[ ص: 219 ] كتاب وذم المال ذم البخل
وما ذكرناه في كتاب ذم الدنيا لم يكن نظرا في المال خاصة ، بل في الدنيا عامة ، والمال بعض أجزائها ، الجدير بإفراد البحث عنه ، إذ فيه آفات وغوائل ، وللإنسان من فقده صفة الفقر ، ومن وجوده وصف الغنى ، وهما حالتان يحصل بهما الاختبار والامتحان ، ثم للفاقد حالتان : القناعة والحرص ، وإحداهما مذمومة والأخرى محمودة . وللحريص حالتان : طمع فيما في أيدي الناس ، وتشمر للحرف والصناعات مع اليأس عن الخلق ، والطمع شر الحالتين . وللواحد حالتان : إمساك بحكم البخل والشح ، وإنفاق ، وإحداهما مذمومة ، والأخرى محمودة ، وللمنفق حالتان : تبذير واقتصاد ، والمحمود هو الاقتصاد . وهذه أمور متشابهة ، وكشف الغطاء عن الغموض فيها مهم ، ونحن نشرحه بعونه تعالى .
بيان : ذم المال وكراهة حبه
قال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [ المنافقون : 9 ] ، وقال تعالى : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) [ التغابن : 15 ] ، فمن اختار ماله وولده على ما عند الله فقد خسر وغبن خسرانا مبينا ، وقال تعالى : ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) [ العلق : 6 ، 7 ] ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وقال تعالى : ( ألهاكم التكاثر ) [ التكاثر : 1 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " بين أن محبهما عابد لهما ، ومن عبد حجرا فهو عابد صنم ، أي من قطعه ذلك عن الله تعالى وعن أداء حقه فهو كعابد صنم ، وهو شرك ، إلا أن الشرك خفي وجلي ، نعوذ بالله منهما . تعس عبد الدنيا وتعس عبد الدرهم ، تعس ولا انتعش ، وإذا شيك فلا انتقش
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما ذئبان ضاريان أرسلا في غنم بأكثر إفسادا فيها من حب الشرف والمال والجاه في دين الرجل المسلم " . هلك المكثرون إلا من قال به في عباد الله هكذا [ ص: 220 ] وهكذا ، وقليل ما هم
وعن " " قال : " الدرهم عقرب ، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه ، فإنه إن لدغك قتلك سمه ، قيل : وما رقيته ؟ قال : أخذه من حله ووضعه في حقه " ، وعنه رحمه الله : " مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلها للعبد في ماله عند موته " ، قيل : " وما هما " ؟ قال : " يؤخذ منه كله ، ويسأل عنه كله " . يحيى بن معاذ