[ ص: 231 ] بيان : علاج كراهة الذم
يفهم ذلك مما تقدم ، والقول الوجيز فيه أن من ذمك لا يخلو من ثلاثة أحوال : إما قد يكون قد صدق فيما قال وقصد به النصح والشفقة ، وإما أن يكون صادقا ولكن قصده الإيذاء والتعنت ، وإما أن يكون كاذبا .
فإن كان صادقا وقصده النصح فلا ينبغي أن تذمه وتغضب عليه وتحقد بسببه ، بل ينبغي أن تتقلد منته ، فإن من أهدى إليك عيوبك فقد أرشدك إلى المهلك حتى تتقيه ، فينبغي أن تفرح به وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت عليها ، فأما اغتمامك بسببه وكراهتك له وذمك إياه فإنه غاية الجهل .
وإن كان قصده التعنت فأنت قد انتفعت بقوله إذ أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلا به لتقلع عنه ، وذلك من أسباب سعادتك فينبغي أن تفرح به ; لأن تنبهك بقوله غنيمة ، وجميع مساوئ الأخلاق مهلكة في الآخرة ، والإنسان إنما يعرفها من قول أعدائه فينبغي أن تغتنمه ، وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه ، وهو نعمة منه عليك ، فلم تغضب عليه بقول انتفعت به أنت وتضرر هو به .
الحالة الثالثة : أن يفتري عليك بما أنت بريء منه عند الله تعالى فينبغي أن لا تكره ذلك ، ولا تشتغل بذمه ، بل تتفكر في ثلاثة أمور :
أحدها : إن خلوت من ذلك العيب فلا تخلو عن أمثاله وأشباهه ، وما ستره الله من عيوبك أكثر ، فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك بذكر ما أنت بريء عنه .
والثاني : أن ذلك كفارة لبقية مساوئك وذنوبك ، وكل من اغتابك فقد أهدى إليك حسناته ، وكل من مدحك فقد قطع ظهرك ، فما بالك تفرح بقطع الظهر وتحزن لهدايا الحسنات التي تقربك إلى الله تعالى وأنت تزعم أنك تحب القرب من الله .
وأما الثالث : فهو أن المسكين قد جنى على دينه حتى سقط من عين الله وأهلك نفسه بافترائه وتعرض لعقابه الأليم ، فلا ينبغي أن تغضب عليه مع غضب الله فتشمت به الشيطان وتقول : " اللهم أهلكه " ، بل ينبغي أن تقول : " اللهم أصلحه ، اللهم تب عليه ، اللهم ارحمه " كما قال صلى الله عليه وسلم : " ، لما أن كسروا ثنيته وشجوا وجهه وقتلوا عمه " اللهم اغفر لقومي اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون حمزة " يوم أحد .
ومما يهون عليك كراهية المذمة قطع الطمع ، فإن من استغنيت عنه مهما ذمك لم يعظم أثر ذلك في قلبك ، وأصل الدين القناعة ، وبهما ينقطع الطمع عن المال والجاه ، وما دام الطمع قائما كان حب الجاه والمدح في قلب من طمعت فيه غالبا ، وكانت همتك إلى تحصيل المنزلة في قلبه مصروفة ، ولا ينال ذلك إلا بهدم الدين ، فلا ينبغي أن يطمع طالب الجاه ومحب المدح ومبغض الذم في سلامة دينه ، فإن ذلك بعيد جدا .