ومنهم المتخلي من رؤية الناس ، المتحلي بالإخلاص خيفة رب الناس ، تارك للتزين والتصنع ، مفارق للتلون والتمتع ، كان وحيدا فريدا ، وعلى المتنطعين شديدا ، صحب أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي ذا النون المصري ، [ ص: 239 ] وأبا تراب النخشبي ، وأبا سعيد الخزاز .
سمعت محمد بن موسى يقول : سمعت يقول : سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول : سمعت أبا جعفر الرازي يوسف بن الحسين يقول : ، ومن ذكر الله بحقيقة ذكره نسي ذكر غيره ، ومن نسي ذكر كل شيء في ذكره حفظ عليه كل شيء ، إذ كان الله له عوضا من كل شيء . علم القوم بأن الله يراهم فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه
قال : وقال رجل ليوسف : دلني على . فقال : أر الله الصدق منك في جميع أحوالك بعد أن تكون موافقا للحق ، ولا ترق إلى حيث لم يرق بك فتزل قدمك ، فإنك إذا رقيت سقطت وإذا رقي بك لم تسقط ، وإياك أن تترك اليقين لما ترجوه ظنا . طريق المعرفة
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت يقول : قال أبا بكر الرازي يوسف بن الحسين : عارضني بعض الناس في كلام وقال لي : ، فقلت مجيبا له : لو أن التوبة تطرق بابي ما أذنت لها على أني أنجو بها من ربي ، ولو أن الصدق والإخلاص كانا لي عبدين لبعتهما زهدا مني فيهما ; لأني إن كنت عند الله في علم الغيب سعيدا مقبولا لم أتخلف باقتراف الذنوب والمآثم ، وإن كنت عنده شقيا مخذولا لم تسعدني توبتي وإخلاصي وصدقي ، وإن الله تعالى خلقني إنسانا بلا عمل ولا شفيع كان لي إليه ، وهداني لدينه الذي ارتضاه ومن ( لا تستدرك مرادك من علمك إلا أن تتوب يتبع غير سبيل المؤمنين ) الآية ، ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) الآية ، فاعتمادي على فضله وكرمه أولى بي - إن كنت حرا عاقلا - من اعتمادي على أفعالي المدخولة وصفاتي المعلولة ; لأن مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا من قلة المعرفة بالكريم المتفضل .
سمعت أبا بكر الرازي بنيسابور يقول : قال يوسف بن الحسين : في الدنيا طغيانان : طغيان العلم وطغيان المال ، ، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة . وقال : بالأدب يفهم العلم ، وبالعلم يصح العمل ، وبالعمل تنال الحكمة ، وبالحكمة يفهم الزهد ويوفق له ، وبالزهد تترك الدنيا ، وبترك الدنيا يرغب في الآخرة ، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه . وبالرغبة في الآخرة ينال رضا الله عز وجل
[ ص: 240 ] سمعت يقول : قال أبا بكر الرازي يوسف بن الحسين : . وقال : إذا رأيت الله قد أقامك لطلب شيء وهو يمنعك ذلك فاعلم أنك معذب . يتولد الإعجاب بالعمل من نسيان رؤية المنة فيما يجري الله لك من الطاعات
سمعت محمد بن موسى يقول : سمعت يقول : قال أبا بكر الرازي يوسف بن الحسين : نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أتوا ، . ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد وإرفاق النسوان
سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي يقول : سمعت يقول : سمعت يتيمك الرازي يقول : منصور بن عبد الله الهروي يوسف بن الحسين على الجنيد اشتهيت أن أراه من حسن كلامه ، فخرجت من لما ورد كتاب بغداد زائرا له ، فلما جئت الري سألت عن دار يوسف فقالوا : أيش تعمل به ؟ هو رجل زنديق ، فسألت حتى دللت عليه فدخلت عليه فلما وقعت عيني عليه امتلأت هيبة من رؤيته وكان بين يديه مصحف يقرأ فيه فسلمت عليه فقال لي : من أين أقبلت ؟ قلت : من بغداد ، قال : وإلى أي شيء جئت ؟ قلت : زائرا إليك ، فقال لي : لو قال لك بحلوان أو بقرميسين أو بهمدان رجل : تقيم عندي حتى أقوم بكفايتك فأشتري لك جارية ودارا ، كان ذلك يمنعك من زيارتي ؟ قلت : ما ابتليت بشيء من هذا ، ولو كان بدا لي لا أدري كيف كنت في ذلك الوقت ؟ قال : أعيذك بالله ، أنت كيس ، عسى تقول شيئا ، قلت : نعم ، قال : غن لي ، فابتدأت فقلت :
رأيتك تبني دائبا في قطيعتي ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني كأني بكم واللبث أفضل قولكم ألا ليتنا نبني إذا اللبث لا يغني
قال : فبكى حتى ابتل المصحف الذي بين يديه ، ثم قال : يا بني ألوم أهل الري أن يقولوا : يوسف بن الحسين زنديق ، أنا من الغداة أقرأ في كتاب الله ولا أبكي ، وقلت أنت ذين البيتين ، أبصر أي شيء وقع ؟ .
سمعت أبا الحسن علي بن هارون صاحب الجنيد يقول : قرأت في يوسف بن الحسين إلى الجنيد : من تفتت عذاره ، وانقطع حزامه ، [ ص: 241 ] وساح في مفاوز الخطرات يلاحظ عنها أحكام السعادات ، يقول في حدائه : جواب
كيف السبيل إلى مرضاة من غضبا من غير جرم ولم نعرف له سببا
وأقول :
لتعرف نفسي قدرة الخالق الذي يدبر أمر الخلق وهو شكور
وأشكركم في السر والجهر دائبا وإن كان قلبي في الوثاق أسير
قال : وسمعت يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري أبا سليمان الداراني يقول : ، وسخط على قوم فاستعملهم بأعمال السخط ، وإني ربما تمثلت بهذه الأبيات : ليس أعمال الخلق بالذي ترضيه ولا تسخطه ، إنما رضي عن قوم فاستعملهم بأعمال الرضا
يا موقد النار في قلبي بقدرته لو شئت أطفأت عن قلبي بك النار
لا عار إن مت من شوقي ومن حزني على فعالك بي لا عار لا عار
قال : وسمعت يقول : أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم . من جهل قدره هتك ستره
سمعت أبا عمرو العثماني يقول : أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : سمعت يوسف بن الحسين يقول : سمعت يقول : ذا النون ، فلست ترى إلا جاهلا متحيرا أو عالما مفتونا ، فيا من جعل سمعي وعاء لعلم عجائبه وقلبي منبعا لذكره ، ويا من من علي بمواهبه اجعلني بحبلك معتصما وبجودك متمسكا وبحبالك متصلا ، وأكمل نعمتك عندي بدوام معرفتك في قلبي كما أكملت خلقي وسددتني للتي تبلغني إليك واجعل ذلك مضموما إلى نعمائك عندي واهدني للشكر حتى أعلم مكان الزيادة منك في قلبي ، ولا تنزع محبتك من قلبي يا ذا الجلال والإكرام والجمال والنور والبهاء ، والحمد لله أولا وآخرا . تكلمت خدع الدنيا على ألسنة العلماء وأماتت قلوب القراء فتن الدنيا
حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، ثنا يوسف بن الحسين قال : سألت : من أجالس ؟ قال : ذا النون رؤيته ويخبرك عن نفسك بالذي هو أعلم به منك . [ ص: 242 ] ونحو هذا ، إلا أن كلامه دلني على مجالسة من تقع علي هيبته . جالس من الناس من تقهرك هيبته وتخوفك في السر والعلانية
قال يوسف : وقيل : أين لذي النون ؟ فقال : ( مجلس الآمنين في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) .
قال يوسف : وسألت يوما من الأيام : من أصحب ؟ قال : ذا النون ، قال لا تصحب من ينخدع بغيرك يوسف : فعرضت هذه الكلمة على طاهر المقدسي فقال : نهاك عن صحبة الخلائق بأسرها .
قال : وسمعت يوسف يقول : زار أخا له في شقة بعيدة فقال ذو النون : ذو النون . ما بعد طريق أدى إلى صديق ولا ضاق مكان من حبيب
قال : وسمعت وقيل له : ذا النون ؟ فقال : لأني أنظر إلى الصانع في الصنع فيهون علي المصنوع . ما لك إذا رأيت العاصي لا تحقد عليه وتقبح فعله وتهجره
قال : وسمعت يوسف بن الحسين يقول : سمعت الفتح بن شخرف يقول : قال لي : ذو النون ، ولن يصل عبد إلى محبوبه دون قطع الآمال ممن دونه ، فمن أحب لقاء الله فليرم بكنفه عنده ، وليخلص وليشمر وليصبر ويرضى ويستسلم مخاطرا بنفسه ، فتؤديه مخاطرة نفسه إلى نفسه . من قطع الآمال من الخلق وصل إلى الخالق
قال : وسمعت يوسف بن الحسين يقول : حدثني محمد بن يحيى السرخسي الناسك قال : سمعت أبا يزيد البسطامي يقول : ، وفن له وهو ذكرك له ، وفن بينكما وهو العشق . قال الحب لله على أربعة فنون : فن منه وهو منته ، وفن منك وهو ودك يوسف : فذكرت ذلك فقال : هذا الكمال ، الزاهد يقول : كيف أصنع ؟ والعارف يقول : كيف يصنع بي ؟ ثم قال : تاه القوم في جماله وجلاله . لذي النون
قال : وسمعت يوسف بن الحسين يقول : قال : ذو النون . مقامات الرجال تسعة عشر مقاما أولها الإجابة وأعلاها التوكل
وقال : الناس أعداء ما جهلوا وحساد ما منعوا ، ذو النون . قال : وأتاه رجل يوما فقال : يا من جهل قدره هتك ستره أبا الفيض أوصني ، فقال : بم أوصيك ؟ هذا دعاء النبيين والمرسلين والصديقين ، وذلك خير من وصيتي ، وإن يكن غير ذلك فلن ينفعك النداء . قال : وسمعته يقول : استعبدنا بالعناء فلا بد من الانقياد له . قال : وسئل : إن كنت ممن قد أيدت منه في علم الغيب بصدق التوحيد فقد سبق لك قبل أن تخلق إلى يومنا ؟ قال : لأن الله تعالى جعل الدنيا خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم إليها . وقال : الحبيب يسبق الاغتفار قبل الاعتذار ، وقال : من يسكن قلبك عليه فلا تفش سرك إليه . وسئل : من دون الناس غما ؟ قال : أسوؤهم خلقا . قيل : وما علامة سوء الخلق ؟ قال : لم أحب الناس [ ص: 243 ] الدنيا . وقال : صدور الأحرار قبور الأسرار . وسئل يوما : فيم يجد العبد الخلاص ؟ قال : كثرة الخلاف ، قيل : فما علامة الإخلاص ؟ قال : إذا لم يكن في عملك محبة حمد المخلوقين ولا مخافة ذمهم فأنت مخلص إن شاء الله . الخلاص في الإخلاص فإذا أخلص تخلص
أسند الحديث ، حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا أبو الحسين الصوفي محمد بن عبد الله الرازي بدمشق ، حدثني ، ثنا أبو يعقوب يوسف بن الحسين الصوفي الرازي ، ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا مروان بن معاوية هلال بن سويد أبو المعلى ، عن قال : أنس بن مالك . إن الله يأتي برزق كل غد قال أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طوائر ثلاث فأكل طيرا واستخبأ خادمه طيرين فردهما عليه من الغد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألم أنهك أن ترفع شيئا لغد ؟ يوسف : كنت أتيت أبا عبد الله في أيام المتوكل فسألني عن بلدي ، وقال : ما حاجتك ؟ وفي أي شيء جئت إلي ؟ فقلت : لتحدثني ، فقال : أما بلغك أني قد أمسكت عن الحديث ؟ فقلت : بلى ولكن حدثني بشيء أذكرك به وأترحم عليك ، فحدثني بهذا الحديث ، ثم قال : هذا من بايتك يا صوفي ، تسألني عن شيوخ الري ، فقال : أيش خبر أبي زرعة حفظه الله ؟ فقلت : بخير ، فقال : خمسة أدعو الله لهم في دبر كل صلاة : أبواي والشافعي وأبو زرعة ، وآخر ذهب عني اسمه ، قال الشيخ : وحدث بهذا الحديث ، عن يوسف بن الحسين ، شيخنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم فيما أملاه ثنا يوسف بن الحسين الرازي الصوفي ، ثنا بإسناده مثله ، ولم يذكر الكلام . أحمد بن حنبل
حدثنا أبو محمد بن حيان إملاء ، ثنا أحمد بن عصام الرازي ، حدثني يوسف بن الحسين ، ثنا عامر بن سيار ، ثنا محمد بن زياد ، عن ، عن ميمون بن مهران قال : ابن عباس . من اشترى ما لا يحتاج إليه أوشك أن يبيع ما يحتاج إليه
[ ص: 244 ]