أما قوله : ( الله لا إله إلا هو ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : ( الله ) رفع بالابتداء ، وما بعده خبره .
المسألة الثانية : قال بعضهم : الإله هو المعبود . وهو خطأ لوجهين :
الأول : أنه تعالى كان إلها في الأزل ، وما كان معبودا .
والثاني : أنه تعالى أثبت معبودا سواه في القرآن بقوله : ( إنكم وما تعبدون من دون الله ) [الأنبياء : 98] بل الإله هو القادر على ما إذا فعله كان مستحقا للعبادة .
أما قوله : ( الحي ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الحي أصله حيي كقوله : حذر وطمع فأدغمت الياء في الياء عند اجتماعهما ، وقال ابن الأنباري : أصله الحيو ، فلما اجتمعت الياء والواو ثم كان السابق ساكنا فجعلتا ياء مشددة .
المسألة الثانية : قال المتكلمون : الحي كل ذات يصح أن يعلم ويقدر ، واختلفوا في أن هذا المفهوم صفة موجودة أم لا ، فقال بعضهم : إنه عبارة عن كون الشيء بحيث لا يمتنع أنه يعلم ويقدر ، وعدم الامتناع لا يكون صفة موجودة ، وقال المحققون : ولما كانت الحياة عبارة عن عدم الامتناع ، وقد ثبت أن الامتناع أمر عدمي ، إذ لو كان وصفا موجودا لكان الموصوف به موجودا ، فيكون ممتنع الوجود موجودا وهو محال ، وثبت أن الامتناع عدم ، وثبت أن الحياة عدم هذا الامتناع ، وثبت أن عدم العدم وجود ، لزم أن يكون المفهوم من الحياة صفة موجودة وهو المطلوب .
المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : لما كان معنى الحي هو أنه الذي يصح أن يعلم ويقدر ، وهذا القدر حاصل لجميع الحيوانات ، فكيف يحسن أن يمدح الله نفسه بصفة يشاركه فيها أخس الحيوانات؟
والذي عندي في هذا الباب أن الحي في أصل اللغة ليس عبارة عن هذه الصحة ، بل كل شيء كان كاملا في جنسه ، فإنه يسمى حيا ، ألا ترى أن ، وقال تعالى : ( عمارة الأرض الخربة تسمى : إحياء الموات فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ) [الروم : 50] وقال : ( إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض ) [فاطر : 9] والصفة المسماة في عرف المتكلمين ، إنما سميت بالحياة ؛ لأن كمال حال الجسم أن يكون موصوفا بتلك الصفة فلا جرم سميت تلك الصفة حياة ؛ وكمال حال الأشجار أن تكون مورقة خضرة ، فلا جرم سميت هذه الحالة حياة ، وكمال الأرض أن تكون معمورة فلا جرم سميت هذه الحالة حياة ، فثبت أن المفهوم الأصلي من لفظ الحي كونه واقعا على أكمل أحواله وصفاته ، وإذا كان كذلك فقد زال الإشكال ؛ لأن المفهوم من الحي هو الكامل ، ولما لم يكن ذلك مقيدا بأنه كامل في هذا دون ذاك دل على أنه كامل على الإطلاق ، فقوله : الحي يفيد كونه كاملا على الإطلاق ، والكامل هو أن لا يكون قابلا للعدم لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية ولا في صفاته النسبية والإضافية ، ثم عند هذا إن خصصنا القيوم بكونه سببا لتقويم غيره فقد زال الإشكال ؛ لأن كونه سببا لتقويم غيره يدل على كونه متقوما بذاته ، وكونه قيوما يدل على كونه مقوما لغيره ، وإن جعلنا القيوم اسما يدل على كونه يتناول المتقوم بذاته والمقوم لغيره كان لفظ القيوم مفيدا فائدة لفظ الحي مع زيادة ، فهذا ما عندي في هذا الباب ، والله أعلم .
[ ص: 8 ] أما قوله تعالى : ( القيوم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : مبالغة في القائم ، فلما اجتمعت الياء والواو ثم كان السابق ساكنا جعلتا ياء مشددة ، ولا يجوز أن يكون على فعول ؛ لأنه لو كان كذا لكان قووما ، وفيه ثلاث لغات : قيوم وقيام وقيم ، ويروى عن القيوم في اللغة عمر رضي الله عنه أنه قرأ : الحي القيام . ومن الناس من قال : هذه اللفظة عبرية لا عربية ، لأنهم يقولون : حيا قيوما . وليس الأمر كذلك ، لأنا بينا أن له وجها صحيحا في اللغة ، ومثله : ما في الدار ديار وديور ودير ، وهو من الدوران ، أي : ما بها خلق يدور ، يعني : يجيء ويذهب ، وقال : أمية بن أبي الصلت
قدرها المهيمن القيوم
المسألة الثانية : اختلفت عبارات المفسرين في هذا الباب ، فقال : القيوم القائم على كل شيء ، وتأويله أنه قائم بتدبير أمر الخلق في إيجادهم ، وفي أرزاقهم ، ونظيره من الآيات قوله تعالى : ( مجاهد أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) [الرعد : 33] وقال : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) [آل عمران : 18] إلى قوله ( قائما بالقسط ) [آل عمران : 18] وقال : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ) [فاطر : 41] وهذا القول يرجع حاصله إلى كونه مقوما لغيره ، وقال الضحاك : القيوم الدائم الوجود الذي يمتنع عليه التغير ، وأقول : هذا القول يرجع معناه إلى كونه قائما بنفسه في ذاته وفي وجوده ، وقال بعضهم : القيوم الذي لا ينام بالسريانية ، وهذا القول بعيد ؛ لأنه يصير قوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .