أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يخرجهم من الظلمات إلى النور ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : أجمع المفسرون على أن المراد ههنا من الظلمات والنور : الكفر والإيمان ، فتكون الآية صريحة في
nindex.php?page=treesubj&link=28785_28786أن الله تعالى هو الذي أخرج الإنسان من الكفر وأدخله في الإيمان ، فيلزم أن يكون الإيمان بخلق الله ؛ لأنه لو حصل بخلق العبد لكان هو الذي أخرج نفسه من الكفر إلى الإيمان ، وذلك يناقض صريح الآية .
أجابت
المعتزلة عنه من وجهين :
الأول : أن الإخراج من الظلمات إلى النور محمول على نصب الدلائل ، وإرسال الأنبياء ، وإنزال الكتب ، والترغيب في الإيمان بأبلغ الوجوه ، والتحذير عن الكفر بأقصى الوجوه ، وقال القاضي : قد نسب الله تعالى الإضلال إلى الصنم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) [إبراهيم : 36] لأجل أن الأصنام سبب بوجه ما لضلالهم ، فأن يضاف الإخراج من الظلمات إلى النور إلى الله تعالى مع قوة الأسباب التي فعلها بمن يؤمن كان أولى .
والوجه الثاني : أن يحمل الإخراج من الظلمات إلى النور على أنه تعالى يعدل بهم من النار إلى الجنة . قال القاضي : هذا أدخل في الحقيقة ، لأن ما يقع من ذلك في الآخرة يكون من فعله تعالى فكأنه فعله .
والجواب عن الأول من وجهين :
أحدهما : أن هذه الإضافة حقيقة في الفعل ، ومجاز في الحث والترغيب ، والأصل حمل اللفظ على الحقيقة .
والثاني : أن هذه الترغيبات إن كانت مؤثرة في ترجيح الداعية صار الراجح واجبا ، والمرجوح ممتنعا ، وحينئذ يبطل قول
المعتزلة ؛ وإن لم يكن لها أثر في الترجيح لم يصح تسميتها بالإخراج .
وأما السؤال الثاني : وهو حمل اللفظ على العدول بهم من النار إلى الجنة فهو أيضا مدفوع من وجهين :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : كل ما كان في القرآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257من الظلمات إلى النور ) فإنه أراد به الكفر والإيمان ،
[ ص: 18 ] غير قوله تعالى في سورة الأنعام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وجعل الظلمات والنور ) [الأنعام : 1] فإنه يعني به الليل والنهار ، وقال : وجعل الكفر ظلمة ؛ لأنه كالظلمة في المنع من الإدراك ، وجعل الإيمان نورا ؛ لأنه كالسبب في حصول الإدراك .
والجواب الثاني : أن العدول بالمؤمن من النار إلى الجنة أمر واجب على الله تعالى عند
المعتزلة فلا يجوز حمل اللفظ عليه .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يخرجهم من الظلمات إلى النور ) ظاهره يقتضي أنهم كانوا في الكفر ثم أخرجهم الله تعالى من ذلك الكفر إلى الإيمان ، ثم ههنا قولان :
القول الأول : أن يجرى اللفظ على ظاهره ، وهو أن هذه الآية مختصة بمن كان كافرا ثم أسلم ، والقائلون بهذا القول ذكروا في سبب النزول روايات :
إحداها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هذه الآية نزلت في قوم آمنوا
بعيسى عليه السلام وقوم كفروا به ، فلما بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به من كفر
بعيسى ، وكفر به من آمن
بعيسى عليه السلام .
وثانيتها : أن الآية نزلت في قوم آمنوا
بعيسى عليه السلام على طريقة
النصارى ، ثم آمنوا بعده
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كان إيمانهم
بعيسى حين آمنوا به ظلمة وكفرا ، لأن القول بالاتحاد كفر ، والله تعالى أخرجهم من تلك الظلمات إلى نور الإسلام .
وثالثتها : أن الآية نزلت في كل كافر أسلم
بمحمد صلى الله عليه وسلم .
والقول الثاني : أن يحمل اللفظ على كل من آمن
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، سواء كان ذلك الإيمان بعد الكفر أو لم يكن كذلك ، وتقريره أنه لا يبعد أن يقال : يخرجهم من النور إلى الظلمات وإن لم يكونوا في الظلمات البتة ، ويدل على جوازه : القرآن والخبر والعرف ، أما القرآن فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) [آل عمران : 103] ومعلوم أنهم ما كانوا قط في النار ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي ) [يونس : 98] ولم يكن نزل بهم عذاب البتة ، وقال في قصة
يوسف عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=37تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ) [يوسف : 37] ولم يكن فيها قط ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=70ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) [النحل : 70] وما كانوا فيه قط ، وأما الخبر فروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012000أنه صلى الله عليه وسلم سمع إنسانا قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال : على الفطرة ، فلما قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، فقال : خرج من النار ، ومعلوم أنه ما كان فيها ، وروي أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012001تتهافتون في النار تهافت الجراد ، وها أنا آخذ بحجزكم ، ومعلوم أنهم ما كانوا متهافتين في النار ، وأما العرف فهو أن الأب إذا أنفق كل ماله فالابن قد يقول له : أخرجتني من مالك ، أي : لم تجعل لي فيه شيئا ، لا أنه كان فيه ثم أخرج منه ، وتحقيقه أن
nindex.php?page=treesubj&link=30454العبد لو خلا عن توفيق الله تعالى لوقع في الظلمات ، فصار توفيقه تعالى سببا لدفع تلك الظلمات عنه ، وبين الدفع والرفع مشابهة ، فبهذا الطريق يجوز استعمال الإخراج والإبعاد في معنى الدفع والرفع . والله أعلم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ) فاعلم أنه قرأ
الحسن " أولياؤهم الطواغيت " واحتج بقوله تعالى بعده : ( يخرجونهم ) إلا أنه شاذ مخالف للمصحف ، وأيضا قد بينا في اشتقاق هذا اللفظ أنه مفرد لا جمع .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) فقد استدلت
المعتزلة بهذه الآية على أن الكفر ليس من الله تعالى ، قالوا : لأنه تعالى أضافه إلى الطاغوت مجازا باتفاق ؛ لأن المراد من الطاغوت على أظهر
[ ص: 19 ] الأقوال هو الصنم ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) [إبراهيم : 36] فأضاف الإضلال إلى الصنم ، وإذا كانت هذه الإضافة بالاتفاق بيننا وبينكم مجازا ، خرجت عن أن تكون حجة لكم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) يحتمل أن يرجع ذلك إلى الكفار فقط ، ويحتمل أن يرجع إلى الكفار والطواغيت معا ، فيكون زجرا للكل ووعيدا ؛ لأن لفظ " أولئك " إذا كان جمعا وصح رجوعه إلى كلا المذكورين ، وجب رجوعه إليهما معا ، والله تعالى أعلم بالصواب .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هَهُنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ : الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ ، فَتَكُونُ الْآيَةُ صَرِيحَةً فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28785_28786أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الْإِنْسَانَ مِنَ الْكُفْرِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِيمَانِ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ بِخَلْقِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ بِخَلْقِ الْعَبْدِ لَكَانَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَذَلِكَ يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْآيَةِ .
أَجَابَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ مَحْمُولٌ عَلَى نَصْبِ الدَّلَائِلِ ، وَإِرْسَالِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ ، وَالتَّرْغِيبِ فِي الْإِيمَانِ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ ، وَالتَّحْذِيرِ عَنِ الْكُفْرِ بِأَقْصَى الْوُجُوهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : قَدْ نَسَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِضْلَالَ إِلَى الصَّنَمِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) [إِبْرَاهِيمَ : 36] لِأَجْلِ أَنَّ الْأَصْنَامَ سَبَبٌ بِوَجْهٍ مَا لِضَلَالِهِمْ ، فَأَنْ يُضَافَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ قُوَّةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي فَعَلَهَا بِمَنْ يُؤْمِنُ كَانَ أَوْلَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُحْمَلَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَعْدِلُ بِهِمْ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ . قَالَ الْقَاضِي : هَذَا أَدْخَلُ فِي الْحَقِيقَةِ ، لِأَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ مِنْ فِعْلِهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ ، وَمَجَازٌ فِي الْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ ، وَالْأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ التَّرْغِيبَاتِ إِنْ كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فِي تَرْجِيحِ الدَّاعِيَةِ صَارَ الرَّاجِحُ وَاجِبًا ، وَالْمَرْجُوحُ مُمْتَنِعًا ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ قَوْلُ
الْمُعْتَزِلَةِ ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَثَرٌ فِي التَّرْجِيحِ لَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهَا بِالْإِخْرَاجِ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي : وَهُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْعُدُولِ بِهِمْ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ فَهُوَ أَيْضًا مَدْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيُّ : كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ ،
[ ص: 18 ] غَيْرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) [الْأَنْعَامِ : 1] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : وَجَعَلَ الْكُفْرَ ظُلْمَةً ؛ لِأَنَّهُ كَالظُّلْمَةِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْإِدْرَاكِ ، وَجَعَلَ الْإِيمَانَ نُورًا ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّبَبِ فِي حُصُولِ الْإِدْرَاكِ .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ الْعُدُولَ بِالْمُؤْمِنَ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ، ثُمَّ هَهُنَا قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنْ يُجْرَى اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا فِي سَبَبِ النُّزُولِ رِوَايَاتٍ :
إِحْدَاهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ آمَنُوا
بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمٍ كَفَرُوا بِهِ ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ بِهِ مَنْ كَفَرَ
بِعِيسَى ، وَكَفَرَ بِهِ مَنْ آمَنَ
بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَثَانِيَتُهَا : أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ آمَنُوا
بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى طَرِيقَةِ
النَّصَارَى ، ثُمَّ آمَنُوا بَعْدَهُ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدْ كَانَ إِيمَانُهُمْ
بِعِيسَى حِينَ آمَنُوا بِهِ ظُلْمَةً وَكُفْرًا ، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ كُفْرٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَهُمْ مِنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ إِلَى نُورِ الْإِسْلَامِ .
وَثَالِثَتُهَا : أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كُلِّ كَافِرٍ أَسْلَمَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى كُلِّ مَنْ آمَنَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْإِيمَانُ بَعْدَ الْكُفْرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : يُخْرِجُهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الظُّلُمَاتِ الْبَتَّةَ ، وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ : الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ وَالْعُرْفُ ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ) [آلِ عِمْرَانَ : 103] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا قَطُّ فِي النَّارِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ ) [يُونُسَ : 98] وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِمْ عَذَابٌ الْبَتَّةَ ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=37تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [يُوسُفَ : 37] وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قَطُّ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=70وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) [النَّحْلِ : 70] وَمَا كَانُوا فِيهِ قَطُّ ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَرُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012000أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ إِنْسَانًا قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ : عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَلَمَّا قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ : خَرَجَ مِنَ النَّارِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَا كَانَ فِيهَا ، وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012001تَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ تَهَافُتَ الْجَرَادِ ، وَهَا أَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُتَهَافِتِينَ فِي النَّارِ ، وَأَمَّا الْعُرْفُ فَهُوَ أَنَّ الْأَبَ إِذَا أَنْفَقَ كُلَّ مَالِهِ فَالِابْنُ قَدْ يَقُولُ لَهُ : أَخْرَجْتَنِي مِنْ مَالِكَ ، أَيْ : لَمْ تَجْعَلْ لِي فِيهِ شَيْئًا ، لَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30454الْعَبْدَ لَوْ خَلَا عَنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى لَوَقَعَ فِي الظُّلُمَاتِ ، فَصَارَ تَوْفِيقُهُ تَعَالَى سَبَبًا لِدَفْعِ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ عَنْهُ ، وَبَيْنَ الدَّفْعِ وَالرَّفْعِ مُشَابَهَةٌ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْإِخْرَاجِ وَالْإِبْعَادِ فِي مَعْنَى الدَّفْعِ وَالرَّفْعِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَرَأَ
الْحَسَنُ " أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّوَاغِيتُ " وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ : ( يُخْرِجُونَهُمْ ) إِلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْمُصْحَفِ ، وَأَيْضًا قَدْ بَيَّنَّا فِي اشْتِقَاقِ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مُفْرَدٌ لَا جَمْعٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) فَقَدِ اسْتَدَلَّتِ
الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالُوا : لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَى الطَّاغُوتِ مَجَازًا بِاتِّفَاقٍ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الطَّاغُوتِ عَلَى أَظْهَرِ
[ ص: 19 ] الْأَقْوَالِ هُوَ الصَّنَمُ ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) [إِبْرَاهِيمَ : 36] فَأَضَافَ الْإِضْلَالَ إِلَى الصَّنَمِ ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَجَازًا ، خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لَكُمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إِلَى الْكُفَّارِ فَقَطْ ، وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفَّارِ وَالطَّوَاغِيتِ مَعًا ، فَيَكُونُ زَجْرًا لِلْكُلِّ وَوَعِيدًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَ " أُولَئِكَ " إِذَا كَانَ جَمْعًا وَصَحَّ رُجُوعُهُ إِلَى كِلَا الْمَذْكُورَيْنِ ، وَجَبَ رُجُوعُهُ إِلَيْهِمَا مَعًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .