كون : الكون : الحدث ، وقد كان كونا وكينونة ; عن اللحياني وكراع ، والكينونة في مصدر كان يكون أحسن . قال الفراء : العرب تقول في ذوات الياء مما يشبه زغت وسرت : طرت طيرورة وحدت حيدودة فيما لا يحصى من هذا الضرب ، فأما ذوات الواو مثل قلت ورضت ، فإنهم لا يقولون ذلك ، وقد أتى عنهم في أربعة أحرف : منها الكينونة من كنت ، والديمومة من دمت ، والهيعوعة من الهواع ، والسيدودة من سدت ، وكان ينبغي أن يكون كونونة ، ولكنها لما قلت في مصادر الواو وكثرت في مصادر الياء ألحقوها بالذي هو أكثر مجيئا منها ، إذا كانت الواو والياء متقاربتي المخرج . قال : [ ص: 136 ] وكان الخليل يقول كينونة فيعولة هي في الأصل كيونونة ، التقت منها ياء وواو والأولى منهما ساكنة فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهين من هنت ، ثم خففوها فقالوا كينونة كما قالوا هين لين ، قال الفراء : وقد ذهب مذهبا إلا أن القول عندي هو الأول ; وقول الحسن بن عرفطة ، جاهلي :
لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفى بالسرر
إنما أراد : لم يكن الحق ، فحذف النون لالتقاء الساكنين ، وكان حكمه إذا وقعت النون موقعا تحرك فيه فتقوى بالحركة أن لا يحذفها لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللين ، إذ كن لا يكن إلا سواكن ، وحذف النون من يكن أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع ، لأن نون يكن أصل وهي لام الفعل ، والتنوين والنون زائدان ، فالحذف منهما أسهل منه في لام الفعل ، وحذف النون أيضا من يكن أقبح من حذف النون من قوله : غير الذي قد يقال ملكذب ، لأن أصله يكون قد حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين ، فإذا حذفت منه النون أيضا لالتقاء الساكنين أجحفت به لتوالي الحذفين ، لا سيما من وجه واحد ، قال : ولك أيضا أن تقول إن ( من ) حرف ، والحذف في الحرف ضعيف إلا مع التضعيف ، نحو إن ورب ، قال : هذا قول ، قال : وأرى أنا شيئا غير ذلك ، وهو أن يكون جاء بالحق بعدما حذف النون من يكن ، فصار يك مثل قوله عز وجل : ابن جني ولم يك شيئا فلما قدره يك ، جاء بالحق بعدما جاز الحذف في النون ، وهي ساكنة تخفيفا ، فبقي محذوفا بحاله فقال : لم يك الحق ، ولو قدره يكن فبقي محذوفا ، ثم جاء بالحق لوجب أن يكسر لالتقاء الساكنين فيقوى بالحركة ، فلا يجد سبيلا إلى حذفها إلا مستكرها ، فكان يجب أن يقول لم يكن الحق ، ومثله قول الخنجر بن صخر الأسدي :فإن لا تك المرآة أبدت وسامة فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
إذا لم تك الحاجات من همة الفتى فليس بمغن عنك عقد الرتائم
لم يك الحق سوى أن هاجه الكائنة
: الحادثة . وحكى : أنا أعرفك مذ كنت أي مذ خلقت ، والمعنيان متقاربان . سيبويه : التكون التحرك ، تقول العرب لمن تشنؤه : لا كان ولا تكون ; لا كان : لا خلق ، ولا تكون : لا تحرك أي مات . والكائنة : الأمر الحادث . وكونه فتكون : أحدثه فحدث . وفي الحديث : ابن الأعرابي ، وفي رواية : لا يتكون على صورتي . وكون الشيء : أحدثه . والله مكون الأشياء يخرجها من العدم إلى الوجود . وبات فلان بكينة سوء وبجيبة سوء أي بحالة سوء . والمكان : الموضع ، والجمع أمكنة وأماكن ، توهموا الميم أصلا حتى قالوا تمكن في المكان ، وهذا كما قالوا في تكسير المسيل أمسلة ، وقيل : الميم في المكان أصل كأنه من التمكن دون الكون ، وهذا يقويه ما ذكرناه من تكسيره على أفعلة ; وقد حكى من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتكونني في جمعه أمكن ، وهذا زائد في الدلالة على أن وزن الكلمة فعال دون مفعل ، فإن قلت فإن فعالا لا يكسر على أفعل إلا أن يكون مؤنثا كأتان وآتن . سيبويه الليث : المكان اشتقاقه من كان يكون ، ولكنه لما كثر في الكلام صارت الميم كأنها أصلية ، والمكان مذكر ، قيل : توهموا فيه طرح الزائد كأنهم كسروا مكنا وأمكن ، عند ، مما كسر على غير ما يكسر عليه مثله ، ومضيت مكانتي ومكينتي أي على طيتي . والاستكانة : الخضوع . سيبويه الجوهري : والمكانة المنزلة . وفلان مكين عند فلان بين المكانة . والمكانة الموضع . قال تعالى : ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم قال : ولما كثر لزوم الميم توهمت أصلية فقيل تمكن كما قالوا من المسكين تمسكن ، ذكر الجوهري ذلك في هذه الترجمة ، قال : مكين فعيل ومكان فعال ومكانة فعالة ليس شيء منها من الكون فهذا سهو ، وأمكنة أفعلة ، وأما تمسكن فهو تمفعل كتمدرع مشتقا من المدرعة بزيادته ، فعلى قياسه يجب في تمكن تمكون لأنه تمفعل على اشتقاقه لا تمكن ، وتمكن وزنه تفعل ، وهذا كله سهو وموضعه فصل الميم من باب النون ، وسنذكره هناك . وكان ويكون : من الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار ، كقولك كان زيد قائما ويكون عمرو ذاهبا ، والمصدر كونا وكيانا . قال ابن بري الأخفش في كتابه الموسوم بالقوافي : ويقولون أزيدا كنت له ; قال : ظاهره أنه محكي عن العرب لأن ابن جني الأخفش إنما يحتج بمسموع العرب لا بمقيس النحويين ، وإذا كان قد سمع عنهم أزيدا كنت له ، ففيه دلالة على جواز تقديم خبر كان عليها ، قال : وذلك أنه لا يفسر الفعل الناصب المضمر إلا بما لو حذف مفعوله لتسلط على الاسم الأول فنصبه ، ألا تراك تقول أزيدا ضربته ، ولو شئت لحذفت المفعول فتسلطت ضربت هذه الظاهرة على زيد نفسه فقلت أزيدا ضربت ، فعلى هذا قولهم أزيدا كنت له يجوز في قياسه أن تقول أزيدا كنت ، ومثل كان بالفعل المتعدي فقال : وتقول كناهم كما تقول ضربناهم ، وقال إذا لم تكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول إذا لم تضربهم فمن ذا يضربهم ، قال : وتقول هو كائن ومكون كما تقول ضارب ومضروب . غيره : وكان تدل على خبر ماض في وسط الكلام وآخره ، ولا تكون صلة في أوله لأن الصلة تابعة لا متبوعة ; وكان في معنى جاء كقول الشاعر : سيبويهإذا كان الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهرمه الشتاء
فدا لبني ذهل بن شيبان ناقتي إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري
عسى الأيام أن يرجع ن قوما كالذي كانوا
فلو كنت أدري أن ما كان كائن وأن جديد الوصل قد جد غابره
كم من ذوي خلة قبلي وقبلكم كانوا ، فأمسوا إلى الهجران قد صاروا
ثم أضحوا كأنهم لم يكونوا وملوكا كانوا وأهل علاء
ظننت بي الأمر الذي لو أتيته لما كان لي ، في الصالحين مقام
هجاؤك إلا أن ما كان قد مضى علي كأثواب الحرام المهينم
يا ليت ذا خبر عنهم يخبرنا بل ليت شعري ، ماذا بعدنا فعلوا ؟
كنا وكانوا فما ندري على وهم أنحن فيما لبثنا أم هم عجلوا ؟ أي نحن أبطأنا
فكيف إذا مررت بدار قوم وجيران لنا كانوا كرام
فلو كنت أدري أن ما كان كائن حذرتك أيام الفؤاد سليم
ولكن حسبت الصرم شيئا أطيقه إذا رمت أو حاولت أمر غريم
بلغا عني المنجم أني كافر بالذي قضته الكواكب
عالم إن ما يكون وما كا ن قضاء من المهيمن واجب
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
وكنا إذا الجبار صعر خده ضربناه تحت الأنثيين على الكرد
وكنت امرأ لا أسمع الدهر سبة أسب بها ، إلا كشفت غطاءها
بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن ، قد كانت فراخا بيوضها
فخر على الألاءة لم يوسد وقد كان الدماء له خمارا
بالله قولوا بأجمعكم : يا ليت ما كان لم يكن
وإني لآتيكم تشكر ما مضى من الأمر واستنجاز ما كان في غد
وكنت أرى كالموت من بين ساعة فكيف ببين كان ميعاده الحشرا
وانضخ جوانب قبره بدمائها ولقد يكون أخا دم وذبائح
ولقد يكون على الشباب بصيرا
قال : وقد يجيء خبر كان فعلا ماضيا كقول حميد الأرقط :وكنت خلت الشيب والتبدينا والهم مما يذهل القرينا
وكنا ورثناه على عهد تبع طويلا سواريه ، شديدا دعائمه
وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتجمجم
قد فارقت قرينها القرينه وشحطت عن دارها الظعينه
يا ليت أنا ضمنا سفينه حتى يعود الوصل كينونه
وما أنا كنتي ولا أنا عاجن وشر الرجال الكنتني وعاجن
فأصبحت كنتيا ، وأصبحت عاجنا وشر خصال المرء كنت وعاجن
إذا ما كنت ملتمسا لغوث فلا تصرخ بكنتي كبير
فليس بمدرك شيئا بسعي ولا سمع ، ولا نظر بصير
قد كنت كنتيا فأصبحت عاجنا وشر رجال الناس كنت وعاجن
فلا تصرخ بكنتي كبير
وقال : عدي بن زيدفاكتنت ، لا تك عبدا طائرا واحذر الأقتال منا والثؤر
مستضرع ما دنا منهن مكتنت للعظم مجتلم ما فوقه فنع
وما كنت كنتيا وما كنت عاجنا وشر الرجال الكنتني وعاجن
سراة بني أبي بكر تساموا على كان المسومة العراب
جادت بكفي كان من أرمى البشر
أي جادت بكفي من هو من أرمى البشرقال : والعرب تدخل كان في الكلام لغوا ، فتقول مر على كان زيد ، يريدون مر على زيد فأدخل كان لغوا ، وأما قول : الفرزدق
فكيف ولو مررت بدار قوم وجيران لنا كانوا كرام ؟
دع الخمر تشربها الغواة فإنني رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإن لا يكنها أو تكنه ، فإنه أخوها ، غذته أمه بلبانها