البحث الثاني : أن أفضل ، ويدل عليه وجوه : الإظهار في إعطاء الزكاة الواجبة
الأول : أن الله تعالى أمر الأئمة بتوجيه السعاة لطلب الزكاة ، وفي دفعها إلى السعاة إظهارها .
وثانيها : أن في إظهارها نفي التهمة ، فإذا اختلف حكم فرض الصلاة ونفلها في الإظهار والإخفاء لنفي التهمة ، فكذا في الزكاة . روي أنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته في البيت إلا المكتوبة
وثالثها : أن إظهارها يتضمن المسارعة إلى أمر الله تعالى وتكليفه ، وإخفاءها يوهم ترك الالتفات إلى أداء الواجب فكان الإظهار أولى ، هذا كله في بيان قول من قال المراد [ ص: 66 ] بالصدقات المذكورة في هذه الآية صدقة التطوع فقط .
القول الثاني : وهو قول أن اللفظ متناول للواجب والمندوب ، وأجاب عن قول من قال : الإظهار في الواجب أولى من وجوه : الحسن البصري
الأول : أن إظهار زكاة الأموال توجب إظهار قدر المال ، وربما كان ذلك سببا للضرر ، بأن يطمع الظلمة في ماله ، أو بكثرة حساده ، وإذا كان الأفضل له إخفاء ماله لزم منه لا محالة أن يكون إخفاء الزكاة أولى .
والثاني : أن هذه الآية إنما نزلت في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم , والصحابة ما كانوا متهمين في ترك الزكاة فلا جرم كان إخفاء الزكاة أولى لهم ؛ لأنه أبعد عن الرياء والسمعة ، أما الآن فلما حصلت التهمة كان الإظهار أولى بسبب حصول التهمة .
الثالث : أنا لا نسلم دلالة قوله : ( فهو خير ) على الترجيح وقد سبق بيانه .
أما قوله تعالى : ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) فالإخفاء نقيض الإظهار وقوله : ( فهو ) كناية عن الإخفاء ؛ لأن الفعل يدل على المصدر ، أي الإخفاء خير لكم ، وقد ذكرنا أن قوله : ( خير لكم ) يحتمل أن يكون المراد منه أنه في نفسه خير من الخيرات ، كما يقال : الثريد خير ، وأن يكون المراد منه الترجيح ، وإنما شرط تعالى في كون الإخفاء أفضل أن تؤتوها الفقراء ؛ لأن عند الإخفاء الأقرب أن يعدل بالزكاة عن الفقراء ، إلى الأحباب والأصدقاء الذين لا يكونون مستحقين للزكاة ، ولذلك شرط في الإخفاء أن يحصل معه إيتاء الفقراء ، والمقصود بعث المتصدق على أن يتحرى موضع الصدقة ، فيصير عالما بالفقراء ، فيميزهم عن غيرهم ، فإذا تقدم منه هذا الاستظهار ثم أخفاها حصلت الفضيلة .