: فضيلة الحلم
اعلم أن الحلم أفضل من كظم الغيط ؛ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم ، أي تكلف الحلم ، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ، ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة ، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتياديا فلا يهيج الغيظ ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب ، وهو الحلم الطبيعي ، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه ، وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل ، ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا ، وفي الحديث : " " إشارة إلى أن اكتساب الحلم طريقه التحلم أولا وتكلفه ، كما أن اكتساب العلم طريقه التعلم . إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " " ، وعن " إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم الحسن " في قوله تعالى : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) [ الفرقان : 63 ] قال : حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا . وعن في آية : ( مجاهد وإذا مروا باللغو مروا كراما ) [ الفرقان : 72 ] أي : إذا أوذوا صفحوا ، وعن " علي " رضي الله عنه : " ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك ، وأن لا تباهي الناس بعبادة الله ، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى ، وإذا [ ص: 210 ] أسأت استغفرت الله تعالى " ، وقال " أكثم " : " دعامة العقل الحلم ، وجماع الأمر الصبر " ، وقال " معاوية " : " لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم " . وقال معاوية لعمرو بن الأهتم : أي الرجال أشجع ؟ قال : من رد جهله بحلمه ، قال : " أي الرجال أسخى " ؟ قال " من بذل دنياه لصلاح دينه " . وقال معاوية لعرابة : " بم سدت قومك " ، قال : كنت أحلم عن جاهلهم ، وأعطي سائلهم ، وأسعى في حوائجهم ، فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي ، ومن جاوزني فهو أفضل مني ، ومن قصر عني فأنا خير منه " ، وقال " " في قوله تعالى : ( أنس بن مالك ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) [ فصلت : 34 ، 35 ] هو الرجل يشتمه أخوه فيقول : " إن كنت كاذبا فغفر الله لك ، وإن كنت صادقا فغفر الله لي " . وعن " علي بن الحسين "رضي الله عنهما أنه سبه رجل ، فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم ، فقال بعضهم : " جمع له خمس خصال محمودة : الحلم ، وإسقاط الأذى ، وتخليص الرجل مما يبعده من الله عز وجل ، وحمله على الندم والتوبة ، ورجوعه إلى المدح بعد الذم ، اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير " .