: حكم الرياء
اعلم أن الرياء إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات ، فأما المراءاة بما ليس من العبادات فقد تكون مباحة كتسوية العمامة والشعر وتحسين الثوب لئلا تزدريه أعين الناس واحترازا من ألم المذمة وطلبا لراحة الأنس بالإخوان ، وقد تكون طاعة كما إذا كان متبوعا وعمله المذكور يرغب في اتباعه واستمالة القلوب إليه، وقد تكون مذمومة كما إذا حملت على ما لا يجوز ، أو دعت إلى أمور محظورات ، وبالجملة فحكمها تابع للغرض المطلوب بها . وأما العبادات كالصدقة والصلاة والصيام والغزو والحج فالمرائي فيها يبطل عباداته ويعصي ويأثم ، والمعني فيه أمران :
أحدهما : يتعلق بالعباد ، وهو التلبيس والمكر ; لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع لله وأنه من أهل الدين وليس كذلك .
الثاني : يتعلق بالله ، وهو أنه مهما قصد بعبادة الله تعالى خلق الله فهو مستهزئ بالله كما ورد ، ومثاله أن يتمثل بين يدي ملك من الملوك طول النهار كما جرت عادة الخدم . وإنما وقوفه لملاحظة جارية من جواريه أو غلام من غلمانه ، فإن هذا استهزاء بالملك إذ لم يقصد التقرب إليه بخدمته ، بل قصد بذلك عبدا من عبيده ، فأي استحقار يزيد على أن يقصد العبد بطاعة الله تعالى مراءاة عبد ضعيف لا يملك له ضرا ، ولا نفعا ؟ وهل ذلك إلا لأنه يظن أن ذلك العبد أقدر على تحصيل أغراضه من الله ، وأنه أولى بالتقرب إليه من الله إذ آثره على ملك الملوك فجعله مقصود عبادته ، وأي استهزاء يزيد على رفع العبد فوق المولى ؟ فهذا من كبائر المهلكات ولذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشرك الأصغر " ولو لم يكن في الرياء إلا أنه يسجد ويركع لغير الله لكان فيه كفاية ، فإنه وإن لم يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله ، وعن هذا كان شركا خفيا ، وذلك غاية الجهل ، ولا يقدم عليه إلا من خدعه الشيطان وأوهم عنده أن العباد يملكون من مصالح حاله أكثر مما يملكه الله تعالى ، مع أن العباد كلهم عاجزون عن أنفسهم لا يملكون لها ضرا ولا نفعا، فكيف يملكون لغيرهم ؟ هذا في الدنيا فكيف في يوم : ( لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) [ لقمان : 33 ] . بل تقول الأنبياء فيه : " نفسي نفسي " فكيف يستبدل الجاهل عن ثواب الآخرة ما يرتقبه بطمعه الكاذب في الدنيا من الناس ؟ فلا ينبغي أن نشك في أن المرائي بطاعة الله في سخط الله تعالى .