صفة السؤال
ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاها من غير ترجمان ، فتسأل عن القليل والكثير والنقير والقطمير ، فبينا أنت في كرب القيامة وعرقها وشدة [ ص: 327 ] عظائمها إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماء إلى موقف العرض على الجبار ، فيقومون صفا صفا محدقين بالخلائق من الجوانب ، وينادون واحدا بعد واحد ، فعند ذلك ترتعد الفرائص وتضطرب الجوارح وتبهت العقول ، ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار ولا يكشف سترهم على ملأ الخلائق . وقبل الابتداء بالسؤال يظهر نور العرش : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) [ الزمر : 69 ] وأيقن قلب كل عبد بإقبال الجبار لمساءلة العباد ، ويظن كل واحد أنه ما يراه أحد سواه ، وأنه المقصود بالأخذ والسؤال دون من عداه ، فيبدأ سبحانه بالأنبياء : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) [ المائدة : 109 ] فيا لشدة يوم تذهل فيه عقول الأنبياء من شدة الهيبة ، ثم يؤخذ واحد واحد فيسأله الله تعالى شفاها عن قليل عمله وكثيره ، عن سره وعلانيته ، وعن جميع جوارحه وأعضائه . فكيف ترى حياءك وخجلتك وهو يعد عليك إنعامه ومعاصيك ، وأياديه ومساويك ، فإن أنكرت شهدت عليك جوارحك وأنت بقلب خافق وطرف خاشع وأعطيت كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فكم من فاحشة نسيتها فتذكرها ، وكم من طاعة غفلت عن آفاتها فانكشف لك عن مساويها ، فليت شعري بأي قدم تقف بين يديه . وبأي لسان تجيب ، وبأي قلب تعقل ما تقول ، وفي الخبر : " " . فأعظم يا مسكين بحياتك عند ذلك وبخطرك . ثم لا تغفل عن الفكر في الميزان وتطاير الكتب إلى الشمائل والأيمان : ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وماذا عمل فيما علم فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ) [ القارعة : 6 : 11 ] .