لا : الليث : لا حرف ينفى به ويجحد به ، وقد تجيء زائدة مع اليمين كقولك : لا أقسم بالله . قال أبو إسحاق في قول الله عز وجل : لا أقسم بيوم القيامة وأشكالها في القرآن : لا اختلاف بين الناس أن معناه أقسم بيوم القيامة ، واختلفوا في تفسير لا فقال بعضهم : لا لغو ، وإن كانت في أول السورة ، لأن القرآن كله كالسورة الواحدة لأنه متصل بعضه ببعض . وقال الفراء : لا رد لكلام تقدم كأنه قيل ليس الأمر كما ذكرتم . قال الفراء : وكان كثير من النحويين يقولون لا صلة ، قال : ولا يبتدأ بجحد ثم يجعل صلة يراد به الطرح ، لأن هذا لو جاز لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه ، ولكن القرآن العزيز نزل بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالرد عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ كقولك في الكلام : لا والله لا أفعل ذلك ، جعلوا لا ، وإن رأيتها مبتدأة ، ردا لكلام قد مضى . فلو ألغيت لا مما ينوى به الجواب لم يكن بين اليمين التي تكون جوابا واليمين التي تستأنف فرق . وقال الليث : العرب تطرح لا وهي منوية كقولك : والله أضربك ، تريد والله لا أضربك; وأنشد :
وآليت آسى على هالك وأسأل نائحة ما لها
. أراد : لا آسى ولا أسأل . قال أبو منصور : وأفادني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد في قول الله عز وجل : يبين الله لكم أن تضلوا قال : مخافة أن تضلوا وحذار أن تضلوا ، ولو كان يبين الله لكم أن لا تضلوا لكان صوابا . قال أبو منصور : وكذلك أن لا تضل وأن تضل بمعنى واحد . قال : ومما جاء في القرآن العزيز من هذا قوله عز وجل : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا يريد أن لا تزولا ، وكذلك قوله عز وجل : أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أي : أن لا تحبط . وقوله تعالى : أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا معناه : أن لا تقولوا ، قال : وقولك : أسألك بالله أن لا تقوله وأن تقوله ، فأما أن لا تقوله فجاءت لا لأنك لم ترد أن يقوله . وقولك : أسألك بالله أن تقوله سألتك هذا فيها معنى النهي ، ألا ترى أنك تقول في الكلام والله أقول ذلك أبدا ، والله لا أقول ذلك أبدا ؟ لا هاهنا طرحها وإدخالها سواء وذلك أن الكلام له إباء وإنعام ، فإذا كان من الكلام ما يجيء من باب الإنعام موافقا للإباء كان سواء وما لم يكن لم يكن . ألا ترى أنك تقول : آتيك غدا وأقوم معك فلا يكون إلا على معنى الإنعام ؟ فإذا قلت : والله أقول ذلك على معنى والله لا أقول ذلك صلح ، وذلك لأن الإنعام والله لأقولنه والله لأذهبن معك لا يكون والله أذهب معك وأنت تريد أن تفعل ، قال : واعلم أن لا لا تكون صلة إلا في معنى الإباء ولا تكون في معنى الإنعام . ( التهذيب ) : قال الفراء والعرب تجعل لا صلة إذا اتصلت بجحد قبلها; قال الشاعر :ما كان يرضى رسول الله دينهم والأطيبان أبو بكر ولا عمر
وقال في قوله تعالى : لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله قال العرب تقول : لا صلة في كل كلام دخل في أوله جحد أو في آخره جحد غير مصرح ، فهذا مما دخل آخره الجحد فجعلت لا في أوله صلة . قال : وأما الجحد السابق الذي لم يصرح به فقولك : ما منعك ألا تسجد ، وقوله : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون . وقوله عز وجل : وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون وفي الحرام معنى جحد ومنع ، وفي قوله : وما يشعركم مثله ، فلذلك جعلت لا بعده صلة معناها السقوط من الكلام . قال : وقد قال بعض من لا يعرف العربية ، قال : وأراه عرض ب أبي عبيدة ، إن معنى غير في قول الله عز وجل : غير المغضوب عليهم معنى سوى وإن لا صلة في الكلام; واحتج بقوله :
في بئر لا حور سرى وما شعر بإفكه ، حتى رأى الصبح جشر
في بئر لا حور سرى وما شعر
أراد : حؤور أي : رجوع ، المعنى أنه وقع في بئر هلكة لا رجوع فيها وما شعر بذلك كقولك : وقع في هلكة وما شعر بذلك ، قال : ويجيء لا بمعنى غير ; قال الله عز وجل : وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون ; في موضع نصب على الحال ، المعنى ما لكم غير متناصرين; قاله . وقال الزجاج أبو عبيد : أنشد الأصمعي لساعدة الهذلي : أفعنكلا برق كأن وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب
إذا ما أدلجت وضعت يداها لها الإدلاج ليله لا هجوع
لقد عرفت حين لا اعتراف
نفى بلا وتركه مجرورا; ومثله : أمسى ببلدة لا عم ولا خال وقال في قوله عز وجل : المبرد غير المغضوب عليهم ولا الضالين : إنما جاز أن تقع لا في قوله : ولا الضالين لأن معنى غير متضمن معنى النفي ، والنحويون يجيزون أنت زيدا غير ضارب لأنه في معنى قولك : أنت زيدا لا ضارب ، ولا يجيزون أنت زيدا مثل ضارب لأن زيدا من صلة ضارب فلا تتقدم عليه . قال : فجاءت لا تشدد من هذا النفي الذي تضمنه غير لأنها تقارب الداخلة ، ألا ترى أنك تقول : جاءني زيد وعمرو ، فيقول السامع : ما جاءك زيد وعمرو ؟ فجائز أن يكون جاءه أحدهما ، فإذا قال : ما جاءني زيد ولا عمرو فقد تبين أنه لم يأت واحد منهما . وقوله تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة يقارب ما ذكرناه وإن لم يكنه . غيره : لا حرف جحد وأصل ألفها ياء ، عند قطرب ، حكاية عن بعضهم أنه قال : لا أفعل ذلك فأمال لا . الجوهري : لا حرف نفي لقولك : يفعل ولم يقع الفعل ، إذا قال : هو يفعل غدا قلت لا يفعل غدا ، وقد يكون ضدا لبلى ونعم ، وقد يكون للنهي كقولك : لا تقم ولا يقم زيد ، ينهى به كل منهي من غائب وحاضر ، وقد يكون لغوا; قال العجاج : في بئر لا حور سرى وما شعر وفي التنزيل العزيز : ما منعك ألا تسجد أي : ما منعك أن تسجد ، وقد يكون حرف عطف لإخراج الثاني مما دخل فيه الأول كقولك : رأيت زيدا لا عمرا ، فإن أدخلت عليها الواو خرجت من أن تكون حرف عطف كقولك : لم يقم زيد ولا عمرو ، لأن حروف النسق لا يدخل بعضها على بعض ، فتكون الواو للعطف ولا إنما هي لتأكيد النفي . وقد تزاد فيها التاء فيقال : لات; قال أبو زبيد :طلبوا صلحنا ولات أوان
وإذا استقبلها الألف واللام ذهبت ألفه كما قال : أبى جوده لا البخل ، واستعجلت نعمبه من فتى ، لا يمنع الجوع قاتله
قال : وذكر يونس أن كان يجر البخل ويجعل لا مضافة إليه لأن لا قد تكون للجود والبخل . ألا ترى أنه لو قيل له : امنع الحق فقال : لا كان جودا منه ؟ فأما إن جعلتها لغوا نصبت البخل بالفعل وإن شئت نصبته على البدل . قال أبا عمرو بن العلاء أبو عمرو : أراد أبى جوده لا التي تبخل الإنسان كأنه إذا قيل له : لا تسرف ولا تبذر أبى جوده قول لا هذه ، واستعجلت نعم فقال : نعم أفعل ولا أترك الجود . قال : حكى ذلك الزجاج لأبي عمرو ثم قال : وفيه قولان آخران على رواية من روى : أبى جوده لا البخل : أحدهما : معناه : أبى جوده البخل وتجعل لا صلة كقوله تعالى : ما منعك ألا تسجد ومعناه : ما منعك أن تسجد ، قال : والقول الثاني : وهو حسن ، قال : أرى أن يكون لا غير لغو وأن يكون البخل منصوبا بدلا من لا ، المعنى : أبى جوده لا التي هي للبخل ، فكأنك قلت : أبى جوده البخل وعجلت به نعم . قال في معنى البيت : أي : لا يمنع الجوع الطعم الذي يقتله; قال : ومن خفض البخل فعلى الإضافة ، ومن نصب جعله نعتا للا ، ولا في البيت اسم ، وهو مفعول لأبى ، وإنما أضاف لا إلى البخل لأن لا قد تكون للجود كقول القائل : أتمنعني من عطائك ، فيقول المسؤول : لا ، ولا هنا جود . قال : وقوله : وإن شئت نصبته على البدل ، قال : يعني : البخل تنصبه على البدل من لا لأن لا هي البخل في المعنى ، فلا يكون لغوا على هذا القول . ابن بريلا التي تكون للتبرئة : النحويون يجعلون لها وجوها في نصب المفرد والمكرر وتنوين ما ينون وما لا ينون ، والاختيار عند جميعهم أن ينصب بها ما لا تعاد فيه كقوله عز وجل : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه أجمع القراء على نصبه . وقال ابن بزرج : لا صلاة لا ركوع فيها ، جاء بالتبرئة مرتين ، وإذا أعدت لا كقوله : لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فأنت بالخيار ، إن شئت نصبت بلا تنوين ، وإن شئت رفعت ونونت ، وفيها لغات كثيرة سوى ما ذكرت جائزة عندهم . وقال الليث : تقول : هذه لاء مكتوبة فتمدها لتتم الكلمة اسما ، ولو صغرت لقلت : هذه لوية مكتوبة إذا كانت صغيرة الكتبة غير جليلة . وحكى ثعلب : لويت لاء حسنة عملتها ، ومد لا لأنه قد صيرها اسما ، والاسم لا يكون على حرفين وضعا ، واختار الألف من بين حروف المد واللين لمكان الفتحة ، قال : وإذا نسبت إليها قلت : لووي ، وقصيدة لووية : قافيتها لا . وأما قول الله عز وجل : فلا اقتحم العقبة فلا بمعنى فلم كأنه قال : فلم يقتحم العقبة ، ومثله : فلا صدق ولا صلى إلا أن لا بهذا المعنى إذا كررت أسوغ وأفصح منها إذا لم تكرر; وقد قال الشاعر :
إن تغفر اللهم تغفر جما [ ص: 152 ] وأي عبد لك لا ألما ؟
فقام يذود الناس عنها بسيفه وقال : ألا لا من سبيل إلى هند
كلا وكذا تغميضة ثم هجتم لدى حين أن كانوا إلى النوم ، أفقرا
أصاب خصاصة فبدا كليلا كلا ، وانغل سائره انغلالا
يكون نزول القوم فيها كلا ولا لات
: أبو زيد في قوله : ولات حين مناص قال : التاء فيها صلة والعرب تصل هذه التاء في كلامها وتنزعها; وأنشد : طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء قال : والأصل فيها لا ، والمعنى فيها : ليس ، والعرب تقول : ما أستطيع وما أسطيع ، ويقولون : ثمت في موضع ثم ، وربت في موضع رب ، ويا ويلتنا ويا ويلنا . وذكر أبو الهيثم عن نصر الرازي أنه قال في قولهم : لات هنا أي : ليس حين ذلك ، وإنما هو لا هنا ، فأنث لا فقيل : لاة ثم أضيف فتحولت الهاء تاء ، كما أنثوا رب ربة وثم ثمت ، قال : وهذا قول . وقال الكسائي الفراء : معنى ولات حين مناص أي : ليس بحين فرار ، وتنصب بها لأنها في معنى ليس; وأنشد :تذكر حب ليلى لات حينا
قال : ومن العرب من يخفض بلات ; وأنشد :طلبوا صلحنا ولات أوان
قال شمر : أجمع علماء النحويين من الكوفيين والبصريين أن أصل هذه التاء التي في لات هاء ، وصلت بلا فقالوا : لاة لغير معنى حادث ، كما زادوا في ثم وثمة ، لزمت ، فلما ، صلوها جعلوها تاء .