nindex.php?page=treesubj&link=18505الإحسان في المعاملة :
قد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعا ، والعدل سبب النجاة فقط وهو يجري من التجارة مجرى سلامة رأس المال ، والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ، ولا يعد من العقلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة .
ولا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=77وأحسن كما أحسن الله إليك ) [ القصص : 77 ] وقال عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) [ النحل : 90 ] وقال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين ) [ الأعراف : 56 ] وينال المعامل رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور :
الأول : في المغابنة فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة ، فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ولكن يراعى فيه التقريب ، ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحا كثيرا وبه تظهر البركة .
الثاني : في احتمال الغبن ، والمشتري إن اشترى طعاما من ضعيف أو شيئا من فقير فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل ويكون به محسنا وداخلا في قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004326رحم الله سهل [ ص: 117 ] البيع وسهل الشراء ، وأما احتمال الغبن من الغني فليس محمودا بل هو تضييع مال من غير أجر ولا حمد ، وكان كثير من السلف يستقصون في الشراء ويهبون من ذلك الجزيل من المال ، فقيل لبعضهم في ذلك فقال : إن الواهب يعطي فضله ، وإن المغبون يغبن عقله .
الثالث : في
nindex.php?page=treesubj&link=18508استيفاء الثمن وسائر الديون والإحسان فيه مرة بالمسامحة وحط البعض ومرة بالإمهال والتأخير ومرة بالمساهلة في طلب جودة النقد ، وكل ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه ، وفي الخبر : من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله ، فإذا حل الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004327ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يلازم رجلا بدين فأومأ إلى صاحب الدين بيده أي : ضع الشطر ففعل ، فقال للمديون : قم فأعطه .
الرابع : في توفية الدين ، ومن الإحسان فيه حسن القضاء وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحق ولا يكلفه أن يمشي إليه يتقاضاه فقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004328خيركم أحسنكم قضاء ، ومهما قدر على قضاء الدين فليبادر إليه ولو قبل وقته ، وإن عجز فلينو قضاءه مهما قدر ، ومهما كلمه مستحق الحق بكلام خشن فليتحمله وليقابله باللطف اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لما ردد عليه كلامه صاحب الدين فهم به أصحابه فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004329دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ، ومن الإحسان أن يميل الحكم إلى من عليه الدين لعسره .
الخامس : أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ، ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه ، وفي الخبر من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة .
السادس : أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم يظهر لهم ميسرة ، وكان من السلف من يقول لفقير : " خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت في حل منه وسعة " .
فهذه طرق تجارات السلف .
وبالجملة فالتجارة محك الرجال وبها يمتحن دين الرجل وورعه .
nindex.php?page=treesubj&link=18505الْإِحْسَانُ فِي الْمُعَامَلَةِ :
قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ جَمِيعًا ، وَالْعَدْلُ سَبَبُ النَّجَاةِ فَقَطْ وَهُوَ يَجْرِي مِنَ التِّجَارَةِ مَجْرَى سَلَامَةِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَالْإِحْسَانُ سَبَبُ الْفَوْزِ وَنَيْلِ السَّعَادَةِ وَهُوَ يَجْرِي مِنَ التِّجَارَةِ مَجْرَى الرِّبْحِ ، وَلَا يُعَدُّ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنْ قَنَعَ فِي مُعَامَلَاتِ الدُّنْيَا بِرَأْسِ مَالِهِ فَكَذَا فِي مُعَامَلَاتِ الْآخِرَةِ .
وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَدَيِّنِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْعَدْلِ وَاجْتِنَابِ الظُّلْمِ وَيَدَعَ أَبْوَابَ الْإِحْسَانِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=77وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) [ الْقَصَصِ : 77 ] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) [ النَّحْلِ : 90 ] وَقَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [ الْأَعْرَافِ : 56 ] وَيَنَالُ الْمُعَامِلُ رُتْبَةَ الْإِحْسَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : فِي الْمُغَابَنَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَغِبْنَ صَاحِبَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ ، فَأَمَّا أَصْلُ الْمُغَابَنَةِ فَمَأْذُونٌ فِيهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِلرِّبْحِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا بِغَبْنٍ وَلَكِنْ يُرَاعَى فِيهِ التَّقْرِيبُ ، وَمَنْ قَنِعَ بِرِبْحٍ قَلِيلٍ كَثُرَتْ مُعَامَلَاتُهُ وَاسْتَفَادَ مِنْ تَكَرُّرِهَا رِبْحًا كَثِيرًا وَبِهِ تَظْهَرُ الْبَرَكَةُ .
الثَّانِي : فِي احْتِمَالِ الْغَبْنِ ، وَالْمُشْتَرِي إِنِ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ ضَعِيفٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ فَقِيرٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَمِلَ الْغَبْنَ وَيَتَسَاهَلَ وَيَكُونَ بِهِ مُحْسِنًا وَدَاخِلًا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004326رَحِمَ اللَّهُ سَهْلَ [ ص: 117 ] الْبَيْعِ وَسَهْلَ الشِّرَاءِ ، وَأَمَّا احْتِمَالُ الْغَبْنِ مِنَ الْغَنِيِّ فَلَيْسَ مَحْمُودًا بَلْ هُوَ تَضْيِيعُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ وَلَا حَمْدٍ ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ يَسْتَقْصُونَ فِي الشِّرَاءِ وَيَهَبُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَزِيلَ مِنَ الْمَالِ ، فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الْوَاهِبَ يُعْطِي فَضْلَهُ ، وَإِنَّ الْمَغْبُونَ يَغِبْنُ عَقْلَهُ .
الثَّالِثُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18508اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْإِحْسَانِ فِيهِ مَرَّةً بِالْمُسَامَحَةِ وَحَطِّ الْبَعْضِ وَمَرَّةً بِالْإِمْهَالِ وَالتَّأْخِيرِ وَمَرَّةً بِالْمُسَاهَلَةِ فِي طَلَبِ جَوْدَةِ النَّقْدِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَمَحْثُوثٌ عَلَيْهِ ، وَفِي الْخَبَرِ : مَنْ أَقْرَضَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ إِلَى أَجَلِهِ ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَنْظَرَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ صَدَقَةً ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004327وَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُلَازِمُ رَجُلًا بَدَيْنٍ فَأَوْمَأَ إِلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ بِيَدِهِ أَيْ : ضَعِ الشَّطْرَ فَفَعَلَ ، فَقَالَ لِلْمَدْيُونِ : قُمْ فَأَعْطِهِ .
الرَّابِعُ : فِي تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ ، وَمِنَ الْإِحْسَانِ فِيهِ حُسْنُ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْشِيَ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا يُكَلِّفَهُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهِ يَتَقَاضَاهُ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004328خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ، وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلْيُبَادِرْ إِلَيْهِ وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ فَلْيَنْوِ قَضَاءَهُ مَهْمَا قَدِرَ ، وَمَهْمَا كَلَّمَهُ مُسْتَحِقُّ الْحَقِّ بِكَلَامٍ خَشِنٍ فَلْيَتَحَمَّلْهُ وَلْيُقَابِلْهُ بِاللُّطْفِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَدَّدَ عَلَيْهِ كَلَامَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004329دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ، وَمِنَ الْإِحْسَانِ أَنْ يَمِيلَ الْحَكَمُ إِلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِعُسْرِهِ .
الْخَامِسُ : أَنْ يُقِيلَ مَنْ يَسْتَقِيلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيلُ إِلَّا مُتَنَدِّمٌ مُسْتَضِرٌّ بِالْبَيْعِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ اسْتِضْرَارِ أَخِيهِ ، وَفِي الْخَبَرِ مَنْ أَقَالَ نَادِمًا صَفْقَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
السَّادِسُ : أَنْ يَقْصِدَ فِي مُعَامَلَتِهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَهُوَ فِي الْحَالِ عَازِمٌ عَلَى أَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مَيْسَرَةٌ ، وَكَانَ مِنَ السَّلَفِ مَنْ يَقُولُ لِفَقِيرٍ : " خُذْ مَا تُرِيدُ فَإِنْ يُسِّرَ لَكَ فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَسَعَةٍ " .
فَهَذِهِ طُرُقُ تِجَارَاتِ السَّلَفِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالتِّجَارَةُ مَحَكُّ الرِّجَالِ وَبِهَا يُمْتَحَنُ دِينُ الرَّجُلِ وَوَرَعُهُ .