ثم قال تعالى : ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في هذه الآية وجوه :
الأول : أن يكون المعنى : ولستم في صدقتكم على أقاربكم من المشركين تقصدون إلا وجه الله ، فقد علم الله هذا من قلوبكم ، فأنفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبتغون بذلك [ ص: 69 ] وجه الله في صلة رحم وسد خلة مضطر ؛ وليس عليكم اهتداؤهم حتى يمنعكم ذلك من الإنفاق عليهم .
الثاني : أن هذا وإن كان ظاهره خبرا إلا أن معناه نهي ، أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ، وورد الخبر بمعنى الأمر والنهي كثيرا ، قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن ) [البقرة : 233] ( والمطلقات يتربصن ) [البقرة : 228].
الثالث : أن قوله : ( وما تنفقون ) أي ولا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم الذي يفيد المدح حتى تبتغوا بذلك وجه الله .
المسألة الثانية : ذكر في الوجه في قوله : ( إلا ابتغاء وجه الله ) قولان : أحدهما : أنك إذا قلت : فعلته لوجه زيد فهو أشرف في الذكر من قولك : فعلته له ؛ لأن وجه الشيء أشرف ما فيه ، ثم كثر حتى صار يعبر عن الشرف بهذا اللفظ . والثاني : أنك إذا قلت : فعلت هذا الفعل له فههنا يحتمل أن يقال : فعلته له ولغيره أيضا ، أما إذا قلت فعلت هذا الفعل لوجهه ، فهذا يدل على أنك فعلت الفعل له فقط وليس لغيره فيه شركة .
المسألة الثالثة : أجمعوا على أنه لا يجوز ، فتكون هذه الآية مختصة بصدقة التطوع ، وجوز صرف الزكاة إلى غير المسلم رضي الله عنه أبو حنيفة ، وأباه غيره ، وعن بعض العلماء : لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك . صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة
ثم قال تعالى : ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) أي يوف إليكم جزاؤه في الآخرة ، وإنما حسن قوله : ( إليكم ) مع التوفية لأنها تضمنت معنى التأدية .
ثم قال : ( وأنتم لا تظلمون ) أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا لقوله تعالى : ( آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ) [الكهف : 33] يريد لم تنقص .