ثم قال تعالى : ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الرسوخ في اللغة الثبوت في الشيء .
واعلم أن هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل اليقينية القطعية ، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية ، فإذا رأى شيئا متشابها ، ودل القطعي على أن الظاهر ليس مراد الله تعالى ، علم حينئذ قطعا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره ، وأن ذلك المراد حق ، ولا يصير كون ظاهره مردودا شبهة في الطعن في صحة القرآن . الراسخ في العلم
[ ص: 155 ] ثم حكى عنهم أيضا أنهم يقولون ( كل من عند ربنا ) والمعنى : أن كل واحد من ، وفيه سؤالان : المحكم والمتشابه من عند ربنا
السؤال الأول : لو قال : كل من ربنا كان صحيحا ، فما الفائدة في لفظ ( عند ) ؟
الجواب ; يحتاج فيه إلى مزيد التأكيد ، فذكر كلمة ( عند ) لمزيد التأكيد . الإيمان بالمتشابه
السؤال الثاني : لم جاز حذف المضاف إليه من ( كل ) ؟
الجواب : لأن دلالة المضاف عليه قوية ، فبعد الحذف الأمن من اللبس حاصل .
ثم قال : ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) وهذا ثناء من الله تعالى على الذين قالوا آمنا به ومعناه : ، فصار هذا اللفظ كالدلالة على أنهم يستعملون عقولهم في فهم القرآن ، فيعلمون الذي يطابق ظاهره دلائل العقول فيكون محكما ، وأما الذي يخالف ظاهره دلائل العقول فيكون متشابها ، ثم يعلمون أن الكل كلام من لا يجوز في كلامه التناقض والباطل ، فيعلمون أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى ، وهذه الآية دالة على علو شأن المتكلمين الذين يبحثون عن الدلائل العقلية ، ويتوسلون بها إلى معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله ، ولا يفسرون القرآن إلا بما يطابق دلائل العقول ، ويوافق اللغة والإعراب . ما يتعظ بما في القرآن إلا ذوو العقول الكاملة
واعلم أن الشيء كلما كان أشرف كان ضده أخس ، فكذلك مفسر القرآن متى كان موصوفا بهذه الصفة كانت درجته هذه الدرجة العظمى التي عظم الله الثناء عليه ، ومتى تكلم في القرآن من غير أن يكون متبحرا في علم الأصول ، وفي علم اللغة والنحو كان في غاية البعد عن الله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " .