ومدح القناعة والاقتصاد : بيان ذم الحرص والطمع
ينبغي للفقير أن يكون قانعا منقطع الطمع عن الخلق ، غير متلفت إلى ما في أيديهم ، ولا حريصا على اكتساب المال كيف كان ؛ لئلا يتدنس بذل الحرص ، فيجره إلى مساوئ الأخلاق وارتكاب المنكرات ، وقد جبل الآدمي على الحرص والطمع وقلة القناعة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 222 ] " " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ذلك لا يكون إلا بأمور : وعلاج
الأول : الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق وهو الأصل في القناعة ، فإن من كثر خرجه واتسع إنفاقه لم تمكنه القناعة ، وفي الحديث : " " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " ما عال من اقتصد " . وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث منجيات : خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب " . الاقتصاد وحسن السمت والهدي الصالح جزء من بضعة وعشرين جزءا من النبوة
الثاني : أن يتحقق بأن الرزق الذي قدر له لا بد وأن يأتيه ، وإن لم يشتد حرصه .
الثالث : أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء ، وما في الحرص والطمع من الذل والمداهنة .
الرابع : أن يكثر تأمله في تنعم الكفرة والحمقى ، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء ، ويستمع أحاديثهم ، ويطالع أحوالهم ، ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة الفجار أو الأبرار ، فيهون عليه الصبر على القليل ، والقناعة باليسير .
الخامس : أن يفهم ما في جمع المال من الخطر كما ذكرنا في آفات المال ، ويتم ذلك بأن ينظر أبدا إلى من دونه في الدنيا ، لا إلى من فوقه . فبهذه الأمور يقدر على اكتساب خلق القناعة ، وعماد الأمر الصبر .