بيان : علاج البخل
اعلم أن البخل سببه حب المال ، : ولحب المال سببان
أحدهما : حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع طول الأمل .
الثاني : أن يحب عين المال ويلتذ بوجوده وإن علم أنه زائد عن حاجاته بقية عمره . وقدمنا أن علاج كل علة بمضادة سببها ، فيعالج حب الشهوات بالقناعة باليسير وبالصبر ، ، والنظر في موت الأقران وطول تعبهم في جمع المال وضياعه بعدهم ، ويعالج التفات القلب إلى الولد بأن خالقه خلق معه رزقه ، وكم من ولد لم يرث من أبيه مالا ، وحاله أحسن ممن ورث ، وبأن يعلم أنه يجمع المال لولده يريد أن يترك ولده بخير وينقلب إلى شر ، ويعالج قلبه أيضا بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذم البخل ومدح السخاء وما توعد الله به على البخل من العقاب العظيم . ويعالج طول الأمل بكثرة ذكر الموت
ومن الأدوية النافعة : كثرة التأمل في أحوال البخلاء ونفرة الطبع عنهم واستقباحهم له ، فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره ، ويستثقل البخيل من أصحابه فيعلم أنه مستثقل ومستقذر في قلوب الناس مثل سائر البخلاء في قلبه ، ويعالج قلبه أيضا بأن يتفكر في مقاصد المال وأنه لماذا خلق فلا يحفظ منه إلا قدر حاجته والباقي يدخره لنفسه في الآخرة بأن يحصل له ثواب بذله .
فهذه الأدوية من جهة المعرفة والعلم ، فإذا عرف بنور البصيرة أن البذل خير له من الإمساك في الدنيا والآخرة هاجت رغبته في البذل إن كان عاقلا ، فإذا تحركت الشهوة فينبغي أن يجيب الخاطر الأول ، ولا يتوقف ، فإن الشيطان يعده الفقر ويخوفه ويصده عنه .