( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ) .
قوله تعالى ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ) .
واعلم أن هذا ، وذلك لأنهم لما طلبوا من الله تعالى أن يصونهم عن الزيغ ، وأن يخصهم بالهداية والرحمة ، فكأنهم قالوا : ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقضية منقرضة ، وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ، ونعلم أن وعدك لا يكون خلفا وكلامك لا يكون كذبا ، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد ، ومن أعطيته التوفيق والهداية والرحمة وجعلته من المؤمنين ، بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد ، فالغرض الأعظم من ذلك الدعاء ما يتعلق بالآخرة . بقي في الآية مسائل : الدعاء من بقية كلام الراسخين في العلم
المسألة الأولى : قوله ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ) تقديره : جامع الناس للجزاء في يوم لا ريب فيه ، فحذف لكون المراد ظاهرا .
المسألة الثانية : قال الجبائي : إن كلام المؤمنين تم عند قوله ( ليوم لا ريب فيه ) فأما قوله ( إن الله لا يخلف الميعاد ) فهو كلام الله عز وجل ، كأن القوم لما قالوا ( إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ) صدقهم الله تعالى في ذلك وأيد كلامهم بقوله ( إن الله لا يخلف الميعاد ) كما قال حكاية عن المؤمنين في آخر هذه السورة ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) [ آل عمران : 194 ] ومن الناس من قال : لا يبعد ورود هذا على طريقة العدول في الكلام من الغيبة إلى الحضور ، ومثله في كتاب الله تعالى كثير ، قال تعالى : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ يونس : 22 ] .
فإن قيل : فلم قالوا في هذه الآية ( إن الله لا يخلف الميعاد ) وقالوا في تلك الآية ( إنك لا تخلف الميعاد ) [ آل عمران : 194 ] . [ ص: 159 ] قلت : الفرق والله أعلم أن هذه الآية في مقام الهيبة ، يعني أن لينتصف للمظلومين من الظالمين ، فكان ذكره باسمه الأعظم أولى في هذا المقام ، أما قوله في آخر السورة ( الإلهية تقتضي الحشر والنشر إنك لا تخلف الميعاد ) فذاك المقام مقام طلب العبد من ربه أن ينعم عليه بفضله ، وأن يتجاوز عن سيئاته فلم يكن المقام مقام الهيبة ، فلا جرم قال : ( إنك لا تخلف الميعاد ) .