الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أنن ]

                                                          أنن : أن الرجل من الوجع يئن أنينا ، قال ذو الرمة :

                                                          يشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما أن المريض إلى عواده الوصب

                                                          والأنان ، بالضم : مثل الأنين ; وقال المغيرة بن حبناء يخاطب أخاه صخرا :


                                                          أراك جمعت مسألة وحرصا وعند الفقر زحارا أنانا



                                                          وذكر السيرافي أن أنانا هنا مثل خفاف وليس بمصدر فيكون مثل زحار في كونه صفة ، قال : والصفتان هنا واقعتان موقع المصدر ، قال : وكذلك التأنان ; قال :


                                                          إنا وجدنا طرد الهوامل     خيرا من التأنان والمسائل
                                                          وعدة العام وعام قابل     ملقوحة في بطن ناب حائل



                                                          ملقوحة : منصوبة بالعدة ، وهي بمعنى ملقحة ، والمعنى أنها عدة لا تصح لأن بطن الحائل لا يكون فيه سقب ملقحة . ابن سيده : أن يئن أنا وأنينا وأنانا وأنة تأوه . التهذيب : أن الرجل يئن أنينا وأنت يأنت أنيتا نأت ينئت نئيتا بمعنى واحد . ورجل أنان وأنان وأننة : كثير الأنين ، وقيل : الأننة الكثير الكلام والبث والشكوى ، ولا يشتق منه فعل ، وإذا أمرت قلت : إينن لأن الهمزتين إذا التقتا فسكنت الأخيرة اجتمعوا على تليينها ، فأما في الأمر الثاني فإنه إذا سكنت الهمزة بقي النون مع الهمزة وذهبت الهمزة الأولى . ويقال للمرأة : إني ، كما يقال للرجل اقرر ، وللمرأة قري ، وامرأة أنانة كذلك . وفي بعض وصايا العرب : لا تتخذها حنانة ولا منانة ولا أنانة ، وما له حانة ولا آنة أي ما له ناقة ولا شاة ، وقيل : الحانة الناقة ، والآنة الأمة تئن من التعب . وأنت القوس تئن أنينا : ألانت صوتها ومدته ; حكاه أبو حنيفة ; وأنشد قول رؤبة :


                                                          تئن حين تجذب المخطوما     أنين عبرى أسلمت حميما



                                                          والأنن : طائر يضرب إلى السواد ، له طوق كهيئة طوق الدبسي ، أحمر الرجلين والمنقار ، وقيل : هو الورشان ، وقيل : هو مثل الحمام إلا أنه أسود ، وصوته أنين : أوه أوه . وإنه لمئنة أن يفعل ذلك أي خليق ، وقيل : مخلقة من ذلك ، وكذلك الاثنان ، والجمع والمؤنث ، وقد يجوز أن يكون مئنة فعلة ، فعلى هذا ثلاثي . وأتاه على مئنة ذلك أي حينه وربانه . وفي حديث ابن مسعود : إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل أي بيان منه . أبو زيد : إنه لمئنة أن يفعل ذلك ، وأنتما وإنهن لمئنة أن تفعلوا ذلك ، بمعنى إنه لخليق أن يفعل ذلك ; قال الشاعر :


                                                          ومنزل من هوى جمل نزلت به     مئنة من مراصيد المئنات
                                                          به تجاوزت عن أولى وكائده     إني كذلك ركاب الحشيات



                                                          أول حكاية أبو عمرو : الأنة والمئنة والعدقة والشوزب واحد ; وقال دكين :


                                                          يسقي على دراجة خروس     معصوبة بين ركايا شوس
                                                          [ ص: 178 ] مئنة من قلت النفوس



                                                          يقال : مكان من هلاك النفوس ، وقوله مكان من هلاك النفوس ، تفسير لمئنة قال : وكل ذلك على أنه بمنزلة مظنة ، والخروس : البكرة التي ليست بصافية الصوت ، والجروس ، بالجيم : التي لها صوت . قال أبو عبيد : قال الأصمعي سألني شعبة عن مئنة فقلت : هو كقولك علامة وخليق ; قال أبو زيد : هو كقولك مخلقة ومجدرة ; قال أبو عبيد : يعني أن هذا مما يعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه ، قال : وكل شيء دلك على شيء فهو مئنة له ; وأنشد للمرار :

                                                          فتهامسوا سرا فقالوا : عرسوا من غير تمئنة لغير معرس

                                                          قال أبو منصور : والذي رواه أبو عبيد عن الأصمعي وأبي زيد في تفسير المئنة صحيح ، وأما احتجاجه برأيه ببيت المرار في التمئنة للمئنة فهو غلط وسهو ، لأن الميم في التمئنة أصلية ، وهي في مئنة مفعلة ليست بأصلية ، وسيأتي تفسير ذلك في ترجمة مأن . اللحياني : هو مئنة أن يفعل ذلك ، ومظنة أن يفعل ذلك ; وأنشد :


                                                          إن اكتحالا بالنقي الأملج     ونظرا في الحاجب المزجج
                                                          مئنة من الفعال الأعوج



                                                          فكأن مئنة ، عند اللحياني ، مبدل الهمزة فيها من الظاء في المظنة ، لأنه ذكر حروفا تعاقب فيها الظاء الهمزة ، منها قولهم : بيت حسن الأهرة والظهرة . وقد أفر وظفر أي وثب . وأن الماء يؤنه أنا إذا صبه . وفي كلام الأوائل : أن ماء ثم أغله أي صبه وأغله ; حكاه ابن دريد ; قال : وكان ابن الكلبي يرويه أز ماء ويزعم أن أن تصحيف . قال الخليل فيما روى عنه الليث : إن الثقيلة تكون منصوبة الألف ، وتكون مكسورة الألف ، وهي التي تنصب الأسماء ، قال : وإذا كانت مبتدأة ليس قبلها شيء يعتمد عليه ، أو كانت مستأنفة بعد كلام قديم ومضى ، أو جاءت بعدها لام مؤكدة يعتمد عليها كسرت الألف ، وفيما سوى ذلك تنصب الألف . وقال الفراء في إن : إذا جاءت بعد القول وما تصرف من القول وكانت حكاية لم يقع عليها القول وما تصرف منه فهي مكسورة ، وإن كانت تفسيرا للقول نصبتها ، وذلك مثل قول الله - عز وجل - : ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا ; وكذلك المعنى استئناف ، كأنه قال : يا محمد إن العزة جميعا ، وكذلك : وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، كسرتها لأنها بعد القول على الحكاية ، قال : وأما قوله - تعالى - : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ، فإنك فتحت الألف لأنها مفسرة لما ، وما قد وقع عليها القول فنصبها وموضعها نصب ، ومثله في الكلام : قد قلت لك كلاما حسنا أن أباك شريف وأنك عاقل ، فتحت أن لأنها فسرت الكلام ، والكلام منصوب ، ولو أردت تكرير القول عليها كسرتها ، قال : وقد تكون إن بعد القول مفتوحة إذا كان القول يرافعها ، من ذلك أن تقول : قول عبد الله مذ اليوم أن الناس خارجون ، كما تقول : قولك مذ اليوم كلام لا يفهم . وقال الليث : إذا وقعت إن على الأسماء والصفات فهي مشددة ، وإذا وقعت على فعل أو حرف لا يتمكن في صفة أو تصريف فخففها ، تقول : بلغني أن قد كان كذا وكذا ، تخفف من أجل كان لأنها فعل ، ولولا قد لم تحسن على حال من الفعل حتى تعتمد على ما أو على الهاء ، كقولك إنما كان زيد غائبا ، وبلغني أنه كان أخو بكر غنيا ، قال : وكذلك بلغني أنه كان كذا وكذا ، تشددها إذا اعتمدت ، ومن ذلك قولك : إن رب رجل ، فتخفف ، فإذا اعتمدت قلت : إنه رب رجل شددت ، وهي مع الصفات مشددة : إن لك وإن فيها وإن بك وأشباهها ، قال : وللعرب لغتان في إن المشددة : إحداهما التثقيل ، والأخرى التخفيف ، فأما من خفف فإنه يرفع بها إلا أن ناسا من أهل الحجاز يخففون وينصبون على توهم الثقيلة ، وقرئ : ( وإن كلا لما ليوفينهم ) ، خففوا ونصبوا ; وأنشد الفراء في تخفيفها مع المضمر :


                                                          فلو أنك في يوم الرخاء سألتني     فراقك لم أبخل وأنت صديق



                                                          وأنشد القول الآخر :


                                                          لقد علم الضيف والمرملو     ن إذا اغبر أفق وهبت شمالا
                                                          بأنك ربيع وغيث مريع     وقدما هناك تكون الثمالا



                                                          قال أبو عبيد : قال الكسائي في قوله - عز وجل - : وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ، كسرت إن لمكان اللام التي استقبلتها في قوله لفي ، وكذلك كل ما جاءك من أن فكان قبله شيء يقع عليه فإنه منصوب ، إلا ما استقبله لام فإن اللام تكسره ، فإن كان قبل أن إلا فهي مكسورة على كل حال ، استقبلتها اللام أو لم تستقبلها ، كقوله - عز وجل - : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ; فهذه تكسر وإن لم تستقبلها لام ، وكذلك إذا كانت جوابا ليمين كقولك : والله إنه لقائم ، فإذا لم تأت باللام فهي نصب : والله أنك قائم ، قال : هكذا سمعته من العرب ، قال : والنحويون يكسرون ، وإن لم تستقبلها اللام . وقال أبو طالب النحوي فيما روى عنه المنذري : أهل البصرة غير سيبويه وذويه يقولون : العرب تخفف أن الشديدة وتعملها ; وأنشدوا :


                                                          ووجه مشرق النحر     كأن ثدييه حقان



                                                          أراد كأن فخفف وأعمل ، قال : وقال الفراء لم نسمع العرب تخفف أن وتعملها إلا مع المكني لأنه لا يتبين فيه إعراب فأما في الظاهر فلا ، ولكن إذا خففوها رفعوا ، وأما من خفف ( وإن كلا لما ليوفينهم ) ، فإنهم نصبوا كلا ب " ليوفينهم " ، كأنه قال : وإن ليوفينهم كلا ، قال : ولو رفعت كل لصلح ذلك ، تقول : إن زيد لقائم . ابن سيده : إن حرف تأكيد . وقوله - عز وجل - : إن هذان لساحران ، أخبر أبو علي أن أبا إسحاق ذهب فيه إلى " أن " إن هنا بمعنى نعم ، وهذان مرفوع بالابتداء ، [ ص: 179 ] وأن اللام في لساحران داخلة على غير ضرورة ، وأن تقديره نعم هذان هما ساحران ، وحكي عن أبي إسحاق أنه قال : هذا هو الذي عندي فيه ، والله أعلم . قال ابن سيده : وقد بين أبو علي فساد ذلك فغنينا نحن عن إيضاحه هنا . وفي التهذيب : وأما قول الله - عز وجل - : إن هذان لساحران ، فإن أبا إسحاق النحوي استقصى ما قال فيه النحويون فحكيت كلامه . قال : قرأ المدنيون والكوفيون إلا عاصما : إن هذان لساحران ، وروي عن عاصم أنه قرأ : إن هذان ، بتخفيف إن ، وروي عن الخليل : إن هذان لساحران ، قال : وقرأ أبو عمرو إن هذين لساحران ، بتشديد إن ونصب هذين ، قال أبو إسحاق : والحجة في إن هذان لساحران ، بالتشديد والرفع ، أن أبا عبيدة روى عن أبي الخطاب أنه لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : رأيت الزيدان ، وروى أهل الكوفة والكسائي والفراء : أنها لغة لبني الحارث بن كعب ، قال : وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ، المعنى : إنه هذان لساحران ، قال : وقال بعضهم إن في معنى نعم ; كما تقدم ; وأنشدوا لابن قيس الرقيات :


                                                          بكرت علي عواذلي     يلحينني وألومهنه
                                                          ويقلن : شيب قد علا     ك وقد كبرت فقلت إنه



                                                          أي إنه قد كان كما تقلن ; قال أبو عبيد : وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد علم معناه ; وقال الفراء في هذا : إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوها على حالها في الرفع والنصب والجر ، كما فعلوا في الذين فقالوا الذي ، في الرفع والنصب والجر ، قال : فهذا جميع ما قال النحويون في الآية ; قال أبو إسحاق : وأجودها عندي أن إن وقعت موقع نعم ، وأن اللام وقعت موقعها ، وأن المعنى نعم هذان لهما ساحران ، قال : والذي يلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة وبلحارث ابن كعب ، فأما قراءة أبي عمرو فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف ، قال : وأستحسن قراءة عاصم والخليل : إن هذان لساحران . وقال غيره : العرب تجعل الكلام مختصرا ما بعده على إنه ، والمراد إنه لكذلك ، وإنه على ما تقول ، قال : وأما قول الأخفش إنه بمعنى نعم ، فإنما يراد تأويله ليس أنه موضوع في اللغة لذلك ، قال : وهذه الهاء أدخلت للسكوت . وفي حديث فضالة بن شريك : أنه لقي ابن الزبير فقال : إن ناقتي قد نقب خفها فاحملني ، فقال : ارقعها بجلد واخصفها بهلب وسر بها البردين ، فقال فضالة : إنما أتيتك مستحملا لا مستوصفا ، لا حمل الله ناقة حملتني إليك ! فقال ابن الزبير : إن وراكبها أي نعم مع راكبها . وفي حديث لقيط بن عامر : ويقول ربك - عز وجل - : ( وإنه ) ، أي وإنه كذلك ، أو إنه على ما تقول ، وقيل : إن بمعنى نعم والهاء للوقف ، فأما قوله - عز وجل - : إنا كل شيء خلقناه بقدر ، إنا نحن نحيي ونميت ، ونحو ذلك فأصله إننا ، ولكن حذفت إحدى النونين من إن تخفيفا ، وينبغي أن تكون الثانية منهما لأنها طرف ، وهي أضعف ، ومن العرب من يبدل همزتها هاء مع اللام كما أبدلوها في هرقت ، فتقول : لهنك لرجل صدق ، قال سيبويه : وليس كل العرب تتكلم بها ; قال الشاعر :


                                                          ألا يا سنا برق على قنن الحمى     لهنك من برق علي كريم



                                                          وحكى ابن الأعرابي : هنك وواهنك ، وذلك على البدل أيضا . التهذيب : في إنما : قال النحويون أصلها ما منعت إن من العمل ، ومعنى إنما إثبات لما يذكر بعدها ونفي لما سواه ، كقوله :


                                                          وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي



                                                          المعنى : ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو من هو مثلي ، وأن كإن في التأكيد ، إلا أنها تقع موقع الأسماء ولا تبدل همزتها هاء ، ولذلك قال سيبويه : وليس أن كإن ، إن كالفعل ، وأن كالاسم ولا تدخل اللام مع المفتوحة ، فأما قراءة سعيد بن جبير : ( إلا أنهم ليأكلون الطعام ) ، بالفتح ، فإن اللام زائدة كزيادتها في قوله :


                                                          لهنك في الدنيا لباقية العمر



                                                          الجوهري : إن وأن حرفان ينصبان الأسماء ويرفعان الأخبار ; فالمكسورة منهما يؤكد بها الخبر ، والمفتوحة وما بعدها في تأويل المصدر ، وقد يخففان ، فإذا خففتا فإن شئت أعملت وإن شئت لم تعمل ، وقد تزاد على أن كاف التشبيه ، تقول : كأنه شمس ، وقد تخفف أيضا فلا تعمل شيئا ; قال :


                                                          كأن وريداه رشاءا خلب



                                                          ويروى : كأن وريديه ; وقال آخر :


                                                          ووجه مشرق النحر     كأن ثدياه حقان



                                                          ويروى ثدييه ، على الإعمال ، وكذلك إذا حذفتها ، فإن شئت نصبت ، وإن شئت رفعت ; قال طرفة :


                                                          ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى     وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ؟



                                                          يروى بالنصب على الإعمال ، والرفع أجود . قال الله - تعالى - : قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ; قال النحويون : كأن أصلها أن أدخل عليها كاف التشبيه ، وهي حرف تشبيه ، والعرب تنصب به الاسم ، وترفع خبره ، قال الكسائي : قد تكون كأن بمعنى الجحد كقولك : كأنك أميرنا فتأمرنا ، معناه لست أميرنا ، قال : وكأن أخرى بمعنى التمني كقولك : كأنك بي قد قلت الشعر فأجيده ، معناه ليتني قد قلت الشعر فأجيده ، ولذلك نصب فأجيده ، وقيل : تجيء كأن بمعنى العلم والظن كقولك كأن الله يفعل ما يشاء ، وكأنك خارج ; وقال أبو سعيد : سمعت العرب تنشد هذا البيت :


                                                          ويوم توافينا بوجه مقسم     كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم



                                                          وكأن ظبية وكأن ظبية ، فمن نصب أراد كأن ظبية فخفف وأعمل ، ومن خفض أراد كظبية ، ومن رفع أراد كأنها ظبية فخفف وأعمل مع إضمار الكناية ; الجرار عن ابن الأعرابي أنه أنشد :

                                                          [ ص: 180 ]

                                                          كأما يحتطبن على قتاد     ويستضحكن عن حب الغمام



                                                          قال : يريد كأنما فقال كأما ، والله أعلم . وإني وإنني بمعنى ، وكذلك كأني وكأنني ، ولكني ولكنني لأنه كثر استعمالهم لهذه الحروف ، وهم قد يستثقلون التضعيف فحذفوا النون التي تلي الياء ، وكذلك لعلي ولعلني لأن اللام قريبة من النون ; وإن زدت على إن ما صار للتعيين كقوله - تعالى - : إنما الصدقات للفقراء ، لأنه يوجب إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه . وأن قد تكون مع الفعل المستقبل في معنى مصدر فتنصبه ، تقول : أريد أن تقوم ، والمعنى أريد قيامك ، فإن دخلت على فعل ماض كانت معه بمعنى مصدر قد وقع ، إلا أنها لا تعمل تقول : أعجبني أن قمت والمعنى أعجبني قيامك الذي مضى ، وأن قد تكون مخففة عن المشددة فلا تعمل ، تقول : بلغني أن زيد خارج ; وفي التنزيل العزيز : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها ; قال ابن بري : قوله فلا تعمل يريد في اللفظ ، وأما في التقدير فهي عاملة ، واسمها مقدر في النية تقديره : أنه تلكم الجنة . ابن سيده : ولا أفعل كذا ما أن في السماء نجما ; حكاه يعقوب ولا أعرف ما وجه فتح أن ، إلا أن يكون على توهم الفعل كأنه قال : ما ثبت أن في السماء نجما ، أو ما وجد أن في السماء نجما . وحكى اللحياني : ما أن ذلك الجبل مكانه ، وما أن حراء مكانه ، ولم يفسره ، وقال في موضع آخر : وقالوا لا أفعله ما أن في السماء نجم ، وما عن في السماء نجم أي ما عرض ، وما أن في الفرات قطرة أي ما كان في الفرات قطرة ، قال : وقد ينصب ، ولا أفعله ما أن في السماء سماء ، قال اللحياني : ما كان وإنما فسره على المعنى . وكأن : حرف تشبيه إنما هو أن دخلت عليها الكاف ; قال ابن جني : إن سأل سائل فقال : ما وجه دخول الكاف هاهنا وكيف أصل وضعها وترتيبها ؟ فالجواب أن أصل قولنا كأن زيدا عمرو إنما هو إن زيدا كعمرو ، فالكاف هنا تشبيه صريح ، وهي متعلقة بمحذوف ، فكأنك قلت : إن زيدا كائن كعمرو ، وإنهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي عليه عقدوا الجملة ، فأزالوا الكاف من وسط الجملة ، وقدموها إلى أولها لإفراط عنايتهم بالتشبيه ، فلما أدخلوها على إن من قبلها وجب فتح إن ، لأن المكسورة لا يتقدمها حرف الجر ولا تقع إلا أولا أبدا ، وبقي معنى التشبيه الذي كان فيها ، وهي متوسطة بحاله فيها ، وهي متقدمة ، وذلك قولهم : كأن زيدا عمرو ، إلا أن الكاف الآن لما تقدمت بطل أن تكون معلقة بفعل ولا بشيء في معنى الفعل ، لأنها فارقت الموضع الذي يمكن أن تتعلق فيه بمحذوف ، وتقدمت إلى أول الجملة ، وزالت عن الموضع الذي كانت فيه متعلقة بخبر إن المحذوف ، فزال ما كان لها من التعلق بمعاني الأفعال ، وليست هنا زائدة لأن معنى التشبيه موجود فيها ، وإن كانت قد تقدمت وأزيلت عن مكانها ، وإذا كانت غير زائدة فقد بقي النظر في أن التي دخلت عليها هل هي مجرورة بها أو غير مجرورة ; قال ابن سيده : فأقوى الأمرين عليها عندي أن تكون أن في قولك : كأنك زيد مجرورة بالكاف ، وإن قلت إن الكاف في كأن الآن ليست متعلقة بفعل فليس ذلك بمانع من الجر فيها ، ألا ترى أن الكاف في قوله - تعالى - : ليس كمثله شيء ، ليست متعلقة بفعل ، وهي مع ذلك جارة ؟ ويؤكد عندك أيضا هنا أنها جارة فتحهم الهمزة بعدها كما يفتحونها بعد العوامل الجارة وغيرها ، وذلك قولهم : عجبت من أنك قائم ، وأظن أنك منطلق ، وبلغني أنك كريم ، فكما فتحت أن لوقوعها بعد العوامل قبلها موقع الأسماء كذلك فتحت أيضا في كأنك قائم ، لأن قبلها عاملا قد جرها ; وأما قول الراجز :


                                                          فباد حتى لكأن لم يسكن     فاليوم أبكي ومتى لم يبكني



                                                          فإنه أكد الحرف باللام ; وقوله :


                                                          كأن دريئة لما التقينا     لنصل السيف مجتمع الصداع



                                                          أعمل معنى التشبيه في كأن في الظرف الزماني الذي هو لما التقينا ، وجاز ذلك في كأن لما فيها من معنى التشبيه ، وقد تخفف أن ويرفع ما بعدها ; قال الشاعر :


                                                          أن تقرآن على أسماء ويحكما     مني السلام وأن لا تعلما أحدا



                                                          قال ابن جني : سألت أبا علي - رحمه الله تعالى - لم رفع تقرآن ؟ فقال : أراد النون الثقيلة أي أنكما تقرآن ; قال أبو علي : وأولى أن المخففة من الثقيلة الفعل بلا عوض ضرورة ; قال : وهذا على كل حال وإن كان فيه بعض الصنعة فهو أسهل مما ارتكبه الكوفيون ; قال : وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى في تفسير أن تقرآن ; قال : شبه أن بما ; فلم يعملها في صلتها ; وهذا مذهب البغداديين ; قال : وفي هذا بعد ; وذلك أن لا تقع إذا وصلت حالا أبدا ; إنما هي للمضي أو الاستقبال نحو سرني أن قام ; ويسرني أن تقوم ; ولا تقول سرني أن يقوم ، وهو في حال قيام ; وما إذا وصلت بالفعل وكانت مصدرا فهي للحال أبدا نحو قولك : ما تقوم حسن أي قيامك الذي أنت عليه حسن ; فيبعد تشبيه واحدة منهما بالأخرى ; ووقوع كل واحدة منهما موقع صاحبتها ; ومن العرب من ينصب بها مخففة ; وتكون أن في موضع أجل . غيره : وأن المفتوحة قد تكون بمعنى لعل ; وحكى سيبويه : إئت السوق أنك تشتري لنا سويقا أي لعلك ، وعليه وجه قوله - تعالى - : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ; إذ لو كانت مفتوحة عنها لكان ذلك عذرا لهم ، قال الفارسي : فسألت عنها أبا بكر أوان القراءة فقال : هو كقول الإنسان إن فلانا يقرأ فلا يفهم ، فتقول أنت : وما يدريك أنه لا يفهم . وفي قراءة أبي : لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ; قال ابن بري : وقال حطائط بن يعفر ، ويقال هو لدريد :


                                                          أريني جوادا مات هزلا لأنني     أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا



                                                          ، وقال الجوهري : أنشده أبو زيد لحاتم قال : وهو الصحيح قال : وقد وجدته في شعر معن بن أوس المزني ، قال عدي بن زيد :

                                                          [ ص: 181 ]

                                                          أعاذل ، ما يدريك أن منيتي     إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد ؟



                                                          أي لعل منيتي ; ويروى بيت جرير :


                                                          هل انتم عائجون بنا لأنا     نرى العرصات أو أثر الخيام



                                                          قال : ويدلك على صحة ما ذكرت في أن في بيت عدي قوله - سبحانه - : وما يدريك لعله يزكى ، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا . وقال ابن سيده : وتبدل من همزة أن مفتوحة عينا فتقول : علمت عنك منطلق . وقوله في الحديث : قال المهاجرون يا رسول الله ، إن الأنصار قد فضلونا ، إنهم آوونا وفعلوا بنا وفعلوا ، فقال : تعرفون ذلك لهم ؟ قالوا : نعم ، قال : فإن ذلك ; قال ابن الأثير : هكذا جاء مقطوع الخبر ومعناه إن اعترافكم بصنيعهم مكافأة منكم لهم ; ومنه حديثه الآخر : من أزلت إليه نعمة فليكافئ بها فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا ، فإن ذلك ; ومنه الحديث : أنه قال لابن عمر في سياق كلام وصفه به : إن عبد الله ، إن عبد الله ، قال : وهذا وأمثاله من اختصاراتهم البليغة وكلامهم الفصيح . وأنى : كلمة معناها كيف وأين . التهذيب : وأما إن الخفيفة فإن المنذري روى عن ابن الزيدي عن أبي زيد أنه قال : إن تقع في موضع من القرآن موضع ما ، ضرب قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ; معناه : ما من أهل الكتاب ، ومثله : لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ، أي ما كنا فاعلين ، قال : وتجيء إن في موضع لقد ، ضرب قوله - تعالى - : إن كان وعد ربنا لمفعولا ; المعنى : لقد كان من غير شك من القوم ، ومثله : وإن كادوا ليفتنونك ، وإن كادوا ليستفزونك ; وتجيء إن بمعنى إذ ، ضرب قوله : اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، المعنى إذ كنتم مؤمنين ، وكذلك قوله - تعالى - : فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ، معناه إذ كنتم ، قال : وأن بفتح الألف وتخفيف النون قد تكون في موضع إذ أيضا ، وإن بخفض الألف تكون موضع إذا ، من ذلك قوله - عز وجل - : لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا ; من خفضها جعلها في موضع إذا ومن فتحها جعلها في موضع إذ على الواجب ; ومنه قوله - تعالى - : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ، من خفضها جعلها في موضع إذا ، ومن نصبها ففي إذ . ابن الأعرابي في قوله - تعالى - : فذكر إن نفعت الذكرى ; قال : إن في معنى قد ، قال أبو العباس : العرب تقول إن قام زيد بمعنى قد قام زيد ; قال : وقال الكسائي سمعتهم يقولونه فظننته شرطا ، فسألتهم فقالوا : نريد قد قام زيد ولا نريد ما قام زيد . قال الفراء : إن الخفيفة أم الجزاء ، والعرب تجازي بحروف الاستفهام كلها وتجزم بها الفعلين الشرط والجزاء إلا الألف وهل ، فإنهما يرفعان ما يليهما . وسئل ثعلب : إذا قال الرجل لامرأته : إن دخلت الدار إن كلمت أخاك فأنت طالق ، متى تطلق ؟ فقال : إذا فعلتهما جميعا ، قيل له : لم ؟ قال : لأنه قد جاء بشرطين ، قيل له : فإن قال لها أنت طالق إن احمر البسر ؟ فقال : هذه مسألة محال لأن البسر لا بد من أن يحمر ، قيل له : فإن قال أنت طالق إذا احمر البسر ؟ قال : هذا شرط صحيح تطلق إذا احمر البسر ، قال الأزهري : وقال الشافعي فيما أثبت لنا عنه : إن قال الرجل لامرأته أنت طالق إن لم أطلقك لم يحنث حتى يعلم أنه لا يطلقها بموته أو بموتها ، قال : وهو قول الكوفيين ، ولو قال إذا لم أطلقك ومتى ما لم أطلقك فأنت طالق ، فسكت مدة يمكنه فيها الطلاق ، طلقت ; قال ابن سيده : إن بمعنى ما في النفي ، ويوصل بها ما زائدة ; قال زهير :


                                                          ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم     تخالج الأمر إن الأمر مشترك



                                                          قال ابن بري : وقد تزاد إن بعد ما الظرفية ، كقول المعلوط بن بذل القريعي أنشده سيبويه :


                                                          ورج الفتى للخير ، ما إن رأيته     على السن خيرا لا يزال يزيد



                                                          ، وقال ابن سيده : إنما دخلت إن على ما ، وإن كانت ما هاهنا مصدرية لشبهها لفظا بما النافية التي تؤكد بأن ، وشبه اللفظ بينهما يصير ما المصدرية إلى أنها كأنها ما التي معناها النفي ، ألا ترى أنك لو لم تجذب إحداهما إلى أنها كأنها بمعنى الأخرى لم يجز لك إلحاق إن بها ؟ قال سيبويه : وقولهم افعل كذا وكذا إما لا ، ألزموها ما عوضا ، وهذا أحرى إذ كانوا يقولون آثرا ما ، فيلزمون ما ، شبهوها بما يلزم من النونات في لأفعلن ، واللام في إن كان ليفعل ، وإن كان ليس مثله ، وإنما هو شاذ ، ويكون الشرط نحو إن فعلت فعلت . وفي حديث بيع الثمر : إما لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاحه ; قال ابن الأثير : هذه كلمة ترد في المحاورات كثيرا ، وقد جاءت في غير موضع من الحديث ، وأصلها إن وما ولا ، فأدغمت النون في الميم ، وما زائدة في اللفظ لا حكم لها ، وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة ، والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء ، وهي خطأ ، ومعناها إن لم تفعل هذا فليكن هذا . وأما إن المكسورة فهو حرف الجزاء ، يوقع الثاني من أجل وقوع الأول كقولك : إن تأتني آتك ، وإن جئتني أكرمتك ، وتكون بمعنى ما في النفي كقوله - تعالى - : إن الكافرون إلا في غرور ; وربما جمع بينهما للتأكيد ، كما قال الأغلب العجلي :


                                                          ما إن رأينا ملكا أغارا     أكثر منه قرة وقارا



                                                          قال ابن بري : إن هنا زائدة وليس نفيا كما ذكر ، قال : وقد تكون في جواب القسم ، تقول : والله إن فعلت أي ما فعلت ، قال : وأن قد تكون بمعنى أي كقوله - تعالى - : وانطلق الملأ منهم أن امشوا ; قال : وأن قد تكون صلة للما كقوله - تعالى - : فلما أن جاء البشير ; وقد تكون زائدة كقوله - تعالى - : وما لهم ألا يعذبهم الله ، يريد وما لهم لا يعذبهم ، قال ابن بري : قول الجوهري إنها تكون صلة للما ، وقد تكون زائدة ، قال : هذا كلام مكرر لأن الصلة هي الزائدة ، ولو كانت زائدة في الآية لم تنصب الفعل ، قال : وقد تكون زائدة مع ما كقولك : ما إن يقوم زيد ، وقد تكون مخففة من المشددة فهذه لا بد [ ص: 182 ] من أن يدخل اللام في خبرها عوضا مما حذف من التشديد كقوله - تعالى - : إن كل نفس لما عليها حافظ ; وإن زيد لأخوك ، لئلا يلتبس بإن التي بمعنى ما للنفي . قال ابن بري : اللام هنا دخلت فرقا بين النفي والإيجاب ، وإن هذه لا يكون لها اسم ولا خبر ، فقوله : دخلت اللام في خبرها لا معنى له ، وقد تدخل هذه اللام مع المفعول في نحو إن ضربت لزيدا ، ومع الفاعل في قولك إن قام لزيد ، وحكى ابن جني عن قطرب أن طيئا تقول : هن فعلت فعلت يريدون إن ، فيبدلون ، وتكون زائدة مع النافية . وحكى ثعلب : أعطه إن شاء أي إذا شاء ، ولا تعطه إن شاء ، معناه إذا شاء فلا تعطه . وأن تنصب الأفعال المضارعة ما لم تكن في معنى أن ، قال سيبويه : وقولهم أما أنت منطلقا انطلقت معك إنما هي أن ضمت إليها ما ، وهي ما للتوكيد ، ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل ، كما كانت الهاء والألف عوضا في الزنادقة واليماني من الياء ; فأما قول الشاعر :


                                                          تعرضت لي بمكان حل     تعرض المهرة في الطول
                                                          تعرضا لم تأل عن قتلا لي



                                                          فإنه أراد لم تأل أن قتلا أي أن قتلتني ، فأبدل العين مكان الهمزة ، وهذه عنعنة تميم ، وهي مذكورة في موضعها ، ويجوز أن يكون أراد الحكاية كأنه حكى النصب الذي كان معتادا في قولها في بابه ، أي كانت تقول قتلا قتلا أي أنا أقتله قتلا ، ثم حكى ما كانت تلفظ به ; وقوله :


                                                          إني زعيم يا نوي     قة إن نجوت من الرزاح
                                                          أن تهبطين بلاد قو     م يرتعون من الطلاح



                                                          قال ثعلب : قال الفراء هذه أن الدائرة يليها الماضي والدائم فتبطل عنهما ، فلما وليها المستقبل بطلت عنه كما بطلت عن الماضي والدائم ، وتكون زائدة مع لما التي بمعنى حين ، وتكون بمعنى أي نحو قوله : وانطلق الملأ منهم أن امشوا ; قال بعضهم : لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي ليعبر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبل ، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليفسر به ما قبلها ، فبحسب ذلك امتنع الوقوف عليها ، ورأيت في بعض نسخ المحكم : وأن نصف اسم تمامه تفعل ، وحكى ثعلب أيضا : أعطه إلا أن يشاء أي لا تعطه إذا شاء ، ولا تعطه إلا أن يشاء ، معناه إذا شاء فأعطه ، وفي حديث ركوب الهدي : قال له اركبها ، قال : إنها بدنة ، فكرر عليه القول فقال : اركبها وإن ، أي وإن كانت بدنة . التهذيب : للعرب في أنا لغات ، وأجودها أنك إذا وقفت عليها قلت أنا بوزن عنا ، وإذا مضيت عليها قلت أن فعلت ذلك بوزن عن فعلت ، تحرك النون في الوصل ، وهي ساكنة من مثله في الأسماء غير المتمكنة مثل من وكم إذا تحرك ما قبلها ، ومن العرب من يقول أنا فعلت ذلك فيثبت الألف في الوصل ولا ينون ، ومنهم من يسكن النون ، وهي قليلة ، فيقول : أن قلت ذلك ، وقضاعة تمد الألف الأولى آن قلته ; قال عدي :


                                                          يا ليت شعري آن ذو عجة     متى أرى شربا حوالي أصيص ؟



                                                          ، وقال العديل فيمن يثبت الألف :


                                                          أنا عدل الطعان لمن بغاني     أنا العدل المبين فاعرفوني !



                                                          وأنا لا تثنية له من لفظه إلا بنحن ، ويصلح نحن في التثنية والجمع ، فإن قيل : لم ثنوا أنت فقالوا أنتما ولم يثنوا أنا ؟ فقيل : لما لم تجز أنا وأنا لرجل آخر لم يثنوا ، وأما أنت فثنوه بأنتما لأنك تجيز أن تقول لرجل أنت وأنت لآخر معه ، فلذلك ثني ، وأما إني فتثنيته إنا ، وكان في الأصل إننا فكثرت النونات فحذفت إحداها ، ، وقيل إنا ، وقوله - عز وجل - : وإنا أو إياكم الآية المعنى إننا أو إنكم ، فعطف إياكم على الاسم في قوله إنا على النون والألف كما تقول إني وإياك ، معناه إني وإنك ، فافهمه ; قال :


                                                          إنا اقتسمنا خطتينا بعدكم     فحملت برة واحتملت فجار



                                                          إنا تثنية إني في البيت . قال الجوهري : وأما قولهم أنا فهو اسم مكني ، وهو للمتكلم وحده ، وإنما يبنى على الفتح فرقا بينه وبين أن التي هي حرف ناصب للفعل ، والألف الأخيرة إنما هي لبيان الحركة في الوقف ، فإن وسطت سقطت إلا في لغة رديئة كما قال :


                                                          أنا سيف العشيرة فاعرفوني     جميعا قد تذريت السناما



                                                          واعلم أنه قد يوصل بها تاء الخطاب فيصيران كالشيء الواحد من غير أن تكون مضافة إليه ، تقول : أنت ، وتكسر للمؤنث ، وأنتم وأنتن ، وقد تدخل عليه كاف التشبيه فتقول : أنت كأنا وأنا كأنت ; حكي ذلك عن العرب ، وكاف التشبيه لا تتصل بالمضمر ، وإنما تتصل بالمظهر ، تقول : أنت كزيد ، ولا تقول : أنت كي ، إلا أن الضمير المنفصل عندهم كان بمنزلة المظهر ، فلذلك حسن وفارق المتصل . قال ابن سيده : وأن اسم المتكلم ، فإذا وقفت ألحقت ألفا للسكوت ، مروي عن قطرب أنه قال : في أن خمس لغات : أن فعلت ، وأنا فعلت ، وآن فعلت ، وأن فعلت ، وأنه فعلت ; حكى ذلك عنه ابن جني ; قال : وفيه ضعف كما ترى ; قال ابن جني : يجوز الهاء في أنه بدلا من الألف في أنا لأن أكثر الاستعمال إنما هو أنا بالألف والهاء قبله ، فهي بدل من الألف ، ويجوز أن تكون الهاء ألحقت لبيان الحركة كما ألحقت الألف ، ولا تكون بدلا منها بل قائمة بنفسها كالتي في كتابيه وحسابيه ، ورأيت في نسخة من المحكم عن الألف التي تلحق في أنا للسكوت : وقد تحذف ، وإثباتها أحسن . وأنت : ضمير المخاطب ، الاسم أن والتاء علامة المخاطب ، والأنثى أنت ، وتقول في التثنية أنتما ، قال ابن سيده : وليس بتثنية أنت إذ لو كان تثنيته لوجب أن تقول في أنت أنتان ، إنما هو اسم مصوغ يدل على التثنية كما صيغ هذان وهاتان وكما من ضربتكما ، وهما يدل على التثنية ، وهو غير [ ص: 183 ] مثنى على حد زيد وزيدان . ويقال : رجل أننة قننة أي بليغ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية