اعلم أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " " ولا بد أن يتميز بخصال وصفات يرغب بسببها في صحبته ، وجملتها أن يكون عاقلا حسن الخلق غير فاسق ولا حريص على الدنيا . المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل
أما العقل فهو رأس المال وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق ، فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت ، وقد قيل : مقاطعة الأحمق قربان إلى الله .
وأما حسن الخلق فلا بد منه ، فإن من غلبه غضب أو شهوة أو بخل أو جبن وأطاع هواه فلا خير في صحبته .
وأما الفاسق المصر على فسقه فلا فائدة في صحبته ، بل مشاهدته تهون أمر المعصية على النفس وتبطل نفرة القلب عنها ، ولأن من لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق بصداقته بل يتغير بتغير الأغراض ، قال الله تعالى : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ) [ الكهف : 28 ] ، وقال تعالى : ( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ) [ النجم : 29 ] ، وقال تعالى : ( واتبع سبيل من أناب إلي ) [ لقمان : 15 ] وفي مفهوم ذلك زجر عن الفاسق .
وأوصى " علقمة " ابنه فقال : " يا بني إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك ، وإن صحبته زانك ، وإن قعدت بك مؤونة مانك ، واصحب من إذا مددت يدك بخير مدها ، وإن رأى منك حسنة عدها ، وإن رأى سيئة [ ص: 129 ] سدها . اصحب من إذا سألته أعطاك ، وإن سكت ابتداك ، وإن نزلت بك نازلة واساك ، اصحب من إذا قلت صدق قولك ، وإن حاولت أمرا آمرك ، وإن تنازعتما آثرك " . قال علي رضي الله عنه :
إن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب زمان صدعك
شتت فيه شمله ليجمعك