قال الشيخ : ومنهم سمنون بن حمزة أبو الحسن الخواص ، وقيل : أبو بكر بصري ، سكن بغداد ومات قبل الجنيد ، سمى نفسه سمنون الكذاب ، وكان سبب ذلك أبياته التي قال فيها :
[ ص: 310 ]
فليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فامتحني
فحصر بوله من ساعته ، فسمى نفسه سمنون الكذاب .
أخبرني عبد المنعم ، عن أبي بكر الواسطي ، قال : قال سمنون : ، فاحتبس بوله أربعة عشر يوما ، فكان يلتوي كما تلتوي الحية على الرمل يتقلب يمينا وشمالا ، فلما أطلق بوله ، قال : يا رب تبت إليك . يا رب قد رضيت بكل ما تقضيه علي
وأنشدت عن جعفر ، عن سمنون :
أنا راض بطول صدك عني ليس إلا لأن ذاك هواكا
فامتحن بالجفا صبري على الود ودعني معلقا برجاكا
ومن أبياته التي امتحن فيها : ما حدثناه عثمان بن محمد العثمان ، قال : أنشدني علي بن عبد الله بن سويد ، قال : أنشدنا محمد بن أحمد ، أن ابن الصباح قال : أنشدنا علي بن غياث البزاز ، قال : أنشدنا سمنون أبو الحسن ، أو أبو بكر البصري :
أفديك بل قل أن يفديك ذو دنف ؟ هل في المذلة للمشتاق من عار
بي منك شوق لو ان الصخر يحمله تفطر الصخر عن مستوقد النار
قد دب حبك في الأعضاء من جسدي دبيب لفظي من روحي وإضماري
ولا تنفست إلا كنت مع نفسي وكل جارحة من خاطري جاري
قال : وأنشدنا أيضا سمنون لنفسه :
فأنت والقلب شيء غير مفترق شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها
وما تطابقت الأحداق من سنة إلا وجدتك بين الجفن والحدق
وأنشدني عثمان بن محمد ، قال : أنشدني أبو علي الحسن بن أحمد الصوفي لسمنون :
أعلم أنه رضا لك أو مدن لنا من وصالكا ولو قيل طأ في النار
لقدمت رجلي نحوها فوطئتها سرورا لأني قد خطرت ببالكا
وأنشدني عثمان ، قال : أنشدني علي بن عبد الله بن سويد ، قال : حدثني محمد بن حمدان ، قال : رأيت سمنون ، وقد أدخل رأسه في زر نافقته ، وعليه جربان من أدم ، ثم أخرج رأسه بعد ساعة وزفر ، وقال :
[ ص: 311 ]
تركت الفؤاد عليلا يعاد وشردت نومي فما لي رقاد
وأنشدني محمد بن الحسين بن موسى ، قال : أنشدنا محمد بن عبد الله بن عبد العزيز ، قال : أنشدنا أبو جعفر الفرغاني ، قال : أنشدنا سمنون البصري :
أحن بأطراف النهار صبابة وبالليل يدعوني الهوى فأجيب
وأيامنا تفنى وشوقي زائد كأن زمان الشوق ليس يغيب
سمعت محمد بن الحسين ، يقول : سمعت ، يقول : سمعت أبا بكر الرازي أبا بكر العجان ، يقول : سمعت سمنون ، يقول : دخل ذنوب الأولين والآخرين في حاشية من حواشيه ، وإذا أبدى عينا من عيون الجود ألحق المسيء بالمحسن . إذا بسط الجليل غدا بساط المجد
أخبرت عن عمر بن رفيل -وقد لقيته بجرجوايا - قال : سمعت أبا القاسم الهاشمي يقول : كنت في بيت المقدس في برد شديد وعلي جبة وكساء وأخذ البرد والثلج يسقط ، فرأيت شابا عليه خرقتان في صحراء يمشي ، فقلت : يا حبيبي لو استترت ببعض هذه الأروقة فتكنك من البرد ، فقال لي : يا أخي سمنون :
وهل أحد في كنه يجد القرا ويحسن ظني أنني في فنائه
ومنهم المشهورون بالنسك والتعبد السالكون مسلك أوليائهم من المتعبدين ، الذين تخرجوا على المتحققين ، وراضوا أنفسهم رياضة العلماء [ ص: 312 ] المتقين ، كعلي بن الموفق ، وأبي عثمان الوراق ، وأيوب الحمال ، وأبي عبد الله الجلاء ، رحمهم الله .
كانت بواطنهم بالمشاهدة عامرة ، وظواهرهم عن المناظرة والمذاكرة شاغلة ، فلم ينقل عنهم غير الأحوال المكنية اللطيفة .