ثم قال : ( ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ظاهر هذا الكلام نهي لكل من كان كاتبا عن ، وإيجاب الكتابة على كل من كان كاتبا ، وفيه وجوه : الامتناع عن الكتابة
الأول : أن هذا على سبيل الإرشاد إلى الأولى لا على سبيل الإيجاب ، والمعنى أن الله تعالى لما علمه الكتابة ، وشرفه بمعرفة الأحكام الشرعية ، فالأولى أن يكتب تحصيلا لمهم أخيه المسلم شكرا لتلك النعمة ، وهو كقوله تعالى : ( وأحسن كما أحسن الله إليك ) [ القصص : 77] فإنه ينتفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها .
والقول الثاني : وهو قول : أنه فرض كفاية ، فإن لم يجد أحدا يكتب إلا ذلك الواحد وجب الكتابة عليه ، فإن وجد أقواما كان الواجب على واحد منهم أن يكتب . الشعبي
والقول الثالث : أن هذا كان واجبا على الكاتب ، ثم نسخ بقوله تعالى : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) .
والقول الرابع : أن متعلق الإيجاب هو أن يكتب كما علمه الله ، يعني أن بتقدير أن يكتب فالواجب أن يكتب على ما علمه الله ، وأن لا يخل بشرط من الشرائط ، ولا يدرج فيه قيدا يخل بمقصود الإنسان ، وذلك لأنه لو كتبه من غير مراعاة هذه الشروط اختل مقصود الإنسان ، وضاع ماله ، فكأنه قيل له : إن كنت تكتب فاكتبه عن العدل ، واعتبار كل الشرائط التي اعتبرها الله تعالى .
المسألة الثانية : قوله : ( كما علمه الله ) فيه احتمالان : الأول : أن يكون متعلقا بما قبله ، والتقدير : ولا يأب كاتب عن الكتابة التي علمه الله إياها ، ولا ينبغي أن يكتب غير الكتابة التي علمه الله إياها ثم قال بعد ذلك : فليكتب تلك الكتابة التي علمه الله إياها .
والاحتمال الثاني : أن يكون متعلقا بما بعده ، والتقدير : ولا يأب كاتب أن يكتب ، وههنا تم الكلام ، ثم قال بعده ( كما علمه الله فليكتب ) فيكون الأول أمرا بالكتابة مطلقا ثم أردفه بالأمر بالكتابة التي علمه الله إياها ، والوجهان ذكرهما الزجاج .