الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قرأ حمزة ( وكتابه ) على الواحد ، والباقون ( كتبه ) على الجمع ، أما الأول ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 117 ] أحدهما : أن المراد هو القرآن ثم الإيمان به ويتضمن الإيمان بجميع الكتب والرسل ، والثاني : على معنى الجنس فيوافق معنى الجمع ، ونظيره قوله تعالى : ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ) [ البقرة : 213 ].

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : اسم الجنس إنما يفيد العموم إذا كان مقرونا بالألف واللام ، وهذه مضافة .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : قد جاء المضاف من الأسماء ونعني به الكثرة ، قال الله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] وقال الله تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) [ البقرة : 187 ] وهذا الإحلال شائع في جميع الصيام ، قال العلماء : والقراءة بالجمع أفضل لمشاكلة ما قبله وما بعده من لفظ الجمع ولأن أكثر القراءة عليه ، واعلم أن القراء أجمعوا في قوله : ( ورسله ) على ضم السين ، وعن أبي عمرو سكونها ، وعن نافع ( وكتبه ورسله ) مخففين ، وحجة الجمهور أن أصل الكلمة على فعل بضم العين ، وحجة أبي عمرو هي أن لا تتوالى أربع متحركات ؛ لأنهم كرهوا ذلك ، ولهذا لم تتوال هذه الحركات في شعر إلا أن يكون مزاحفا ، وأجاب الأولون أن ذلك مكروه في الكلمة الواحدة أما في الكلمتين فلا بدليل أن الإدغام غير لازم في ( وجعل ) ذلك مع أنه قد توالى فيه خمس متحركات ، والكلمة إذا اتصل بها ضمير فهي كلمتان لا كلمة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قوله : ( لا نفرق بين أحد من رسله ) فيه محذوف ، والتقدير : يقولون لا نفرق بين أحد من رسله كقوله ( والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا ) [ الأنعام : 93 ] معناه يقولون : أخرجوا وقال : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله ) [ الزمر : 3 ] أي قالوا هذا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : قرأ أبو عمرو ( يفرق ) بالياء على أن الفعل لكل ، وقرأ عبد الله ( لا يفرقون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : " أحد " في معنى الجمع ، كقوله ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) [ الحاقة : 47 ] والتقدير : لا نفرق بين جميع رسله ، هذا هو الذي قالوه ، وعندي أنه لا يجوز أن يكون أحد ههنا في معنى الجمع ؛ لأنه يصير التقدير : لا نفرق بين جميع رسله ، وهذا لا ينافي كونهم مفرقين بين بعض الرسل والمقصود بالنفي هو هذا ؛ لأن اليهود والنصارى ما كانوا يفرقون بين كل الرسل ، بل بين البعض وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فثبت أن التأويل الذي ذكروه باطل ، بل معنى الآية : لا نفرق بين أحد من الرسل ، وبين غيره في النبوة ، فإذا فسرناه بهذا حصل المقصود من الكلام ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية