المسألة الثانية : قوله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ) فالمعنى أنه عرف بالدلائل القاهرة والمعجزات الباهرة أن هذا ، وليس ذلك من باب إلقاء الشياطين ، ولا من نوع السحر والكهانة والشعبذة ، وإنما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بما ظهر من المعجزات القاهرة على يد القرآن وجملة ما فيه من الشرائع والأحكام نزل من عند الله تعالى جبريل عليه السلام .
فأما قوله : ( والمؤمنون ) ففيه احتمالان : أحدهما : أن يتم الكلام عند قوله : ( والمؤمنون ) فيكون المعنى : آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه من ربه ، ثم ابتدأ بعد ذلك بقوله ( كل آمن بالله ) والمعنى : كل واحد من المذكورين فيما تقدم ، وهم الرسول والمؤمنون آمن بالله .
الاحتمال الثاني : أن يتم الكلام عند قوله : ( بما أنزل إليه من ربه ) ثم يبتدئ من قوله : ( والمؤمنون كل آمن بالله ) ويكون المعنى أن الرسول آمن بكل ما أنزل إليه من ربه ، وأما المؤمنون فإنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، فالوجه الأول يشعر بأنه عليه الصلاة والسلام ما كان مؤمنا بربه ، ثم صار مؤمنا به ، ويحتمل عدم الإيمان على وقت الاستدلال ، وعلى الوجه الثاني يشعر اللفظ بأن الذي حدث هو إيمانه بالشرائع التي أنزلت عليه ، كما قال : ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) [ الشورى : 52 ] وأما الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله على الإجمال ، فقد كان حاصلا منذ خلقه الله من أول الأمر ، وكيف يستبعد ذلك مع أن عيسى عليه السلام حين انفصل عن أمه قال : إني عبد الله آتاني الكتاب ، فإذا لم يبعد أن عيسى عليه السلام كان رسولا من عند الله حين كان طفلا ، فكيف يستبعد أن يقال : إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان عارفا بربه من أول ما خلق كامل العقل .
[ ص: 113 ] المسألة الثالثة : دلت الآية على أن ، وإنما خص الرسول بذلك لأن الذي أنزل إليه من ربه قد يكون كلاما متلوا يسمعه الغير ويعرفه ويمكنه أن يؤمن به ، وقد يكون وحيا لا يعلمه سواه ، فيكون هو صلى الله عليه وسلم مختصا بالإيمان به ، ولا يتمكن غيره من الإيمان به ، فلهذا السبب كان الرسول مختصا في باب الإيمان بما لا يمكن حصوله في غيره . الرسول آمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله