ومنهم العامل الظريف والكامل النظيف ، كان مودع القرآن شعاره ، وظاهر البيان دثاره ، له اللسان المبسوط والبيان بالحق مربوط ، أوقف على مراتب المأسورين ومقامات أهل البلاء من المأخوذين ، فتمنى ما خصوا به من الصفاء والاعتلاء ، فعومل بما تمنى من المحن والابتلاء ، . أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء
سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن حبيش - صاحب - يقول : صحبت الجنيد بن محمد أبا العباس بن عطاء عدة سنين متأدبا بآدابه ، وفي كل شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات ، وبقي في ختمه يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة يستروح إلى معاني مودعها فمات قبل أن يختمها . وكان له كل يوم ختمة
وسمعته يقول في قوله عز وجل : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) ، فقال : في البيت مقام إبراهيم وفي القلب آثار رب إبراهيم ، وللبيت أركان وللقلب أركان ، فأركان البيت الصم من الصخور ، وأركان القلب معادن النور .
سمعت أبا سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن نصير الرازي - بنيسابور صاحب يوسف بن الحسين - يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء ، يقول : غمر الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه ، والتأدب بآدابه قولا وفعلا ونية وعقدا . من ألزم نفسه آداب السنة
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : قرن ثلاثة أشياء بثلاث ، قرنت الفتنة بالمنية ، وقرنت المحنة بالاختيار ، وقرنت البلوى بالدعاوي ، وسئل : ؟ قال : إلى قوله : بسم الله الرحمن [ ص: 303 ] الرحيم ؛ لأن في بسم الله هيبته ، وفي اسمه الرحمن عونه ونصرته ، وفي اسمه الرحيم مودته ومحبته ، ثم قال : سبحان من فرق بين هذه المعاني في لطافتها في هذه الأسامي في غوامضها . إلام تسكن قلوب العارفين
سمعت أبي يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : إذا فأدبها بمجالسة الحكماء ، فمن أراد أن يستضيء بنور الحكمة فليلاق بها أهل الفهم والعقل ، وسمعته يقول : القلب إذا اشتاق إلى الجنة أسرعت إليه هدايا الجنة ، وهي المكروه ؛ لأن المكاره هدايا الجنة إلى أبدان الصادقين ، ومن فر بنفسه إلى حصن المكروه رحلت شهوات الطمع عن قلبه ، وقال : من كانت نفسك غير ناظرة لقلبك رضا القلب بحلول المكروه . علامة الصدق
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول : قال أبو العباس بن عطاء : فإنه يصلح لبساط الكرامة ، من تأدب بآداب الصالحين فإنه يصلح لبساط القربة ، ومن تأدب بآداب الأولياء فإنه يصلح لبساط الأنس والانبساط . ومن تأدب بآداب الأنبياء
وسمعته يقول : قال أبو العباس بن عطاء : ، ولم تزل الغفلة بالفاجر حتى أوفدته على شر أحواله . لم تزل الشفقة بالمؤمن حتى أوفدته على خير أحواله
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : أدن قلبك من لعله ينتبه عن غفلته ، وأقم شخصك في مجالسة الذاكرين لعله يتعود ببركتها طاعة رب العالمين . خدمة الصالحين
قال : وسئل أبو العباس وأنا حاضر عن والعياذ بالله ، فقال : رؤية النفس وأفعالها ، وأشد من ذلك مطالبة الأعواض عن أفعالها . أقرب شيء إلى مقت الله
قال : وسمعته يقول : من أربعة : صيانة سره فيما بينه وبين الله ، وحفظ جوارحه فيما بينه وبين الله ، واحتمال الأذى فيما بينه وبين خلق الله ، ومداراته مع الخلق على تفاوت عقولهم . علامات الأولياء
سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : انقطعت عنه الأسباب كلها ، وما دام ملاحظا لشيء فهو [ ص: 304 ] غير مشاهد لحقيقة الحق ، وهذا مقام من صفت له الولاية فلم يحجب عنه المنتهى والغاية . من شاهد الحق بالحق
وسئل عن قوله تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) ، فقال : المضطجعون على مراتب : مضطجع على فراشه ، ومضطجع في نفسه ، ومضطجع في دنياه ، فالمضطجع على فراشه فهو الظالم ، متى انتبه ذكر الله تعالى أعطي ثوابه عشرة أمثالها ، والمضطجع في دنياه فهو المقتصد متى انتبه وجل من مطالعة الدنيا واستغفر أعطي ثوابه سبعمائة ضعف ، وأما المضطجع في نفسه فهو السابق متى شاهد نفسه ورأى ضلالتها ظن أنه من الهالكين ، حينئذ يفتقر إلى الله بطلب السلامة من نفسه ، فهذا ممن ثوابه : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) ، قال أبو العباس : ذكر الثواب عن ذكر الله غفلة عن الله .
أنشدني محمد بن علي بن حبيش ، قال : أنشدني أحمد بن سهل بن عطاء :
بالله أبلغ ما أسعى وأدركه لا بي ولا بشفيع إلى الناس
إذا يئست وكاد اليأس يقلقني
جاء الغنى عجبا من جانب اليأس
قال ابن حبيش : فزدته ثالثا بين يديه :
أعود في كل أمر جل مطلبه عندي إلى كاشف الضر والبأس
قال : وأنشدني ابن عطاء :
دبوا إلى المجد والساعون قد بلغوا جهد النفوس وشدوا نحوه الأزرا
وساوروا المجد حتى مل أكثرهم
وعانق المجد من وافى ومن صبرا
لا تحسب المجد تمرا أنت تأكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
قال : وأنشدني رحمه الله :
ذكرك لي مؤنس يعارضني يوعدني عنك منك بالظفر
فكيف أنساك يا مدى هممي وأنت مني بموضع من النظر ؟
وسئل : ؟ قال : ترك الاختيار ، وملازمة الافتقار . ما العبودية
وقال : إياك أن تلاحظ مخلوقا وأنت تجد إلى ملاحظة الحق سبيلا .
قال الشيخ : كان كثير الحديث .
حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا أبو العباس بن عطاء الصوفي ، ثنا [ ص: 305 ] ، ثنا يوسف بن موسى القطان الحسن بن بشر البلخي ، ثنا الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة ، عن أبي مليح ، عن واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني تميم يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من " .
حدثنا محمد بن علي ، ثنا أبو العباس بن عطاء ، ثنا الفضل بن زياد ، ثنا ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي ليلى الحكم بن مقسم ، عن ، قال : ابن عباس . قضم الملح في جماعة خير من أكل الفالوذج في فرقة
قال الشيخ : ذكر جماعة من أعلام البغداديين كان المفزع إلى أدعيتهم عند المحن والنوازل لصفاء أحوالهم ، ووفاء أقوالهم ، فكانت آثارهم في الإجابة مشهورة ، وأوقاتهم بالمشاهد والمسامرة معمورة ، صحبوا ، وأصحاب بشر بن الحارث الحافي معروف الكرخي ، حماهم الحق عن التبدل ، وحلاهم بخلوة الذكر والاشتهار ، لقينا أصحابهم وكانوا على سمتهم مشتهرين بالذكر شاهدين مغتنمين للوقت مجاهدين ، منهم إبراهيم بن السري السقطي ، وبدر بن المنذر المغازلي ، ، وأبو أحمد القلانسي وخير النساج ، وأبو بكر بن مسلم بن حمزة البصري ، عداده في البغداديين .