نحو سرني أن قام ; ويسرني أن تقوم ; ولا تقول سرني أن يقوم ، وهو في حال قيام ; وما إذا وصلت بالفعل وكانت مصدرا فهي للحال أبدا نحو قولك : ما تقوم حسن أي قيامك الذي أنت عليه حسن ; فيبعد تشبيه واحدة منهما بالأخرى ; ووقوع كل واحدة منهما موقع صاحبتها ; ومن العرب من ينصب بها مخففة ; وتكون أن في موضع أجل . غيره : وأن المفتوحة قد تكون بمعنى لعل ; وحكى : إئت السوق أنك تشتري لنا سويقا أي لعلك ، وعليه وجه قوله - تعالى - : سيبويه وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ; إذ لو كانت مفتوحة عنها لكان ذلك عذرا لهم ، قال الفارسي : فسألت عنها أبا بكر أوان القراءة فقال : هو كقول الإنسان إن فلانا يقرأ فلا يفهم ، فتقول أنت : وما يدريك أنه لا يفهم . وفي قراءة أبي : لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ; قال : وقال ابن بري حطائط بن يعفر ، ويقال هو لدريد :
أريني جوادا مات هزلا لأنني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
، وقال الجوهري : أنشده أبو زيد لحاتم قال : وهو الصحيح قال : وقد وجدته في شعر معن بن أوس المزني ، قال : عدي بن زيد
[ ص: 181 ]
أعاذل ، ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد ؟
أي لعل منيتي ; ويروى بيت جرير :
هل انتم عائجون بنا لأنا نرى العرصات أو أثر الخيام
قال : ويدلك على صحة ما ذكرت في أن في بيت عدي قوله - سبحانه - : وما يدريك لعله يزكى ، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا . وقال : وتبدل من همزة أن مفتوحة عينا فتقول : علمت عنك منطلق . وقوله في الحديث : قال ابن سيده المهاجرون يا رسول الله ، إن الأنصار قد فضلونا ، إنهم آوونا وفعلوا بنا وفعلوا ، فقال : تعرفون ذلك لهم ؟ قالوا : نعم ، قال : فإن ذلك ; قال ابن الأثير : هكذا جاء مقطوع الخبر ومعناه إن اعترافكم بصنيعهم مكافأة منكم لهم ; ومنه حديثه الآخر : من أزلت إليه نعمة فليكافئ بها فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا ، فإن ذلك ; ومنه الحديث : أنه قال في سياق كلام وصفه به : لابن عمر ، قال : وهذا وأمثاله من اختصاراتهم البليغة وكلامهم الفصيح . وأنى : كلمة معناها كيف وأين . التهذيب : وأما إن الخفيفة فإن إن عبد الله ، إن عبد الله المنذري روى عن ابن الزيدي عن أبي زيد أنه قال : إن تقع في موضع من القرآن موضع ما ، ضرب قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ; معناه : ما من أهل الكتاب ، ومثله : لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ، أي ما كنا فاعلين ، قال : وتجيء إن في موضع لقد ، ضرب قوله - تعالى - : إن كان وعد ربنا لمفعولا ; المعنى : لقد كان من غير شك من القوم ، ومثله : وإن كادوا ليفتنونك ، وإن كادوا ليستفزونك ; وتجيء إن بمعنى إذ ، ضرب قوله : اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، المعنى إذ كنتم مؤمنين ، وكذلك قوله - تعالى - : فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ، معناه إذ كنتم ، قال : وأن بفتح الألف وتخفيف النون قد تكون في موضع إذ أيضا ، وإن بخفض الألف تكون موضع إذا ، من ذلك قوله - عز وجل - : لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا ; من خفضها جعلها في موضع إذا ومن فتحها جعلها في موضع إذ على الواجب ; ومنه قوله - تعالى - : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ، من خفضها جعلها في موضع إذا ، ومن نصبها ففي إذ . في قوله - تعالى - : ابن الأعرابي فذكر إن نفعت الذكرى ; قال : إن في معنى قد ، قال أبو العباس : العرب تقول إن قام زيد بمعنى قد قام زيد ; قال : وقال سمعتهم يقولونه فظننته شرطا ، فسألتهم فقالوا : نريد قد قام زيد ولا نريد ما قام زيد . قال الكسائي الفراء : إن الخفيفة أم الجزاء ، والعرب تجازي بحروف الاستفهام كلها وتجزم بها الفعلين الشرط والجزاء إلا الألف وهل ، فإنهما يرفعان ما يليهما . وسئل ثعلب : إذا قال الرجل لامرأته : إن دخلت الدار إن كلمت أخاك فأنت طالق ، متى تطلق ؟ فقال : إذا فعلتهما جميعا ، قيل له : لم ؟ قال : لأنه قد جاء بشرطين ، قيل له : فإن قال لها أنت طالق إن احمر البسر ؟ فقال : هذه مسألة محال لأن البسر لا بد من أن يحمر ، قيل له : فإن قال أنت طالق إذا احمر البسر ؟ قال : هذا شرط صحيح تطلق إذا احمر البسر ، قال الأزهري : وقال فيما أثبت لنا عنه : إن قال الرجل لامرأته أنت طالق إن لم أطلقك لم يحنث حتى يعلم أنه لا يطلقها بموته أو بموتها ، قال : وهو قول الشافعي الكوفيين ، ولو قال إذا لم أطلقك ومتى ما لم أطلقك فأنت طالق ، فسكت مدة يمكنه فيها الطلاق ، طلقت ; قال : إن بمعنى ما في النفي ، ويوصل بها ما زائدة ; قال ابن سيده زهير :
ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم تخالج الأمر إن الأمر مشترك
قال : وقد تزاد إن بعد ما الظرفية ، كقول ابن بري المعلوط بن بذل القريعي أنشده : سيبويه
ورج الفتى للخير ، ما إن رأيته على السن خيرا لا يزال يزيد
، وقال : إنما دخلت إن على ما ، وإن كانت ما هاهنا مصدرية لشبهها لفظا بما النافية التي تؤكد بأن ، وشبه اللفظ بينهما يصير ما المصدرية إلى أنها كأنها ما التي معناها النفي ، ألا ترى أنك لو لم تجذب إحداهما إلى أنها كأنها بمعنى الأخرى لم يجز لك إلحاق إن بها ؟ قال ابن سيده : وقولهم افعل كذا وكذا إما لا ، ألزموها ما عوضا ، وهذا أحرى إذ كانوا يقولون آثرا ما ، فيلزمون ما ، شبهوها بما يلزم من النونات في لأفعلن ، واللام في إن كان ليفعل ، وإن كان ليس مثله ، وإنما هو شاذ ، ويكون الشرط نحو إن فعلت فعلت . وفي حديث بيع الثمر : سيبويه ; قال إما لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاحه ابن الأثير : هذه كلمة ترد في المحاورات كثيرا ، وقد جاءت في غير موضع من الحديث ، وأصلها إن وما ولا ، فأدغمت النون في الميم ، وما زائدة في اللفظ لا حكم لها ، وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة ، والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء ، وهي خطأ ، ومعناها إن لم تفعل هذا فليكن هذا . وأما إن المكسورة فهو حرف الجزاء ، يوقع الثاني من أجل وقوع الأول كقولك : إن تأتني آتك ، وإن جئتني أكرمتك ، وتكون بمعنى ما في النفي كقوله - تعالى - : إن الكافرون إلا في غرور ; وربما جمع بينهما للتأكيد ، كما قال الأغلب العجلي :
ما إن رأينا ملكا أغارا أكثر منه قرة وقارا
قال : إن هنا زائدة وليس نفيا كما ذكر ، قال : وقد تكون في جواب القسم ، تقول : والله إن فعلت أي ما فعلت ، قال : وأن قد تكون بمعنى أي كقوله - تعالى - : ابن بري وانطلق الملأ منهم أن امشوا ; قال : وأن قد تكون صلة للما كقوله - تعالى - : فلما أن جاء البشير ; وقد تكون زائدة كقوله - تعالى - : وما لهم ألا يعذبهم الله ، يريد وما لهم لا يعذبهم ، قال : قول ابن بري الجوهري إنها تكون صلة للما ، وقد تكون زائدة ، قال : هذا كلام مكرر لأن الصلة هي الزائدة ، ولو كانت زائدة في الآية لم تنصب الفعل ، قال : وقد تكون زائدة مع ما كقولك : ما إن يقوم زيد ، وقد تكون مخففة من المشددة فهذه لا بد [ ص: 182 ] من أن يدخل اللام في خبرها عوضا مما حذف من التشديد كقوله - تعالى - : إن كل نفس لما عليها حافظ ; وإن زيد لأخوك ، لئلا يلتبس بإن التي بمعنى ما للنفي . قال : اللام هنا دخلت فرقا بين النفي والإيجاب ، وإن هذه لا يكون لها اسم ولا خبر ، فقوله : دخلت اللام في خبرها لا معنى له ، وقد تدخل هذه اللام مع المفعول في نحو إن ضربت لزيدا ، ومع الفاعل في قولك إن قام لزيد ، وحكى ابن بري عن ابن جني قطرب أن طيئا تقول : هن فعلت فعلت يريدون إن ، فيبدلون ، وتكون زائدة مع النافية . وحكى ثعلب : أعطه إن شاء أي إذا شاء ، ولا تعطه إن شاء ، معناه إذا شاء فلا تعطه . وأن تنصب الأفعال المضارعة ما لم تكن في معنى أن ، قال : وقولهم أما أنت منطلقا انطلقت معك إنما هي أن ضمت إليها ما ، وهي ما للتوكيد ، ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل ، كما كانت الهاء والألف عوضا في الزنادقة واليماني من الياء ; فأما قول الشاعر : سيبويه
تعرضت لي بمكان حل تعرض المهرة في الطول
تعرضا لم تأل عن قتلا لي
فإنه أراد لم تأل أن قتلا أي أن قتلتني ، فأبدل العين مكان الهمزة ، وهذه عنعنة تميم ، وهي مذكورة في موضعها ، ويجوز أن يكون أراد الحكاية كأنه حكى النصب الذي كان معتادا في قولها في بابه ، أي كانت تقول قتلا قتلا أي أنا أقتله قتلا ، ثم حكى ما كانت تلفظ به ; وقوله :
إني زعيم يا نوي قة إن نجوت من الرزاح
أن تهبطين بلاد قو م يرتعون من الطلاح
قال ثعلب : قال الفراء هذه أن الدائرة يليها الماضي والدائم فتبطل عنهما ، فلما وليها المستقبل بطلت عنه كما بطلت عن الماضي والدائم ، وتكون زائدة مع لما التي بمعنى حين ، وتكون بمعنى أي نحو قوله : وانطلق الملأ منهم أن امشوا ; قال بعضهم : لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي ليعبر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبل ، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليفسر به ما قبلها ، فبحسب ذلك امتنع الوقوف عليها ، ورأيت في بعض نسخ المحكم : وأن نصف اسم تمامه تفعل ، وحكى ثعلب أيضا : أعطه إلا أن يشاء أي لا تعطه إذا شاء ، ولا تعطه إلا أن يشاء ، معناه إذا شاء فأعطه ، وفي حديث ركوب الهدي : ، أي وإن كانت بدنة . التهذيب : للعرب في أنا لغات ، وأجودها أنك إذا وقفت عليها قلت أنا بوزن عنا ، وإذا مضيت عليها قلت أن فعلت ذلك بوزن عن فعلت ، تحرك النون في الوصل ، وهي ساكنة من مثله في الأسماء غير المتمكنة مثل من وكم إذا تحرك ما قبلها ، ومن العرب من يقول أنا فعلت ذلك فيثبت الألف في الوصل ولا ينون ، ومنهم من يسكن النون ، وهي قليلة ، فيقول : أن قلت ذلك ، قال له اركبها ، قال : إنها بدنة ، فكرر عليه القول فقال : اركبها وإن وقضاعة تمد الألف الأولى آن قلته ; قال عدي :
يا ليت شعري آن ذو عجة متى أرى شربا حوالي أصيص ؟
، وقال العديل فيمن يثبت الألف :
أنا عدل الطعان لمن بغاني أنا العدل المبين فاعرفوني !
وأنا لا تثنية له من لفظه إلا بنحن ، ويصلح نحن في التثنية والجمع ، فإن قيل : لم ثنوا أنت فقالوا أنتما ولم يثنوا أنا ؟ فقيل : لما لم تجز أنا وأنا لرجل آخر لم يثنوا ، وأما أنت فثنوه بأنتما لأنك تجيز أن تقول لرجل أنت وأنت لآخر معه ، فلذلك ثني ، وأما إني فتثنيته إنا ، وكان في الأصل إننا فكثرت النونات فحذفت إحداها ، ، وقيل إنا ، وقوله - عز وجل - : وإنا أو إياكم الآية المعنى إننا أو إنكم ، فعطف إياكم على الاسم في قوله إنا على النون والألف كما تقول إني وإياك ، معناه إني وإنك ، فافهمه ; قال :
إنا اقتسمنا خطتينا بعدكم فحملت برة واحتملت فجار
إنا تثنية إني في البيت . قال الجوهري : وأما قولهم أنا فهو اسم مكني ، وهو للمتكلم وحده ، وإنما يبنى على الفتح فرقا بينه وبين أن التي هي حرف ناصب للفعل ، والألف الأخيرة إنما هي لبيان الحركة في الوقف ، فإن وسطت سقطت إلا في لغة رديئة كما قال :
أنا سيف العشيرة فاعرفوني جميعا قد تذريت السناما
واعلم أنه قد يوصل بها تاء الخطاب فيصيران كالشيء الواحد من غير أن تكون مضافة إليه ، تقول : أنت ، وتكسر للمؤنث ، وأنتم وأنتن ، وقد تدخل عليه كاف التشبيه فتقول : أنت كأنا وأنا كأنت ; حكي ذلك عن العرب ، وكاف التشبيه لا تتصل بالمضمر ، وإنما تتصل بالمظهر ، تقول : أنت كزيد ، ولا تقول : أنت كي ، إلا أن الضمير المنفصل عندهم كان بمنزلة المظهر ، فلذلك حسن وفارق المتصل . قال : وأن اسم المتكلم ، فإذا وقفت ألحقت ألفا للسكوت ، مروي عن ابن سيده قطرب أنه قال : في أن خمس لغات : أن فعلت ، وأنا فعلت ، وآن فعلت ، وأن فعلت ، وأنه فعلت ; حكى ذلك عنه ; قال : وفيه ضعف كما ترى ; قال ابن جني : يجوز الهاء في أنه بدلا من الألف في أنا لأن أكثر الاستعمال إنما هو أنا بالألف والهاء قبله ، فهي بدل من الألف ، ويجوز أن تكون الهاء ألحقت لبيان الحركة كما ألحقت الألف ، ولا تكون بدلا منها بل قائمة بنفسها كالتي في كتابيه وحسابيه ، ورأيت في نسخة من المحكم عن الألف التي تلحق في أنا للسكوت : وقد تحذف ، وإثباتها أحسن . وأنت : ضمير المخاطب ، الاسم أن والتاء علامة المخاطب ، والأنثى أنت ، وتقول في التثنية أنتما ، قال ابن جني : وليس بتثنية أنت إذ لو كان تثنيته لوجب أن تقول في أنت أنتان ، إنما هو اسم مصوغ يدل على التثنية كما صيغ هذان وهاتان وكما من ضربتكما ، وهما يدل على التثنية ، وهو غير [ ص: 183 ] مثنى على حد زيد وزيدان . ويقال : رجل أننة قننة أي بليغ . ابن سيده