حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن مسلم ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا مبارك أبو حماد - مولى إبراهيم بن سام - قال : سمعت ، يقول فيما أوصى به سفيان الثوري علي بن الحسن السلمي : ، عليك بالصدق في المواطن كلها ومجالسة أصحابها ، فإنها وزر كله ، وإياك يا أخي وإياك والكذب والخيانة ، فإنه شرك بعينه ، والرياء في القول والعمل ، وإياك والعجب ، فإن العمل الصالح لا يرفع وفيه عجب ، فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه ، وينصح لنفسه ، كيف يعالج داء الناس وينصح لهم ؟ فهذا الذي لا يشفق على دينه كيف [ ص: 83 ] يشفق على دينك ؟ ويا أخي ، إنما دينك لحمك ودمك ، ابك على نفسك وارحمها ، فإن أنت لم ترحمها لم ترحم ، وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا ، ويرغبك في الآخرة ، وإياك ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه ، فإنهم يفسدون عليك دينك وقلبك ، وأكثر ذكر الموت ، وأكثر الاستغفار مما قد سلف من ذنوبك ، وسل الله السلامة لما بقي من عمرك ، ثم عليك يا أخي بأدب حسن ، وخلق حسن ، ولا تخالفن الجماعة ، فإن الخير فيها إلا من هو مكب على الدنيا ، كالذي يعمر بيتا ، ويخرب آخر ، وانصح لكل مؤمن إذا سألك في أمر دينه ، ولا تكتمن أحدا من النصيحة شيئا إذا شاورك فيما كان لله فيه رضى ، وإياك أن تخون مؤمنا ، فمن خان مؤمنا فقد خان الله ورسوله ، ومجالسة أهل الدنيا الذين يخوضون في حديث الدنيا ، وإذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك ومالك ، فإنك تصير ظلوما خوانا أثيما ، وعليك بالصبر في المواطن كلها ، فإن وإياك والخصومات والجدال والمراء ، والبر يجر إلى الجنة ، الصبر يجر إلى البر ، فإنهما يجران إلى الفجور ، والفجور يجر إلى النار ، ولا تمارين عالما فيمقتك ، وإن الاختلاف إلى العلماء رحمة ، والانقطاع عنهم سخط الرحمن ، وإن وإياك والحدة والغضب ، وعليك العلماء خزان الأنبياء ، وأصحاب مواريثهم ، وعليك بالزهد يبصرك الله عورات الدنيا ، ودع كثيرا مما يريبك إلى ما لا يريبك تكن سليما ، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك ، بالورع يخفف الله حسابك تكن حبيب الله ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر تطرد به الشياطين ، وأبغض الفاسقين تزدد قوة عند الله ، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك ، وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك ، وابك على خطيئتك تكن من أهل الرفيق الأعلى ، ولا تكن غافلا ، فإنه ليس يغفل عنك ، وإن لله عليك حقوقا وشروطا كثيرة ، وينبغي لك أن تؤديها ، ولا تكونن غافلا عنها ، فإنه ليس يغفل عنك ، وأنت محاسب بها يوم القيامة ، وإذا أردت أمرا من أمور الدنيا فعليك بالتؤدة ، فإن رأيته موافقا لأمر آخرتك فخذه ، وإلا فقف عنه حتى ينظر إلى من أخذه كيف عمله فيها ؟ وكيف نجا منها ؟ واسأل الله العافية ، وأقل الفرح والضحك بما تصيب من الدنيا من قبل أن يحول بينها وبينك الشيطان ، ولا تكونن أكولا لا تعمل بقدر ما تأكل ، فإنه يكره ذلك ، ولا تأكل بغير نية ، ولا بغير شهوة ، ولا تحشون بطنك فتقع جيفة لا تذكر الله ، وأكثر من الهم والحزن ، فإن أكثر ما يجد المؤمن في كتابه من الحسنات الهم والحزن ، وإياك والطمع فيما في أيدي الناس ، فإن وإذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها [ ص: 84 ] وأسرع ، وإياك والرغبة ، فإن الرغبة تقسي القلب ، وإياك والحرص على الدنيا ، فإن الطمع هلاك الدين ، الحرص مما يفضح الناس يوم القيامة ، نقي اليدين من المظالم ، سليم القلب من الغش والمكر والخيانة ، خالي البطن من الحرام ، فإنه وكن طاهر القلب ، نقي الجسد من الذنوب والخطايا ، لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت ، ولا تمشين بغير حاجة ، ولا تكلمن بغير حكم ، ولا تبطش بيدك إلى ما ليس لك ، وكن خائفا حزينا لما بقي من عمرك ، لا تدري ما يحدث فيه من أمر دينك ، وإياك أن تلي نفسك من الأمانة شيئا ، وكيف تليها وقد سماك الله ظلوما جهولا ؟ أبوك كف بصرك عن الناس آدم لم يبق فيها ولم يستكمل يوم حملها حتى وقع في الخطيئة ، ، كن ممن يرجى خيره ، ويؤمن شره ، أقل العثرة ، واقبل المعذرة ، واغفر الذنب ، لا تبغض أحدا ممن يطيع الله ، ولا تقطع رحمك ، وصل من قطعك ، كن رحيما للعامة والخاصة ، وصل رحمك وإن قطعك تكن رفيق الأنبياء والشهداء ، وأقل وتجاوز عمن ظلمك ، فإنهم ذئاب عليهم ثياب ، وفيها مردة الشياطين من الجن والإنس ، وإذا دخلتها فقد لزمك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنك لا ترى فيها إلا منكرا ، فقم على طرفها فقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ، ويميت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقد بلغنا أنه يكتب لقائلها بكل من في السوق - عجمي أو فصيح - عشر حسنات ، ولا تجلس فيها ، واقض حاجتك وأنت قائم يسلم لك دينك ، وإياك أن يفارقك الدرهم ، فإنه أتم لعقلك ، ولا تمنعن نفسك من الحلاوة ، فإنه يزيد في الحلم ، وعليك باللحم ولا تدم عليه ، ولا تدعه أربعين يوما ، فإنه يسيء خلقك ، دخول السوق ، فإنه يزيد في الدماغ ، وعليك بالعدس ، فإنه يفرز الدموع ويرق القلب [ ص: 85 ] وعليك ولا ترد الطيب ، باللباس الخشن تجد حلاوة الإيمان ، وعليك بقلة الأكل تملك سهر الليل ، ويفتح عليك باب العبادة ، وعليك بالصوم ، فإنه يسد عنك باب الفجور ولا تكونن حريصا على الدنيا ، وعليك بقلة الكلام يلين قلبك ، وعليك بطول الصمت تملك الورع ، ولا تكن حاسدا تكن سريع الفهم ، وكن رحيما تكن محببا إلى الناس ، وارض بما قسم الله لك من الرزق تكن غنيا ، ولا تكن طعانا تنج من ألسن الناس ، ولا تنازع أهل الدنيا في دنياهم يحبك الله ، ويحبك أهل الأرض ، وتوكل على الله تكن قويا ، اعمل بالعافية تأتك العافية من فوقك ، كن عفوا تظفر بحاجتك ، كن رحيما يترحم عليك كل شيء ، يا أخي وكن متواضعا تستكمل أعمال البر يا أخي ، فإنك لا تروى يوم القيامة إلا بالرضى من الرحمن ، ولا تدرك رضوانه إلا بطاعتك ، لا تدع أيامك ولياليك وساعاتك تمر عليك باطلا ، وقدم من نفسك لنفسك ليوم العطش ، وأكثر من النوافل تقربك إلى الله ، ويخفف الله عليك الحس والأهوال ، وعليك وعليك بالسخاء تستر العورات ، واجتنب المحارم كلها تجد حلاوة الإيمان ، بكثرة المعروف يؤنسك الله في قبرك يصلح الله أمر دينك ، جالس أهل الورع وأهل التقى ، وشاور في أمر دينك الذين يخشون الله ، وسارع في الخيرات يحل الله بينك وبين معصيتك يزهدك الله في الدنيا ، وعليك بكثرة ذكر الله ، وعليك بذكر الموت يهون الله عليك أمر الدنيا ، وأشفق من النار يهون الله عليك المصائب ، أحب أهل الجنة تكن معهم يوم القيامة ، وابغض أهل المعاصي يحبك الله ، والمؤمنون شهود الله في الأرض ، واشتق إلى الجنة يوفق الله لك الطاعة ، ولا تسبن أحدا من المؤمنين ، ولا تنازع أهل الدنيا في دنياهم ، وانظر يا أخي أن يكون أول أمرك ولا تحقرن شيئا من المعروف ، تقوى الله في السر والعلانية ، ثم الحشر ، ثم الوقوف بين يدي الجبار عز وجل ، وتحاسب بعملك ، ثم المصير إلى إحدى الدارين ، إما جنة ناعمة خالدة ، وإما نار فيها ألوان العذاب مع خلود لا موت فيه ، وارج رجاء من علم أنه يعفو أو يعاقب ، وبالله التوفيق ، لا رب غيره واخش الله خشية من قد علم أنه ميت ومبعوث