سفه : السفه والسفاه والسفاهة : خفة الحلم ، وقيل : نقيض الحلم ، وأصله الخفة والحركة ، وقيل : الجهل وهو قريب بعضه من بعض . وقد سفه حلمه ورأيه ونفسه سفها وسفاها وسفاهة : حمله على السفه . قال اللحياني : هذا هو الكلام العالي ، قال : وبعضهم يقول سفه ، وهي قليلة . وقولهم : سفه نفسه وغبن رأيه وبطر عيشه وألم بطنه ووفق أمره ورشد أمره ، كان الأصل سفهت نفس زيد ورشد أمره ، فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه ، لأنه صار في معنى سفه نفسه ، بالتشديد ; هذا قول البصريين ، ويجوز عندهم تقديم هذا المنصوب كما يجوز غلامه ضرب زيد . وقال والكسائي الفراء : لما حول الفعل من النفس إلى صاحبها خرج ما بعده مفسرا ليدل على أن السفه فيه ، وكان حكمه أن يكون سفه زيد نفسا ، لأن المفسر لا يكون إلا نكرة ، ولكنه ترك على إضافته ونصب كنصب النكرة تشبيها بها ، ولا يجوز عنده تقديمه لأن المفسر لا يتقدم ; ومثله قولهم : ضقت به ذرعا وطبت به نفسا ، والمعنى ضاق ذرعي به وطابت نفسي به . وفي التنزيل العزيز : إلا من سفه نفسه ; قال أبو منصور : اختلف النحويون في معنى سفه نفسه وانتصابه ، فقال الأخفش : أهل التأويل يزعمون أن المعنى سفه نفسه ; ومنه قوله إلا من سفه الحق معناه من سفه الحق ، وقال : أراها لغة ، ذهب يونس النحوي يونس إلى أن فعل للمبالغة كما أن فعل للمبالغة ، فذهب في هذا مذهب أهل التأويل ، ويجوز على هذا القول سفهت زيدا بمعنى سفهت زيدا ; وقال أبو عبيدة : معنى سفه نفسه أهلك نفسه وأوبقها ، وهذا غير خارج من مذهب يونس وأهل التأويل ; وقال الكسائي : إن نفسه منصوب على التفسير ، وقالا : التفسير في النكرات أكثر نحو طبت به نفسا وقررت به عينا ، وقالا : إن أصل الفعل كان لها ثم حول إلى الفاعل ; أراد أن قولهم طبت به نفسا معناه طابت نفسي به ، فلما حول الفعل إلى صاحب النفس خرجت النفس مفسرة ، وأنكر والفراء البصريون هذا القول ، وقالوا إن المفسرات نكرات ولا يجوز أن تجعل المعارف نكرات ، وقال بعض النحويين : إن قوله تعالى : إلا من سفه نفسه ; معناه إلا من سفه في نفسه أي صار سفيها ، إلا أن في حذفت كما حذفت حروف الجر في غير موضع ; قال الله تعالى : أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم ; والمعنى أن تسترضعوا لأولادكم ، فحذف حرف الجر من غير ظرف ; ومثله قوله :
نغالي اللحم للأضياف نيا ونبذله إذا نضج القدور
المعنى : نغالي باللحم . وقال : القول الجيد عندي في هذا أن سفه في موضع جهل ، والمعنى ، والله أعلم ، إلا من جهل نفسه أي لم يفكر في نفسه فوضع سفه في موضع جهل ، وعدي كما عدي ، قال : فهذا جميع ما قاله النحويون في هذه الآية ، قال : ومما يقوي قول الزجاج الحديث الثابت المرفوع حين سئل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن الكبر فقال : الزجاج ، فجعل سفه واقعا معناه أن تجهل الحق فلا تراه حقا ، والله أعلم . وقال : بعض أهل اللغة : أصل السفه الخفة ، ومعنى السفيه الخفيف العقل ، وقيل : أي سفهت نفسه أي صارت سفيهة ، ونصب ( نفسه ) على التفسير المحول . وفي الحديث : إنما البغي من سفه الحق أي من جهله ، وقيل : من جهل نفسه ، وفي الكلام محذوف تقديره إنما البغي فعل من سفه الحق . والسفه في الأصل : الخفة والطيش . ويقال : سفه فلان رأيه إذا جهله وكان رأيه مضطربا لا استقامة له . والسفيه : الجاهل . ورواه الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس : من سفه الحق ، على أنه اسم مضاف إلى الحق ، قال : وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل كان الأصل سفه على الحق ، والثاني أن يضمن معنى فعل متعد كجهل ، والمعنى [ ص: 204 ] الاستخفاف بالحق وألا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة . الزمخشري الأزهري : روى ثعلب عن أنه قال : الزافه السراب والسافه الأحمق . ابن الأعرابي : سفه علينا وسفه جهل ، فهو سفيه ، والجمع سفهاء وسفاه ، قال الله تعالى : ابن سيده كما آمن السفهاء ; أي الجهال . والسفيه : الجاهل ، والأنثى سفيهة ، والجمع سفيهات وسفائه وسفه وسفاه . وسفه الرجل : جعله سفيها . وسفهه : نسبه إلى السفه ، وسافهه مسافهة . يقال : سفيه لم يجد مسافها . وسفه الجهل حلمه : أطاشه وأخفه ; قال :ولا تسفه عند الورد عطشتها أحلامنا وشريب السوء يضطرم
فما به بطن واد غب نضحته وإن تراغب إلا مسفه تئق
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
وأبيض موشي القميص نصبته على ظهر مقلات سفيه جديلها
أحدو مطيات وقوما نعسا مسافهات معملا موعسا
بعثنا النواعج تحت الرحال تسافه أشداقها في اللجم
تسافه أشداقها باللغام فتكسو ذفاريها والجنوبا
فبت كأنني سافهت صرفا معتقة حمياها تدور