الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ظاهر هذا الكلام نهي لكل من كان كاتبا عن الامتناع عن الكتابة ، وإيجاب الكتابة على كل من كان كاتبا ، وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن هذا على سبيل الإرشاد إلى الأولى لا على سبيل الإيجاب ، والمعنى أن الله تعالى لما علمه الكتابة ، وشرفه بمعرفة الأحكام الشرعية ، فالأولى أن يكتب تحصيلا لمهم أخيه المسلم شكرا لتلك النعمة ، وهو كقوله تعالى : ( وأحسن كما أحسن الله إليك ) [ القصص : 77] فإنه ينتفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قول الشعبي : أنه فرض كفاية ، فإن لم يجد أحدا يكتب إلا ذلك الواحد وجب الكتابة عليه ، فإن وجد أقواما كان الواجب على واحد منهم أن يكتب .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثالث : أن هذا كان واجبا على الكاتب ، ثم نسخ بقوله تعالى : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الرابع : أن متعلق الإيجاب هو أن يكتب كما علمه الله ، يعني أن بتقدير أن يكتب فالواجب أن يكتب على ما علمه الله ، وأن لا يخل بشرط من الشرائط ، ولا يدرج فيه قيدا يخل بمقصود الإنسان ، وذلك لأنه لو كتبه من غير مراعاة هذه الشروط اختل مقصود الإنسان ، وضاع ماله ، فكأنه قيل له : إن كنت تكتب فاكتبه عن العدل ، واعتبار كل الشرائط التي اعتبرها الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( كما علمه الله ) فيه احتمالان : الأول : أن يكون متعلقا بما قبله ، والتقدير : ولا يأب كاتب عن الكتابة التي علمه الله إياها ، ولا ينبغي أن يكتب غير الكتابة التي علمه الله إياها ثم قال بعد ذلك : فليكتب تلك الكتابة التي علمه الله إياها .

                                                                                                                                                                                                                                            والاحتمال الثاني : أن يكون متعلقا بما بعده ، والتقدير : ولا يأب كاتب أن يكتب ، وههنا تم الكلام ، ثم قال بعده ( كما علمه الله فليكتب ) فيكون الأول أمرا بالكتابة مطلقا ثم أردفه بالأمر بالكتابة التي علمه الله إياها ، والوجهان ذكرهما الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية